اشتكى كثير من الكتاب الاسفيريين من منع نشر مقالاتهم في بعض الصحف الالكترونية اذا كانت مختلفة مع توجه اصحاب الصحيفة او كان المقال يتعلق بشخص معين أو حزب معين لا يقبل ملاك الصحيفة اي نقد فيه مهما كان موضوعيا . ربما نستثني من ذلك صحيفة سودانيز اون لاين التي ما فتأت منبرا لصوت من لا صوت له في ظل أزمة اقصاء صوت الشعب المعارض للنظام من الخروج في الصحف الورقية التي صارت خاضعة بالكامل لرقابة الاجهزة الأمنية مما خلق انصاف صحفيين يلغون كما يلغو الكلب في الاناء الطاهر بسفاسف الأعمدة والمقالات التي هي كثير من الغثاء. فكرة اقصاء الآخر المختلف من ابداء رأيه صارت معضلة لدى وسائل الاعلام المختلفة فهناك الحكومة من جهة وهناك اصحاب المواقع الاسفيرية بأيدولوجياتهم المختلفة من جهة أخرى. وبالتالي فلا يمكن لمن يعارض دكتاتورية النظام أن يمارس هو نفسه قمعا ودكتاتورية تجاه رأي الآخرين..كيف ننعى على النظام الاقصاء في حين اننا نحن أنفسنا نمارس هذا الاقصاء بشكل صريح ، هذا الاقصاء مستشر حتى داخل الأحزاب السياسية التي لا تستطيع ان تمتلك مرونة تقبل الرأى الإصلاحي او التطويري فتتشرذم وتنقسم فتيليا لتحبل عشرات الاحزاب الجديدة . هذا الاقصاء نراه أيضا في بيئة العمل ، حيث يكون الموظف الأكثر فرادة وابداعا مرفوضا ومقصيا من قبل الإداري ، هذا الاقصاء الذي نراه على مستوى القبيلة والأسرة ، هذا الاقصاء المتبادل بشكل يجعلنا نتحقق من ازمة حقيقية في عقل الانسان السوداني ومناهجه التربوية ومدخلاته الابستمولوجية. نفس الصحف الورقية الهزلية التي لا تقبل نشر مقال الا بشق الأنفس ..نفسها هي التي يقوم اصحابها من الصحفيين بنشر مقالاتهم في الصحف الاسفيرية ، ليشاركوا المقصيين زادهم القليل من الحرية بدون خجل ولا حياء. شيء عجيب جدا وغير مفهوم بالفعل. فكل هذه التناقضات لا يمكن تكييفها منطقيا ، ان تنادي بالديموقراطية وأنت تمارس الدكتاتورية ، ان تنادي بالاخاء والمساواة وأنت تمارس العنصرية ، ان تنادي بحرية التعبير وأنت تقمع حرية التعبير ، أن تعارض النظام وتجعل ابناءك ينضوون تحت نعال النظام ، ماكل هذا التناقض في الانسان السوداني . إن القيم لا تتجزأ ، فإذا اعلنت تحول قيمة ما الى أيدولوجية وطريق نضال فلتطبق هذه القيم على نفسك قبل الآخرين ، وأن تلتزم دربها التزام الراهب بصومعته . اما ان تعيش في حالة شد وجذب مع القيم فإذا كالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون فهذا تطفيف يلغي كافة ما تدعيه من قيم. لماذا تعارض بعض الصحف الرقمية النظام اذا كانت هي نفسها ترتدي عباءة النظام سلوكا ونشاطا ؟ أعتقد ان الشعب السوداني ستزداد خيباته يوما بعد يوم جراء زيف الشعارات التي يرفعها البعض اليوم ثم يلحسونها غدا.. الحكومة الاحزاب ، الشخصيات القومية القيادات السياسية الصحف الورقية والرقمية ، الكل يتراجع .. ليست فقط الانقاذ وحدها التي لحست شعار (أمريكاروسيا قد دنا عذابها) إن جميع من كانوا يرفعون الشعارات حرقوا سفن شعاراتهم وهزموا أنفسهم.