الطيب حاج مكي خلال افتتاح مصنع سكر في ولاية النيل الأبيض في بداية يوليو الحالي انعطف خطاب الإنقاذ إلى مرحلة جديدة تبدو وكأنها امتلكت زمام المبادرة من مخالفيها ولهذا عاد النظام ينتج خطابه القديم الذي يصف الأوضاع الحالية في السودان من خلال وجهة نظر إنقاذية محملة بدلالات الاستهانة بالشعب السوداني وقواه السياسية إلى درجة انكار وجود أي معارض وكأن الناس في حالة رضا تام عن الإنقاذ وسياساتها وهو توهم قاتل يشجع بعض الإنقاذين للقول أن هناك مواطنين وهناك حزبيينوهو طرح يؤكد قول المتنبي أن التوهم عمل وفعل قال المتنبيء: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق كا يعتاده من توهم مما يطرح قراءة البعد النفسي لكتابات موالية للإنقاذ استلفت(الرضا) الشعبي المتوهم، ليزايد كل واهم على الآخر حتى أن أحدهم أخرج أي معارض من المله الوطنية وآخر أخرجهم من ملة الاسلام. بينما الواقع يفضح هذا التوهم إذ هم في واقع الأمر يخبئون نفاقهم ويدرطون أن الإنقاذ لم تمتلك أي زمام ولا مبادرة ولا (رسن) وما حدث حتى الآن هو توظيف لأدوات العنف لقهر الناس وقمعهم دونإيجاد أي حل للدوافع التي أخرجتهم للشارع. وهذا توجه لا يؤكد الفشل الزريع للإنقاذ بل يعكس تضليل الذات ، فالإنقاذ تدرك أن الناس يعلمون أنها تدرك أنهم ضدها وإلا لماذا هذا العنف اللفظي والمادي الذي تمارسه الانقاذ وصحافتها ضد مخالفيها وإهو تضليل يشير إلى ما يواجه نظام الانقاذ من إشكالية كبرى وهي عدم استيعاب ما يحدث في المنطقة وبالتالي كيفيه تلافيه أو التعامل مع شعب يتطلع للتغير ولابد أن يتأثر بمحيطه. إن التوصيف الإنقاذي لمعارضيها إلى درجة الاستهانة بهم وباحتجاجات الشعب له سوابق في التفكير الشمولي وخاصة في سودان الأنظمة الشمولية فالنظام المايوي الذي حكم السودان لعقد ونصف لم يتحرج في وصف انتفاضة أبريل 1985م المباركة بأنها انتفاضة (شماسه)، وهو تعبير (سوقي) قاد حينها المخلوع جعفر نميري إلى الوهم الشامل حتى تجرأ وقال: (أنا بشيلني منو؟) ثم صار تساؤله أغنية شعبية هازجة وساخرة (الجرى منو). لم يكن المخلوع وحده الواهم بل أن سادنا مايويا هو السيد أبوساق طفق يزعم بأن معظم الذين يخرجون في الشوارع غير سودانين وكثيرهم من (الشماسة ) فهو يزايد على المخلوع ولهذا دفعه الوهم لتسير مظاهرة من ثلثمائة عميل للامن المايوي بهدف (ردع ) الانتفاضة الشعبية واسموا مظاهرتهم مظاهرة الردع ولكنها كانت لردعهم حد التلاشي واختفاء نظامهم القمعي وإلى الأبد حيث قبر الشعب الوهم واختفت الأكذوبة المايوية. خطاب الإنقاذ ينهل من ذات القاموس وليس استثناء أن يستلف قاموس الدول التي شهدت احتجاجات وانتفاضات(الربيع العربي) فقد رأينا ذات الخطاب يعيد إنتاج نفسه وبنفس المبررات وذات الألفاظ . إن توظيف قاموس الشتائم ليس عفويا فهو يتطلب شيئا غير قليل من الخبث واللؤم والمكر يتم فيه تغافل المخالف لدرجة إنكار أي محركات (حقيقية) ليصار لوصمه بالعمالة أو توهم الاحتجاجات فقد رأينا في برنامج الاتجاه المعاكس بين السيد ربيع عبد العاطي والسيد القراي وهو ما يمسرح لنا ما يجري في سوريا حين يتم إنكار مظاهرات بدأت سلمية في درعا حينها كان الشعب السوري يطالب بقدر معقول من الحرية ولكن جوبه بالاستفزاز الإنقاذي وكان في كل مقابلة صحافية جرت مع مسئول سوري أنكر الاحتجاجات بل أن الرئيس بشار الأسد فوت فرصة هائلة باختبار شعبيته إذ ظل يناور دون أن نفهم ما