مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    تحرير الجزيرة (فك شفرة المليشيا!!)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    كريستيانو يقود النصر لمواجهة الهلال في نهائي الكأس    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    واشنطن: دول في المنطقة تحاول صب الزيت على النار في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيناريوهات ما قبل السقوط : خيارات المواجهة
نشر في حريات يوم 12 - 09 - 2011

عثمان نواي…لسقوط لمن ؟ :فى ظاهر الامر يبدو الاتفاق التام ولو الضمنى بين معظم السودانيين وخاصة ( الما كيزان ) , على ان المؤتمر الوطنى وحكومته يلزم اسقاطها الان وفورا . خاصة بعد الحروب التى افتعلها الحزب الحاكم مؤخرا فى مناطق السودانيين الافارقة . لكن ما نراه فى الواقع فيمثل بوضوح الواقع السودانى شديد الانقسام حول مصير البلاد فى القريب العاجل وليس المستقبل البعيد . فما ادعت التنظيمات المعارضة فى المركز انها سوف تتصدر له بقوة من رفض عبرت عنه “بالقوى” للحرب فى النيل الازرق وتحريك الجماهير للتضامن والضغط لوقف نزيف الدماء , انتهى الى مهزلة اخرى من مهازل ادعاءات المعارضة لوقوفها ضد النظام الحالى ورغبتها فى اسقاطه . فكما هو جلى ان المعارضة المركزية تريد ان تحافظ على نفسها كمعارضة فقط وليس لديها اى نوايا حقيقية للعمل الجدى لاسقاط النظام .
من هنا يبرز الموقف المعقد والمتوارى عن انظار الكثيرين بعضهم بارادته والاخر بدونها ولكن النتيجة هى عدم الوعى التام والمنتشر لمعظم السودانيين وخاصة المهتمين بالشأن السياسى لطبيعة الواقع الراهن الذى يجعل من المعارضة والحكومة يمثلان درجات مختلفة فى ادارة مصالح واحدة . هذه المصالح المتوحدة يشعر الكثيرين بالصدمة عندما نؤكد باصرار على انها عرقية فى الاساس . ذلك ان تركيبة المجتمع السودانى التى رسمت خارطته السياسية مبنية فى الاساس على (المركزية العرقية ) , حيث ان الدولة السودانية المركزية بنيت على اسس اثنية . هذه الحقيقة التاريخية لا ينكرها احد الا ان الكثيرين خاصة من السودانيين المستعربين يحاولون تبريرها بوسائل لا تؤكد سوى عنصريتهم المتأصلة , ويتبدى من خلال تلك التبريرات الوعى الاستعلائى اثنيا . حيث يعزون سيطرتهم المطلقة على حكم السودان خاصة بعد الاستقلال الى التعليم الذى تمتع به الحكام والتنمية التى اختصاهم بها المستعمر والتفوق فى الوعى الثقافى والسياسى نتيجة للاحتكاك بالشعوب الاخرى والتأثر بها وخاصة العربية منها والمستعمرين انفسهم . اذا هذه الخصوصية التى جعلت هذه الاعراق ذات احقية تفضيلية واقعية ولازمة تحملها عبء حكم السودان واخراج غير المحظوظين من اهله الذين لم تتوافر لهم تلك الفرص الى الحضارة والتمدن . وهذا الذى يتوافق تماما مع العبارة المشهورة التى يبرر بها الاستعمار الاوروبى جرائمه ( عبء الرجل الابيض) , فى انقاذ الشعوب المستعمرة من الجهل والتخلف . وبما الحكم فى السودان فى ال60 عام الماضية والى الان لم يخرج من ايدى السودانيين المستعربين لا الديمقراطى منه ولا الديكتاتورى فان السلطة القائمة ومعارضتها غير مستعدان ابدا للتخلى عن السلطة الموروثة عرقيا هذه , لا بصفتهم حاكمين حاليين او مستقبليين ينتظرون فى مقاعد المعارضة . اذا السقوط فى السودان هو ليس لفرد كما القذافى ولا حزب كما الحزب الوطنى فى مصر بل هو سقوط نظام اجتماعى , اقتصادى , سياسى وثقافى متكامل انه سقوط المركزية العنصرية الحاكمة والظلم الذى تنتجه.
