المثل يقول (من لا يرى من خلال الغربال يكون أعمى). العمي قد يكون عمى (بصر) أو عمي (بصيرة). أعمى البصر قد تكون له بصيرة يحسد عليها، لكن أعمى البصيرة لا يستحق نعمة البصر. والمثل السوداني يقول (ان قال لك اثنان ان رأسك غير موجود، اهبشه) للتأكد من كلامهم. وأحيانا أثناء النقاش قد يقول لك أحدهم (يا زول انت ما عندك راس؟)، بمعنى ما عندك مخ؟ ما عندك عقل؟ أو الست بعاقل؟ أيضا قد يرى الشخص شيء مهم ويتجاهله (يعمل ما شايف، أو يعمل نايم). ومن يعمل نايم فقد يكون هذا هو اسلوبه في الحياة (سلبي) بحيث يعطل ضميره ويستطيع النوم. لا يهمه شيء حتى وان قامت القيامة. بالطبع هنالك الكثير من هذا النوع الأخير يعيش وسطنا هذه الأيام، تجده بالمسجد ولا يفوت فرض، وذقنه حتى منتصف صدره والمسبحة لا تفارق أصابعه، واثناء الصلاة للأسف يفكر في كيفية ايذاء شخص ما، قد يكون داخل المسجد معه، أو بالسوق أو حتى من الجيران والأقارب. يظن أنه طالما قام بأداء الفروض والنوافل فلا تثريب عليه، وينام ملء جفونه وشخيره يأتي بالشخص التائه!!! عمى البصيرة من أخطر الأمراض الاجتماعية والأفضل منها بكثير عمى البصر. فوق هذا وذاك (الظلم) الذي حرمه الله على نفسه. أين النفس اللوامة من كل ما جاء أعلاه؟ أعتقد أنها في اجازة أو قد قررت مغادرة البلاد دون رجعة. ما علاقة كل ما جاء أعلاه بعنوان الموضوع؟ بالطبع هنالك علاقة وثيقة جداً. فالإنقاذ جثمت فوق أو على صدورنا 29 عاما تتميز بالدمار والخراب والقهر والذل والحرمان بكل معانيه والافقار المقصود، وأصبحت كلمة (انقاذ) مرادفة لكلمة (دمار) في ذهن الشعب الفضل. أصبحنا أفضل مثل يمكن أن يضرب بواسطة أعداء الاسلام لمن يريدون الحكم بواسطة (الاسلاميين) من أخوان أو جبهة اسلامية، أو مؤتمر وطني أو مؤتمر شعبي أو طالبان أو داعش ..الخ. وهؤلاء يخيفوننا (نحن المسلمون) من مصير سوريا والصومال وليبيا واليمن وكل الشعوب التي ثارت على حكامها الفاسدين!!! بمعنى نحن أفضل من غيرنا رغما عن كل مساوئنا وكان عاجبكم!!! طبعاً مصحوباً بلحس الكوع، وتحت جزمتنا، وقطع الرأس، والقميص الواحد، ونصف الصابونة..الخ من ساقط القول والتهديد والوعيد. فالجنيه الذي أصبح يساوي واحد مليم من عملة ما قبل اليوم اياه، بالكاد يكفي لشراء قطعة خبز لا تتعدى 50 جم. سعر كيلو اللحم أصبح بمصر المستوردة له أرخص من السودان الذي يملك 140 مليون رأس. كيلو السمك فاق سعرة سعر كيلو اللحم الضأن!!! المرتب لا يكفي 5 أيام والبقية تحتاج الى (حاوي) أو حرامي، حيث أنه ليس بإمكانية أي شخص أو يقوم بتسليف الأخر حتى ولو جنيهاً واحداً. متطلبات الأسرة في اليوم تتعدى 200 الف جنيه، ومتوسط واعلى مرتب لا يتعدى 250 دولار بأسعار اليوم. الانقاذ اصبحت تعرف تماما، بل متأكدة، أنها دمرت الوطن والمواطن. فلديها من (البصاصين) أعداد ضخمة تنتشر في كل شبر من مساحة الوطن المكلوم وبين كل الطبقات والأحياء ولا ابالغ ان قلت داخل كل منزل. هم يقرأون الصحف، ويتابعون تصريحات المعارضين، ويسمعون من أقاربهم وأهاليهم بالداخل والخارج، ويسمعون النكات التي يطلقها عليهم الشعب الفضل بعد أن جاع كما قال المرحوم السادات. السؤال المشروع هو: هل وجدتم من كل هؤلاء من استحسن ما قمتم به طوال 29 عاما من عمرنا؟ هل سمعتم أن شعبكم في نعمة و (بسط) كما يقول البعض من اتباعكم ترهيبا و ترغيبا، والمستفيدين من وجودكم ومن سياساتكم الرعناء التي لا تبرير لها ولا منطق منذ أن استوليتم على الحكم وجربتم فينا كل أنواع النظريات ، و التي اعدت المناخ المناسب (للمفسدين والفساد)، والذي بدوره استشرى داخل كل وجل افراد الشعب الفضل من المسؤولين والرعية أيضا. ماذا قدمتم للوطن والمواطن منذ استيلائكم على السلطة؟ الشريف زين العابدين الهندي، رحمه الله في أواخر ايام الديموقراطية الثالثة، داخل البرلمان، حذر من (ثورة الجياع). كنت أظن أنه يتحدث عن ثورة جماهيرية مثال ثورة أكتوبر أو ابريل يقودها الجياع نتيجة الغلاء الفاحش بحسابات ذلك الزمن (الجميل). لكن اتضح لي مؤخرا أنه كان يتحدث عن ثورة من نوع آخر يقودها (انقلابيون) ومن طبقات تحقد على بقية الشعب السوداني، وتريد أن تستولي على كل شيء ولأطول فترة زمنية ممكنة، مع امتصاص دمائه واضعافه ماديا وصحيا وتعليميا، وتقوية الصفات السلبية أخلاقيا ، واثارة النعرات القبلية، والتخلص من ثلث الوطن والمواطنين. هذه هي الألية التي اعتمدتم عليها بهدف الاستمرارية في الحكم، اضافة التي تدمير كل الأحزاب السياسية بطرق لم يفكر فيها ابليس نفسه. لقد دمرتم الاقتصاد وفاق سعر الدولار 39 الف جنيه، وهو رقم يستحق ان يسجل بموسوعة جينيس حيث لم يسبقنا الى ذلك سوى زمبابوي لأسباب مقنعة، لا تشبه ما حدث بالسودان. قتل الألاف من الشباب بجنوبنا الحبيب السابق دون ذنب جنوه، وتركوا لكم رغد العيش، مع نسيانهم وأسرهم التي تعيش على الكفاف الأن والندم يحيط بكل فرد فيها. فصلتم الجنوب، أهدرتم مليارات البترول والآن الذهب. ذهب مشروع الجزيرة (المرحوم) الى مزبلة التاريخ، ولحقت به السكك الحديدية، والخطوط الجوية السودانية، والخطوط البحرية، والنقل الميكانيكي، والنقل النهري، وضعفت بقية المشاريع الزراعية بل أصابها الهزال مثل الرهد وحلفا الجديدة والسوكي ومؤسستي النيل الأبيض والنيل الأزرق. توقفت ألاف المصانع، قطوعات الكهرباء والماء وصفوف البنزين والجازولين والغاز مستمرة. استعرت الحرب بالمناطق الثلاثة، احتل الوطن بالآلاف من قوات الأممالمتحدة، تدهورت علاقاتنا بكل دول العالم، بل أصبحوا ينظرون الينا (كعبيد وكمتسولين)، خاصة من نصر بأنهم الأخوة والأشقاء. وضعنا في قوائم الارهاب، اصبح كبار المسؤولين مطلوبين للجنائية الدولية. حتى اسرائيل أصبحت تتحسر لحالنا وتدعو الولاياتالمتحدة برفع الحظر عنا، وهرب الألاف من السودانيين الى اسرائيل ولا حول ولا قوة الا بالله. هل ترون من خلال الغربال رحمكم الله؟ هل تريدون أن نضيف المزيد من الفشل والاخفاقات؟ ماذا تريدون منا، ونحن أصبحنا لا نستطيع أن نرى نورا في نهاية النفق؟ أصابنا اليأس، لكننا نأمل في رحمة الله حيث أننا نؤمن به وبعدله وبرحمته حقيقة، ونعرف أنه يمهل ولا يهمل. لا نريد لكم مصير القذافي أو على صالح أو زين العابدين أو شاوشيسكو أو حتى مصير مبارك. فنحن سودانيون، اطلبوا منا العفو والسماح، وابقوا بوطنكم الذي عققتموه، كما بقى من قبل المرحوم الفريق ابراهيم عبود وكل أعضاء مجلسه، والمشير نميري وكل أعضاء مجلسه ووزرائه. دعونا نعيش ما تبقى لنا من أجال. فقد فشلتم فشلا لا يحتاج الى شهادات واختام ودمغات، (فهلا ترجلتم). لماذا التشبث، وشعبكم جائع ومريض ويزداد معاناة وجهلا كل يوم؟ مصير الوطن غير معروف طالما أنتم على رأسه. أرحمونا وأرحموا الوطن وانفسكم، وانا لله وانا ليه راجعون. اللهم نسألك اللطف (آمين). [email protected]