يود أن يفعل فهو يقول الكلمة وينفيها في الممارسة والواقع وكأنه لا يريد التحرك أماما ثم انخرط في مرحلة (الجد) في وصف المتظاهرين بأنهم عصابات موظفا ذات الأدوات القديمة “العنف اللفظي االعاري” الذي لابد أن يترجم إلى عنف مادي، حتى وصلنا الآن لمرحلة من الدمار والتدخل الدولي ووصاية مجلس الأمن ووصفات كوفي عنان وفيتو الحرب الباردة بين الغرب وروسيا ومع ذلك العنف أوجد عنفا مساويا ومضادا حيث تفجير (20/7) الذي أودى باجتماع ضم كافة القادة الأمنين بما فيهم وزير دفاع الرئيس بشار وصهره نائب الوزير عصمت شوكت وآخرين بينهم رئيس جهاز الأمن مع إصابات خطيرة قد تحصد حياة حضور ذلك الاجتماع. وفي اليمن سمعنا علي عبدالله صالح ورأينا تشبثه بالسلطة وإصراره (بالتكتله) أنه لن يترك منصبه حتى إكمال رئاسته مهما كانت التضحيات ومهما كانت الدماء ولكنه لم يقرا الواقع ولهذا سارع الخليجيون عندما حمى الوطيس إلى تقديم (خشبة) ليعبر عليها إلى مصير لعله الأفضل بين سابقيه. وفي تونس (شفنا) ابن علي وهو لا يكترث لاحتجاجات الشعب التونسي فهو إنسان من (جليد) وظل يقمع حتى بعد أن أحرق بوعزيزي نفسه بل إن ابن علي لم يرى حقيقة الثورة إلا بعد أن كانت على أعتاب قصر قرطاج وكادت تحول بينه الفرار للمطار وتمنعه من مصيره حيث ولى الأدبار. وفي مصر لم يكن قاموس المخلوع حسني مبارك الأفضل حيث ترد إشارات بأنه حاول أن يتحول لشاوسسكو آخر ويحيل القاهرة لتيماشوارا ولكن الجيش المصري كان ولا يزال جيشا وطنيا إذ قرر تنحية مبارك ومع ذلك حفظ له دماء وجهه والالتزام بتقديم الرئيس المخلوع للمحكمة وهو ما حدث. إن تعامل الإنقاذ مع احتجات الشعب السوداني عموما لم تكسر القاعدة الشمولية في المنطقة ولكنها على المستوى الوطني تحاول أن تخضع الإرادة الشعبية بسجل القمع والعنف والقهر وبإيهام الناس بأن دخولهم 1800دولار وهو أسلوب لن ينفع والفرق أنه لم يسبق لنظام شمولي سوداني أن انخرط في حجم العنف كما في العهد الإنقاذي وخصوصا عبر الاستعانة بكوادر حزبية لكي تتعامل مع متظاهرين مدنين وطلاب جامعات ولك أن تستعيد ما حدث في جمعة شذاذ الآفاق والكنداكة في حي ود نوباوي وهو عنف يكاد يندرج في ما قام به المقبور جعفر نميري حين (غزا) الحي الذي ولد وقصفه براجمات الصواريخ ودك الجزيرة أبا بالدبابات والطائرت بسبب أواصر العقيدة. ورغم أن الثقافة السياسية السودانية ظلت تمتنع عن استلاف أساليب (السافاك ) في العنف المضاد وفي التفجيرات والاغتيالات وسحل الرؤساء الشموليين وجلاوزتهم فإن ذاكرة الشعب لا تنسى ، فهي تبتدع أدواتها لنيل الحرية والانعتاق والفضل في تجذر الثقافة السلمية يعود للممارسات التاريخية للقيادات المدنية السودانية فهي من عمق من هذا التوجه السلمي. وعلى أي حال هناك من يحاجج بغير ما نقول ولكن ما يبدو خروجا عن هذا السياق السلمي مجرد رد فعل على العنف الرسمي. وكم يتمنى المرء أن تتعظ الإنقاذ من عنفها الذي جلب لها حتى الآن حرائق دارفور وحروب النيل الأزرق بل وأن تتعظ من ما يحدث في محيط بلدنا ومهما غالط الناس فيما حدث في دار فور فقد كان رد فعل على تعامل بعض مسئولي الانقاذ مع أبناء دارفور من الموالين للإنقاذ نفسها حيث أوجد عنف الإنقاذ غبنا عنيفا عبر عن نفسه في كتابات ومقالات ثم صدر الكتاب الأسود ثم ترجم الغبن عمليا في حركات دارفور المسلحة التي فجرت الوضع في العام 2003م ويمكننا إيراد حيثيات وأمثله على العنف