كتبنا في وقت سابق وفي هذا المقام, عن إشكالية الهوية في السودان , مقال بعنوان ..لغز الهوية وانتحال العروبة.. في هذا الجزء من المقال تناول بعض الجوانب في هذا المعترك وما صاحبه من التباس وارباك وخلط بين “العروبية”في سياقها الثقافي الأعرابي المجرد …! والإسلام كرسالة سماوية للناس كافة بشيراً ونذيراً , يأمر بالأيمان والعمل الصالح ..وكمنظومة ثقافية متكاملة تستوعب كريم المعتقدات أهل الأرض جميعاً . شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ..! يمكنني القول أن شعوباً وقبائل في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وفي شمال إفريقيا شاركت العرب بفعالية في عصر ما بعد الخلافة الإسلامية وصنعت الحضارة الإسلامية في القرون الأربعة عشر من عمر الإسلام , كان المسلمون غير العرب عصب الدولة العباسية , وأسس الأتراك العثمانيون إمبراطورية إسلامية عظيمة دامت ستة قرون , وفي إفريقيا واصل الأمازيغ الفتوحات حتى الأندلس ” اسبانيا” وكانت لممالك غرب إفريقيا دور فعال في نشر الإسلام في غرب ووسط إفريقيا , . بعد انهيار الإمبراطورية الإسلامية ,وانحصار المد الحضاري الإسلامي , تشرذم العالم الإسلامي في شكل دويلات قومية وعرقية وجهوية وقبلية وأثنيه واسلاموروبية. والأمة السودانية أحدى تجمعات هذه الزمرة بجبّلتها وتجلياتها , لا يستقيم تعريبها بحجة الدين واللغة , لأن في جوهرها العميق وجيناتها الوراثية ليست عربية . هناك في السودان أو في اللاوعي الثقافي السوداني مفهوم “العربي الشريف ” بغض النظر عن معيار التقوى الذي خص الله عباده به, لاسيما في ثقافة وسط السودان, فلذا كل يحاول التشبث بالعروبة سعياً وراء شفاعة حسنة ..! كما لو أن الإسلام العروبة سيان ..!!, ما معنى كلمة العربي ..كما ورد في القرآن ..؟ وردت كلمة “عربي” هكذا من دون (أل ) في إحدى عشرة آية في القرآن بمعنى اللغة التي نزل بها القرآن ..! 1. إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }يوسف2 2. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ }الشعراء195 3. قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الزمر28 4. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }فصلت3 5. ِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }الزخرف3 6. وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ }الرعد37 7. وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }النحل103 8. وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً }طه113 9. وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }فصلت44 10. َكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ }الشورى7 وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ }الأحقاف12 . قراناً عربياً , بلسان عربي مبين , كلمة “عربي “هنا , لا تعني عرقاً ولا جنساً…!إنما كلام عربي نزل به القران ..! طيب , أين العرب في القرآن ..؟ ليس هناك عرب في القرآن ..!إنما الأعراب …! وردت كلمة “الأعراب” في عشر آيات في القران بمعنى ” قوم بدو- سكان البادية – أي عرق أو جنس كما ترى في هذه الآيات .. 1. وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }التوبة90 2. الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة97 3. وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }التوبة98 4. وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة99 5. وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ }التوبة101 6. مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }التوبة120 7. يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً }الأحزاب20 8. سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }الفتح11 9. قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً }الفتح16 قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحجرات140 . إذا كنت تبحث عن الأعراب , أو سكان جزيرة العرب عند نزول القرآن, سوف تجدهم هنا في هذه الآيات ..! في أية الأولى جاءوا يعتذرون عن القتال في سبيل الله ..!! وصفهم الله في الآية الثانية بشدة الكفر والنفاق ” أعوذ بالله” .., وفي الآية الثالثة , ومن الأعراب من يحتسب ما ينفق في سبيل الله خسارة ولا يرجوا ثواباً , ولا يدفع عن نفسه عقاباً ..أو هكذا يعتقد .. وفي الآية الرابعة , ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر , ويتخذ ما ينفق في سبيل الله قرباناً ومحباً إلى الله وتقرباً , سيدخلهم الله في رحمته .. وفي الآية الخامسة , ومن الأعراب منافون ..أقاموا على النفاق وازدادوا طغياناً , لهم القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة .. وفي الآية السادسة , يقول الله تعالى ما كان ينبغي لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب عن يتخلفوا عن رسول الله ويرضوا لأنفسهم الراحة ..!! وفي الآية الثامنة , يقول المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا..والمعنى واضح وفي الآية التاسعة , دعوة صريحة للقتال للذين تخلفوا من الأعراب عن الجهاد .. وفي الآية العاشرة , قالت الأعراب آمنا ..قال لهم الله ..قولوا أسلمنا ولما يدخل الأيمان في قلوبكم. لم يمتدح الله الأعراب في هذه الآيات , بل عاتبهم وحثهم على الجهاد , والصدق في الأيمان . هل كان العرب قوم أهل الكرم والشجاعة والأمانة ومكارم الأخلاق وأصحاب معتقدات كريمة وفطرة سليمة قبل الإسلام ..؟؟. يقول جعفر بن أبي طالب في رده على ” النجاشي” ملك الحبشة في الهجرة الأولي : كنا قوماً أهل جاهلية , نعبد الأصنام , ونأكل الميتة , ونأتي الفواحش , ونقطع الأرحام , ونسئ الجوار , ويأكل القوي منا الضعيف. ويقول المغيرة بن النعمان : كنا في الجاهلية , نأكل الخنافس , والجعلان والعقارب , والحيات , فنرى ذلك طعامنا , .وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض , ولا نلبس ألا ما غزلنا من أوبار, الإبل وأشعار الغنم , ديننا ان يقتل بعضنا البعض …! ويقول ” يزدجرت ” الفارسي ,: إني لا أعلم في الأرض أمة , كانت أشقى ولا أقل عدداً ولا أسوأ ذات بين منكم ..! يقصد الأعراب. أما دريد بن الصمة, كان دينه وديدنه القبيلة ..! وهو القائل : ما أنا من غُزية إن غوت = غويتُ وإن ترشد غُزيّة أرشدُ. بعد هذا لا أرى أي وجاهة في ادعاء الانتماء لعروبة الأعراب أو العربان ..! ثم إن الدعوة النبي “ص” ليست للعروبة ,. إنما الدعوة إلى الإسلام الرسالة الخاتمة , ..!. هنا سؤال يطرح نفسه : كيف تحولت دلالة أو مفهوم معنى كلمة “عربي ” من دلالتها القرآنية إلى مفهوم الجنس أو العرق ..!؟ يطلق اليوم كلمة “العربي” على كل عرق ينحدر أصله من جزيرة العرب ..!بدوياً كان أم حضرياً لا يهم انه عربي كريم ..! في العصر الأموي تعرف الناس على مصطلح جديد أو تصنيف في الدولة الأموية اسمه “الموالي ” المسلمون غير العرب ..! في المقابل هناك ” المسلمون العرب ” أو الأعراب الذين آمنوا ..اعتقد جاءت دلالة الكلمة من هنا , بدواعي سياسية إقصائية , لم يكن مثل هذا التصنيف موجوداً في عهد النبي أو الخلفاء الراشدين , . حامد جربو /السعودية المزيد في موقعنا : www.Jarbo.110mb.com الرسالة [email protected]