لم يكتفي الخال الرئاسي الطيب مصطفى في خضم الهجمة المسعورة على الصحفية المتمكنة شمائل النور على اثر مقالتها هوس الفضيلة بمقالته الاولى التي وصفها فيها بأشنع الصفات .. و إنما كتب مقالا ثانيا قبل أيام ساقتني الصدفة على ان اطلع عليه في موقع النيلين .. المقال بعنوان : ما بين هوس الفضيلة و الأوبة إلى الله .. و هو باختصار يتحدث عن مقال بقلم فتاة سعودية تتحدت فيه عما أسمته اوبتها من طريق الضلال إلى الله و تتحسر فيه على ضلالها و إعجابها بالمرأة الغربية و عريها و استغلال الرجل لها لخدمة اغراضه الجنسية و انها وجدت راحتها في العودة للحجاب الذي هو صون للمرأة و كرامتها و عفتها و الإرتقاء بها عن دنس الغرائز الحيوانية .. و هو في النهاية يعقد مقارنة بين هذه التائبة العائدة إلى الله و بين الصحفية شمائل المتعدية حدود الله الداعية للانحلال و التفسخ .. و بعيدا عن العبارات الفجة و اللغة الديماغوغية التي كتب بها المقال .. و بعيدا عن التعرض الأثيم لشخص الاستاذة في أخلاقها و نزاهتها .. و بعيدا عن موضوع هذا المقال المتهافت الفطير الممجوج و المستهلك و الذي لا يمت بصلة لما حاولت الاستاذة شمائل تفنيده في مقالها .. فإننا نقول الآتي .. الخال الرئاسي غير مؤهل إطلاقا للحديث عن التقدم و الحضارة و الإرتقاء بالنفس الإنسانية وتهذيبها من دنس الغرائز الحيوانية .. فهو منغمس حتى أعلي رأسه في هذا الهوس .. هوس ما يظنه الفضيلة .. و هذا هو بالضبط ما عنته الصحفية المتميزة شمائل في مقالها .. هذا الهوس الذي يتمكن منه تمكن الداء العضال في آخر مراحله .. هوس يشتعل في الأعصاب الملتهبة أصلا فينتفض الجسد كله من وخز كلمات الفكر الحر و الرأي المستنير وهي تنخر في عقله المتخلف المتكلس الحجري .. هوس يسدل علي البصر و البصيرة غشاوة ثقيلة تحجب عنها ضوء المعاني العميقة و إشراق التحليل الرصين ..فلا يرى أبعد من أرنبة أنفه عندما يتراءى له من الحديث مظهره دون مخبره .. و من الكلام نصه دون مضمونه .. أما العقل فهو ينؤ و يرزح تحت سلاسل وأغلال و سعير من هذا الهوس لذا فهو مغيب تماما عن القدرة على الاستنباط و التحليل و التدبر و إدراك المعاني .. فهو قد استعذب النقل دون نشاط العقل .. و استمرأ التكفير عوضا عن التفكير .. فبدلا من أن يكون الرأس تاج للجسد و جوهرة تضيء أركان الوجود بالمعرفة ، أصبح عضوا مهملا لا يصلح لشئ سوى لف العمامة .. كيف له أن يفهم ما تقول شمائل و هو قد عقد العزم على عدم الفهم .. فهذا العقل المحنط و الذي مكانه متحف التاريخ الطبيعي لم يرى في شمائل (و هذه الرؤية بالمناسبة ترقى إلى مستوى القذف) سوى فتاة مارقة مفارقة منحلة تدعو لانتشار الرذيلة و تسخر من الفضيلة .. لم يشفع لشمائل عند الخال الرئاسي أخلاقها و لا سيرتها بين أهلها أو بين قرائها أو بين سائر الناس .. لم يشفع لها أنها فتاة سودانية نشأت في بيئة سودانية و تربت بأيدي سودانية أصيلة و هي تدرك و تعي محاذير مجتمعها و تدرك مغبة تحديه و بافتراض the benefit of the doubt تسفيه قيمه .. لم يشفع لها كل ذلك لكي يعطيها الخال الرئاسي حسن النية فيها و خطأ التعبير إذا سلمنا جدلا