قوى الاسقاط الفاعلة :
تواجه الجهود الرامية لاسقاط المركزية العنصرية تحديا ضخما نتيجة للوضع المعقد للقوى السياسية والاجتماعية المنوط بها القيام بهذا الدور . فالانقسام العرقى شديد الحدة الذى يظهر الى السطح لاول مرة بهذا الوضوح منذ صراع اولاد البحر واولاد الغرب عقب سقوط الخرطوم عام 1885, والذى ادى فى النهاية الى اضعاف ثم انهاء تجربة سودانية فريدة من الاتفاق والتوحد بين الاعراق الافريقية والمستعربة فى السودان . حينها حاول المستعربين فرض سيطرتهم على الافارقة ” الغرابة” الذين شكلوا القوة العسكرية الحقيقية التى حققت النصر , ولكن نجح التعايشى فى فرض سيطرته بصعوبة فكان الرد من المستعربين التحالف مع الغازى المستعمر لانهاء سيطرة اولاد ” الغرب ” على السلطة المركزية . وسقطت الخرطوم مرة اخرى فى يد الاجنبى فى 1898 وحتى الاستقلال . ان هذه المقارنة التاريخية لجأ اليها العديد من الكتاب والمحللين للراهن السودانى , حيث من الصعب تجنبها فى الواقع الذى يبدو مشابها .
بعد انفصال الجنوب اصبح السودانيين الافارقة المتبقين اقلية مهددة بالابادة المادية ” القتل” او الابادة الثقافية بالقمع والتهميش. هذا التهديد ناتج من عامل الخوف اولا , اذ يخشى الوسط المركزى من اعطاء السودانيين الافارقة هامش حرية او وجود مع مرور الوقت ايضا على دولة الجنوب وترتيبها لاوضاع الدولة فان القوة الناتجة من الحرية او حتى حالة الاستقرار ستؤدى الى تنظيم الصفوف ورفع الوعى وبالتالى المطالبة بالحقوق المهضومة والمشاركة فى السلطة . وبالتالى سارعت الحكومة وقبل ان ينفصل الجنوب الى مهاجمة النوبة فى جنوب كردفان و تلاه النيل الازرق . هذه المباغتة والسعى لنزع سلاح الحركة الشعبية ذات الجيش المنظم , كانت ولا زالت ترمى الى تدمير اى فرصة لدى السوانييين الافارقة فى التحرك المنظم وابتداء الصراع على السلطة الذى ارادت الحكومة نهياته بفصل الجنوب .
هذا الوضع الجديد الشديد العدائية والمحكم الغرض فى القضاء على الوجود المنظم للسودانيين الافارقة كقوة سياسية وعسكرية مقاومة للمركزية العنصرية الحاكمة الان وتاريخيا , فرض على القوى السودانية الافريقية خيار التكتل الجبهوى الثورى لاسقاط النظام كخيار وحيد . وهذ ما تبلور فى اتفاقية كاودا التى ضمت القوى من دارفور والنوبة والنيل الازرق ممثلين فى الحركات المسلحة المقاومة للنظام . هذا التكتل الذى غابت عنه المعارضة المركزية الطائفية منها واليسارية , وذلك تحت دعوى رفض الحرب والسعى للعمل السلمى المدنى الذى لم نشهد اى اثار له حتى الان , بينما تقاوم الحركات المسلحة الهجمات والاعتداءات المستمرة للنظام على المدنيين والرامية الى ترعيبهم وتهجيرهم حتى لا يكونو وقودا لاسقاطها . ولهذا نجد ان القوى الفاعلة الان فى العمل على اسقاط النظام هى قوى السودانيين الافارقة المنظمة تحت الحركات المسلحة والمنظومات الاهلية القبلية منها والاقليمية , وهنا يتضح الانقسام الحاد فى المواقف والتى وصلت فى تباينها حد التضاد بين المعارضة المركزية العنصرية المستعربة والقوى السياسية السودانية الافريقية , حيث تدرس بعض قوى المعارضة المشاركة فى الحكومة التى تقتل وتشرد شعبها الافريقى الاصول بوحشية سافرة , فى مقابل الحركات المسلحة التى تقوى تحالفتها وتنسيقها العسكرى للتقدم نحو الخرطوم.
