ما إن يطل شهر رمضان الكريم حتى يتسلل مسئولو ديوان الزكاة إلى شاشات التلفزيون بكثرة وبلا حظ من حياء أو وازع ضمير فيتدافعون للظهور أمام الكاميرات ومن خلفهم شاحنات محملة بالمواد الغذائية والاستهلاكية وعلي جوانب الشاحنات ومن أمامها لافتات قماشية كبيرة تحمل اسم ديوان الزكاة وعبارات فخيمة مثل “مشروع افطار صائم” والمنطقة التي تنشدها الشاحنات، ثم تبدأ الكاميرا جولتها من جديد بعد بلوغ الشاحنات محطتها النهائية ليظهر أمين ديوان الزكاة المركزي أو الولائي أي أي من تابعيهم وهو يتباهى بتوصيل هذه الشحنات السخية إلى الصائمين المحتاجين الذي تجوز لهم الزكاة ولكن الكاميرا لا تصور بطبيعة الحال عدد الشحنات أو معادلها المادي الذي لا يصل للمستحقين ويذهب لمن لا تجوز لهم الزكاة من كبار وصغار موظفي ديوان الزكاة ورهطهم، ولا تصور الكاميرا كذلك النهب في غير شهر رمضان الذي تتعرض له جبايات ديوان الزكاة من الإتاوات (وليس الزكوات) التي تفرض بلا ضابط شرعي ولا مرجعية فقهية ، وأول مظاهر هذا النهب هو رغد العيش والنعيم الذي يرفل فيه مسئولو ديوان الزكاة وهم ليسوا سوى “عاملين عليها” أي جباة وقسام ورعاة وكتاب زكاة ونحوهم ، وهم مصرف واحد من ثماني مصارف زكاة وتجوز لهم نسبة 12,5% من حصيلة الزكاة. ترى كم تبلغ نسبة ما يستولي عليه العاملون عليها عندنا من جملة الزكوات المتحصلة؟ في بعض البلدان مثل المملكة العربية السعودية توجد مصلحة واحدة باسم مصلحة الزكاة وضريبة الدخل الشخصي، يتقاضى الموظفون رواتبهم من الدولة بصفتهم موظفين حكوميين ولا يمدون أيديهم لأموال الزكاة ، وتذهب الزكاة كاملة لمصارفها الأخرى التي ليس من بينها مصرف العاملين عليها المثير للجدل في السودان والذي فتح الباب على مصراعيه للسرقات والاختلاسات من قبل العاملين عليها عملا بنفس ثقافة النهب السائدة. في شهر رمضان الكريم أتمنى أن يختفي العاملون عليها ، كبارهم وصغارهم ، من شاشة التلفزيون وأن يكفوا عن التباهي والمن والأذى بما لا يملكون من زكوات وصدقات يدفعها الآخرون أو تؤخذ عنوة واقتدارا منهم. من المعيب حقا أن يتباهوا بالتصرف بغير الحق في زكوات المزكين وحسنات المحسنين التي لم يرثوها من آبائهم وأجدادهم.أتمنى أن يكف العاملون عليها عن هذا التعدي المستمر على أموال الزكاة والذي قلما يكشف عنه النقاب عملا بفقه السترة الشائع الذي جعل من العاملين عليها جماعة مترفة والغة في السحت إلا من رحم ربي. أتمنى كذلك في هذا الشهر الفضيل أن يختفي ديوان الزكاة نفسه من الوجود ويتم إلحاقه –بصفة مؤقتة على الأقل- بمصلحة أو ديوان الضرائب ، ريثما تجرى دراسة مستفيضة لتجربة ديوان الزكاة بكل ما صاحبها من اخفاق وتجاوز صريح لمقاصد الشرع ، عسى أن يعود ركن الزكاة مثل غيره من أركان الاسلام عبادة مباشرة من العبد للرب. وهذه أمنية لن تتحقق إلا في ظل دولة فاضلة رشيدة قادمة بإذن الله. وكل عام وأنتم بخير. عبد الله علقم [email protected]