أنها أخطأت التعبير في ما أرادت قوله و ما أظنها أخطأت .. فهذا ما يفعله الإنسان المسلم السوي الذي لا فساد في اعتقاده .. أن يلتمس الأعذار و يفترض حسن النية فيمن يظن أنه على ضلال .. و أن يكون حلو اللسان .. لطيف البيان .. لين العريكة (لأنه لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) .. خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمرأة .. لأن في مجتمعنا الذكوري غالبا ما يستخدم جنس المرأة لقهرها و إرهابها و إخماد صوتها باستدعاء مفاهيم القهر الذكوري و العزف على الأوتار الحساسة للمرأة السودانية مثل الشرف و خدش الحياء و ما شابه .. لكن الخال الرئاسي و من دار في فلكه أو دار هو في فلكهم ليسوا من أولئك .. فهؤلاء ينتمون لفئة ابتلي بها الله العباد في كل مكان .. و لأن الخال الرئاسي ليس فردا .. و إنما تيار عريض كلما شطحت فيه موجة تداعت لها سائر الأمواج بالعويل و النكير و التكفير .. فان مقال الصحفية شمائل قد أثار عاصفة هوجاء في خضم بحر الدجل هذا فتلاطمت أمواجه و اندفعت المقالات في الصحف و الأسافير والخطب المنبرية من العديد من مهووسي التيار تنهش ليس في مقال شمائل و كلماتها .. بل في عرضها و أخلاقها و عقيدتها و حياءها .. لم يدركوا و الإدراك عندهم قصير مغزى المقال و لا مراميه .. و لسنا هنا بصدد استنطاق المقال و اسنتباط مستويات الدلالة فيه .. فالسياق واضح لكل من أقبل عليه بقلب سليم .. و لكن ما يعنينا هنا هو فضح هذه العقليات التي ينعق فيها البوم .. والذمم التي تسكن في جحورها الغربان .. العقول التي تتعامي عن أبشع الممارسات التي تنهش في جسد الفضيلة كل يوم و تنتهك حرمات الأخلاق في كل لحظة .. القلوب التي تغض الطرف دون خجل او وجل عن القتل و السحل و التعذيب و النفي باسم الله .. عن النهب و التعدي على حقوق الغلابة عنوة و اقتدارا باسم الاسلام .. عن حرق القرى و المدن و إهلاك النسل و الحرث و الزرع باسم الجهاد .. عن اكتناز الذهب و الفضة و النساء مثنى وثلاث و رباع باسم الشرع .. كل هذا لا يثير في نفوس الخال الرئاسي و تياره أي غيرة أو حسرة علي الفضيلة المفترى عليها و لا يؤرق مضاجعهم صخب الملايين الجياع يشق أسماع الوجود .. كل ذلك و الفضيلة نائمة في خدرها فلا خطر يتهددها .. و لكن ما أن تتجرأ فتاة يافعة مهمومة بقضايا شعبها على ان تتساءل بذكاء عن إمكانية من يدعوا أنهم حراس الفضيلة ان يقيموا دولة من اَي نوع .. حتى يهب هؤلاء من سباتهم و هم يتنادون خفافا .. فالفضيلة الآن في خطر داهم .. فقد تسللت إليها في خدرها كلمات صادقات لتنتزع منها ورقة التوت التي يحاول المتأسلمون المتفذلكون من أمثال الخال الرئاسي ستر عورتها بها .. فإذا بها تقف عارية من دثار الزيف و الخداع أمام الجميع .. و إذا بالفضيلة التي ظنها الجميع طهرا و عفافا قد بانت سوءتها فإذا هي غانية لعوب من عرض الدنيا الزائل و أطماع النفوس الدنيئة الأمارة بكل ما هو رزيل في هذه الدنيا .. لقد آبت الفتاة السعودية إلى الله (او كما قالت) و قرّت في بيتها .. فمتى يؤوب ضمير الخال الرئاسي من رحلة الضلال ليقّر في صدره المثقل الخطايا و الرزايا.