سيناريو (1) قبول المواجهة :
ان التحالف الذى تم بين القوى الساعية لاسقاط النظام المركز العنصرى ,رغم انه وحتى الان مجبر على العمل فقط على المستوى العسكرى للرد على الاعتداءات المستمرة من الحكومة التى تحاول ايقاف التقدم المحتمل نحو الخرطوم , الا ان العمل المدنى السلمى يمثل اولوية فى عملية اسقاط النظام , حيث تمثل الفرصة الاخيرة للسودانيين فى التوحد فى الشوارع وامام فوهات النظام التى لن تستطيع حينها التفريق بين السودانى الافريقى والمستعرب . هذا الخروج المشترك الى الشوارع او اى وسيلة اخرى من وسائل العصيان المدنى التى يجب مشاركة السودانيين من الاتجاهات المختلفة والعرقيات المختلفة فيها , ذلك ان العمل العسكرى من الممكن ان يقوم به مجموعة او مجموعات معينة والتى من الممكن ان تحقق انتصارات او حتى تفلح فى اسقاط النظام كثورة مسلحة ربما يدعمها انقلاب عسكرى او على الاقل عصيان منظم يقوده المنتمين للعرقيات التى تقود الهجوم على النظام والتى لم تكتفى بالتململ من من تنفيذ الاوامر بل قامت بالانشقاق من الجيش فى مناطق مختلفة كما فى جبال النوبة ودارفور حيث تحدث انشقاقات مستمرة وعصيان للاوامر من قبل افراد الجيش الحكومى حيث يرفض الجنود اطلاق النار على اهلهم وابناء وطنهم , وهذا العصيان العسكرى الذى يمارسه ابناء المناطق التى يدور فيها الصراع انما يمثل شكلا اخر من اشكال الانقسام العرقى الذى قد يمثل خطرا كبيرا فى حالة عدم التقدم السريع والجاد الان من قبل القوى السياسية والاهلية فى المركز والاقاليم التى لا يدور فيها الصراع فى الشمال الجغرافى , فى التحالف مع القوى فى مناطق الصراع والحرب .
انضمام القوى فى المركز والشمال الجغرافى للحراك الفعال لاسقاط النظام , حيث للفعالية اهمية قصوى فى هذه المرحلة اذ ان التراخى والعمل الغير منظم سيؤدى الى خسائر فادحة فى الارواح وفى امكانيات الانتصار , حيث ان العدو متمكن من ادواته ولديه السلطة والقدرة المادية والعسكرية . فى المقابل ادوات الصراع التى يستخدمها الان التحالف العسكرى هى اقل فاعلية عسكريا وسياسيا , الا ان الفرصة لدى السودانيين الان لانهاء قرون من العنصرية و سنوات قادمة من الاحتراب اذا اعترفوا بعدم صلاحية نظام التفرقة العنصرى هذا فى قيادة البلاد وان العقلية المركزية العرقية والتى تضع نفسها دائما فى مركز التقييم للاخر وتجعل ثقافتها ودينها هى المحددات لتقييم مكانة الاخرين , هى من اقصى اشكال العنصرية فى شكل الممارسة اليومية وخىاصة ممارسة السلطة . هذه المركزية العرقية التى ظل المستعربين يمارسونها والتى ادت لانقسام البلاد ستؤدى الى دماره اذا لم يعترف المستعريبن بعنصريتهم المزمنة ويواجهوا اكثر حالاتها سفورا وقسوة وهو نظام الكيزان , و يقوموا باسقاط هذا النظام والقبول بمواجهة الذات هذه والتى لن تكون سهلة على المستوى النفسى ولا الاقتصادى ولا السياسى , الا انها تمثل الضرورة التاريخية لانقاذ البلاد من الدمار الشامل .