الإنقاذي العاري وخسائره السياسية وخصوصا في نشر ثقافة العنف في الساحة الطلابية إذ أضحى القتل في الجامعات لا يثير الدهشة بل إن عنف الإنقاذ خرب الوضع الاقتصادي حتى وصل لمآله الحالي حيث تقف خلف ما يجري سياسات (متهورة) تم تنفيذها بالعنف وهي وسياسات لم تحصد منها الإنقاذ إلا الفشل. ونضرب الأمثال حتى لا يكون القول على عواهنه أو تنشط الذاكرة الانتقائية لتقول لم يحدث وليس لهذا أساس من صحة. ففي بداية الانقاذ تم تغيير العمل لهدف وحيد كشف ثروات رجال الأعمال لتطبيق الجبايات بحقهم مع أن الثروات جزء حساس من الاقتصاد ولهذا تمتنع المصارف المحترمة عن كشف أي أرصدة لعملائها ولكن قامت الإنقذا بذلك ثم شرعت في حل اتحاد أصحاب العمل المنتخب وكونت لجنة سداسية اسمتها المكتب المركزي لاتحاد اصحاب العمل حيث جمعت فيها تجارها من أمثال السيد الطيب النص والشيخ عبد الباسط وهاشم هجو ومعهم عضوين آخرين ومن يومها فهم رجال الأعمال (الرسالة) والتقطت أجهزة الاستقبال الإشارة وهي أن لا مقام لكم بيننا ومنذئذ لم يشهد القطاع الخاص أي عافية ولم تتعظ الانقاذ حيث انخرطت في المزيد من العنف مع قطاع الأعمال فشردته في كل واد حتى وصلنا لمرحلة اعدام الناس في العملة ثم العودة عنها بعد ستة أشهر وفي كلا الحالين كان العنف حاضرا ولهذا من يتأمل في مسيرة العنف الإنقاذي أو في محيطنا الإقليمي لابد أن يستنتج بأن العنف لايفيد وفي الحقيقة لو أفاد العنف لأفاد الفرعون (بسماتيك الأول قبل 2600سنة قبل الميلاد)، أو لأفاد ملك صقلية فردريك الثاني أو ملك سوازيلاند يعقوب الرابع أو لأفاد ستالين وشاه إيران وشاوسسكو وأي دكتاتور من دهاقنة العنف. ولئن كان لذلك نصيب من صحة فإن العنف الحالي مع المتظاهرين لن يفيد الإنقاذ وهو قطعا لن يفيد بلادنا بل ربما دفع في مرحلة تالية الاحتجاجات المدنية إلى شيء مختلف يلتمس العنف فهناك قانون فيزيائي شهير يقول لكل فعل رد فعل ، وأرجو أن لا يحدث في بلادنا ما حدث في محيطنا ولكن إن حدث سيكون بسبب الإنقاذ وعندها الضرر سيكون بليغا في حين وضعنا السوداني ظل متميزا ومختلفا عن كل ما يجري في محيطه ولا يزال رغم استنزاف الإنقاذ لسماحة أهل السودان أو ما تبقى منه. إن الدخول في نفق العنف له مخاطر جمة قد لا تحتاج لوعي أو أجهزة كاشفة لمآلاته وهو ما يستلزم من الإنقاذ التواصل مع واقع سوداني مقهور ومغبون بأساليب غير أساليب العنف والسحل والتعذيب التي تتسرب إلى الإعلام العالمي وتنقل في أثير التواصل الاجتماعي إن هذا وضع لا تفيد معه كلمات بدون دلالات أو شتائم تنعق بمالا يسمع إلا دعاء ونداء في انفصال تام عن الواقع هذا توهم سيولد حالة أرجو أن لا ينخرط السودان فيها لأن بلدنا تستحق أن تكون نموذجا لغيرها في توظيف أسلوبها المدني في الاحتجاجات وفي التعامل مع الاختلاف. إن اضطهاد الناس وقمعهم لا يقضي عليهم ولن يخمد احتجاجاتهم بل إن العنف سيكون وبالا على من يستخدمه في ظل تحول هائل في مفاهيم السيادة وحق الإنسان في أن يعيش حرا فالسيد حسين حبري رئيس تشاد ومنذ التسعينات يطارده ضحاياه حتى وصلوا لمحكمة العدل التي طالبت السنغال يوم 20/7/2012م إما بتقديمه لمحاكمة أو تسليمه لبلجيكا، المكان الذي رفع فيه مواطنين تشادين دعوى عليه لدى القضاء البلجيكي وهكذا لو كان العنف ينفع لنفعه ولو كان يفيد لأفاد استدامة الاستبداد الذي ساد المنطقة لنصف قرن ثم انتهى بقادته إما هاربين أو سجناء بليمان طرة.