سيناريو (2) الهروب من المواجهة :
فى حال تمترس المستعربون والقوى السياسية والاجتماعية التى تقودهم فى مواقفهم ومواقعهم الحالية التى لا يمكن تفسيرها سوى فى اطار ” الصمت علامة الرضى ” , فان السودان سيتجه بسرعة الصوت نحو روندا اخرى .
ان الاستقطاب العرقى الحاد الذى يدور الان فى مرحلة لا زالت مستخفية وغير معلنة من الكثيرين قابلة للانفجار الى حرب تطهير عرقى لايقودها هارون او البشير هذه المرة , بل ستكون ممارسة يومية سيشارك فيها كل السودانيين , حيث تمحى المدن قبل القرى وتغتصب النساء ويشوه الاطفال ولكن هذه المرة ليس على يد افراد الامن او مليشيات “اب طيرة” ,بل على ايدى المواطنين العاديين الذين لا يصدقون حتى انهم قادرون على ارتكاب هكذا فظائع ولكن هذه هى الحروب العرقية عندما تبدأ يتحول الجميع فيها الى وحوش ومجرمى حرب . وهذا هو فيما يبدو ما يحاول ان يوصلنا اليه البشير وحكمه , يريدنا جميعا مجرمين ضد الانسانية , انسانيتنا اولا قبل الاخرين .
ان ما تقوم به المعارضة الان فى المركز من صمت و ضعف يحملها المسؤولية ايضا فى المجازر والارواح التى تزهق على مدار الساعة من ابناء هذا الوطن فى مناطق الحرب , وكما يبدو ان المعارضة فى علاقتها ” الحميمة ” مع الحكومة فانها تنتظر موافقتها للمطالبه بوقف سفك الدماء , مثلما ربما اخذت الحكومة موافقتها لسفكه من البداية . حيث يقوم المؤتمر الوطنى ومليشياته بالحرب بالوكالة لصالح السودانيين المستعربين والقوى السياسية المعبرة عنهم .
ان اختيار المشاركة فى الحكومة والتفاوض معها او التفرج والصمت هما وجهان لنفس العملة وهى الاسهام فى تدمير فرصة البلاد الاخيرة فى انهاء الظلم والمعاناة المستمرة لقرون لجزء من ابناء هذا الوطن ظلوا يعانون من الاضطهاد العرقى والدينى والاقتصادى والسياسى , لحساب استقرار ورفاهية جزء اخر من ابناء هذا الوطن يبدو انه لهم وحدهم كما يتضح فى تعبير” اولاد بلد” والذى اشرنا له فى مقال سابق بعنوان ( عب ولا ود بلد )* . الهروب من المشاركة فى تغيير هذه المركزية العرقية يعنى الرغبة فى بقائها وليس مجرد التكتيك المرحلى السياسي كما تدعى المعارضة – تجنيبا للبلاد للصوملة والبلقنه وحمام الدم – كما عبر قادة المعارضة فى اكثر من مرة . فحمام الدم بدأ بالفعل منذ احداث ابيي , اما البلقنه والصوملة فهى خيارات تبدو جيدة بالنظر لما سوف تؤول اليه الامور اذا ما استمر هذا النظام المركزى العنصرى فى حربه المعلنة والصامتة الدائرة الان , اذا ما استمر فى قيادة السودان وخاصة فى ظل صمت من يمثلهم ويعتقد انهم انتخبوه بصمتهم من السودانيين المستعربين . فان كلفة هذا الصمت لن يستطيع احد تحمل نتائجها الكارثية حيث سنتحول الى شعب من مجرمى الحرب , بمختلف اعراقنا لان لكل فعل رد فعل مساوى له فى المقدار ” معاكس له فى الاتجاه” .
سيناريو (3) انكار المواجهة :
ما تقوم به القوى السياسي فى المركز المستعرب الان هو هذه الحالة من الانكار الجذرى لوجود ازمة المركزية العرقية الحاكمة والتى ادت عبر حكمها الى الى افقار وتهجير ناهيك عن قتل مئات الاف الارواح من السودانيين فى جانبى الصراع الا ان المأساة الحقيقية عاشها ولا زال السودانيين الافارقة الذين لم يتوقفوا عن المقاومة والتضحية لاجل حريتهم وحقوقهم فى ظروف شديدة الصعوبة . قاوموا لاجل ارضهم وشرفهم وحقهم فى الحياة الكريمة , وصراع القيم هذا بين من يقاتل ليدفع عن نفسه الظلم ويحصل على حقوقه ومن يقاتل لحماية منظومة اجتماعية سياسية عنصرية , تجعل ميزان القوى يرتفع لصالح السودانيين الافارقة وهذا ما يظهر جليا فى دعم المجتمع الدولى خاصة المنظمات الانسانية , ولكن الاهم هو فى القوة المعنوية التى لا تنتهى عندما يقاتل الانسان لنزع حقوقه .
وفى حالة استمرار هذا الانكار فان الهبوط الى الواقع سيكون مدمرا , فالامتيازات العرقية المجانية التى يوفرها النظام المركزى العرقية , ومع طول الزمن كما هو فى السودان يتحول الى مسلم به اى ان المكانه الاجتماعية والاقتصادية التى تم الحصول عليها دون منافسة عادلة او مجهود حقيقى سوى فى ابعاد اخرين عن حقهم فى المشاركة , وهذه المسلمات ترفض الاستسلام لحقيقة انها غير اخلاقية وظالمة , وما يوجبه هذا الاعتراف من الاعتذار او على الاقل رد للمظالم الذى سيؤدى بدوره الى اعادة تقسيم تلك الامتيازات وربما نزعها . وفى ظل الوعى المستعرب بهذه التداعيات للاعتراف بوجود الدولة المركزية العنصرية ووجوب انهائها ومحاسبة المجرمين فيها واعادة بناء الدولة السودانية على اسس المساواة والعدالة , فان المستعربين فى خيارهم للانكار يقللون كما يتوهمون من نتائج التحول المستقبلى لمراكز القوى من بين ايديهم الى لا مركزية متوافقة غير متنافسة او متمايزة عرقيا على الرغم من تنوعها الشديد. ويقللون من الحقيقة العنصرية لنظام الحكم فى السودان وذلك بالتعبير عن الازمة بانها ازمة تهميش وليست عنصرية وتمييز عرقى وهذا ما تجحوا فى تسويقه حتى تبنته القوى السودانية الافريقية كوتصيف لها رغم وعيها بان الازمة هى عنصرية مستفحلة بالدرجة . فالتهميش يعبر عن الوضع السياسى والاقتصادى للمجموعات المعينة ولا تتجاوزه بعمق نحو اليعد الاجتماعى والثقافى الذى تتجلى فيه الازمة بشكلها الحقيقى فى ما يظهر فى العزل الاجتماعى وعدم الاختلاط بالانساب والتمييز فى العمل والسكن والتعليم اضافة الى القوالب العرقية الثقافية الموضوعة للتمييز بين السودانيين عرقيا . حيث ان التهميش اى انعدام او قلة المشاركة الاقتصادية والسياسية لمجموعات معينه امر لا يستوجب تغيير العقلية المركزية ولا تستوجب ايضا تغيير مراكز القوى , بل اى عملية تنازل عن بعض السلطات والموارد الاقتصادية لصالح المجموعات المهمشة سيفى بالغرض وينهى المطالب .
هذا هو السيناريو التاريخى فى التعامل مع الحراك التحررى من العنصرية المركزية , لكن هذا الخيار انتهى الان فى ظل الصراع الذى يتخذ شكلا عرقيا كل يوم ويخرج عن السياسي الذى يحاول المركز العنصرى الترويج لانه يعلم انه مخرجه الاسهل . الا ان الصراع هذه المرة وصل الى التعامل مع عمق الازمة وهى العنصرية والمركزية العرقية وما يتبعها من ظلم وهذا نتيجة الذى فرضه القمع الوحشى لمطالب العدالة واحترام الاخر واعادة تكوين الدولة السودانية الذى مارسه النظام الحاكم والذى اوجد جبهة موحدة لاسقاطه وما يمثله من ظلم الى الابد.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.