وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    روسيا ترفض لتدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه    البرهان يودع سفيري السودان لمصر واثيوبيا "الفريق أول ركن مهندس عماد الدين عدوي والسفير الزين إبراهين حسين"    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    السودان..البرهان يصدر قراراً    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فشل المشروع الحضاري في انتاج جيل اصولي ….بقلم … شموس الأمين
نشر في حريات يوم 02 - 08 - 2012


شموس الأمين …
الزمان: بداية التسعينيات..المكان: ليلة صيفية …
هززتُ عروستي الصغيرة, وسرحت ليها شعراتا ولعبت معاها (طبَّاح وشليل وين راح),
وفجأة هزتني يد أمي واقتلعتني من أحلامي الوردية لميعاد المدرسة.
شربت الشاهي بتمهل وانا افكر في يومي الطويل المنتظر،.وجلست ألهو بشرائطي البيضاء وأصنع منها وروداًوأنا أفكر بصوت مسموع اكيد سنة رابعة دي آخر سنة للشرايط والتسريحات لأنو أمبارح جلدوا بنات خامسة لحدي تامنة المالابسين طرح), من ذلك الزمان قبل النظام العام كان يتم الجلد للفتيات في زيهن..
اشعر بانعدام الأكسجين في رئتي خوفاً, و وسط طوفان الذكريات, خففت على نفسي حمد لله..جيلنا تذوق اللبني الانيق في العالي, افضل من طلبة هذا الزمان..يلبسون المبرقع،) !!
لأن هذه البلاد اصبحت رقعةً في ثوب الدنيا, نشازاً في نسيج الانسانية، لبس عسكري للمدارس؟؟؟
يخترق الحزن أحشائي و يلفني الذهول كلما تمعنت في ما حدث لهذا الوطن، لا تحية إلى كل من أرهق الطفولة البريئة..
طرحت الخواطر جانبا حين لاحظت غيمة علي وجه امي ونظرات مستنجدة إلى والدي, الذي تشاغل بربط حذائه الباتا، عامل بسيط في مكان ما, وشم القهر وجهه ووقع الفقر على ملامحه صك العبودية ,لم يصرف مرتبه منذ بضعة اشهر, ومديره يستبدل عربته كل بضعة أشهر,, إيييه!! القهر مائدة هذا الوطن, يطعمها الجياع.
القلق اليومي, السندوتش بي شنو؟؟ وطبعا حق الفطور مافي,, من المؤكد ان الثلاجة خاوية على (رفوفها), ونظر إليها أبي وهو صامت، أظنه يقول (ماتعايني للتلاجة الفاضية يامرة, بكره نبيعا هي والتلفزيون ذاتو)
كانت امرأة بسيطة, سكنت الاحزان عينيها, دموعها تمطر في احشائها، ارتجفت كسمكة لفظها المحيط في لحظة غضب, وسكنت تماماً.
. أدركت الموقف, الرحلة شبه اليومية لي جارتنا ست البنات : (خالتو ستنا: “أمي قالت ليك أدينا جنا جدادتين أحشي بيهم) وقبل أن أكمل طلبي المشفوع بالاعتذارات، نهضت ستنا بامتعاض واختارت لي أصغر بيضتين عندها, كانت تبيعه بالآجل لنسوة الحي، أما باقي اخوتي الصغار فتغافلهم أمي بشوربة بصل علي أرغفة بائتة.
أكتم في داخلي غضبي.. لاتحية الي كل من سرقنا وامتص دماءنا واكتنز من حرام مرتبات البسطاء..
“وصلت متأخرة كالعادة مع هموم الصباح، ووجدت الجميع ترك لي مهمة مسح الفصل كالعادة, دق الجرس عاليا, وهرولت ناحية الحوش مع الجميع للطابور, ست نفيسة الناظرة, تقف بصلف والحاشية من خلفها، قرأنا نشيد العلم كباقي الأناشيد المعتادة, لحناً وكلمات بلا أدني احساس، لم يكن الوطن سوى كلمة في المطالعة، وأحيانا في التاريخ, أخدنا جلدتنا علي النظافة المتاخرة.. لا تحية إلى تلك البدايات الصباحية السخيفة..
*** **** ***
اصطففنا عشرة خلف تلك الكنبة الخشبية الطويلة القاسية، جاءت ست أنوار, عجوز شمطاء, لم أدرك سر كَرَهي لها,قسوتها علينا,أم بلادتي في الرياضيات؟ من الأمانة بمكان أن أذكر أكبر انجازاتي في الرياضيات كان 23 من 60 ..و كيف تظنوني سانجح, كانت تعطينا درسين في الحصةالتي تريد النجاح تدخل دروس خصوصية, كنت حانقة عليها,
وفي خضم طلاسم القاسم المشترك الأعظم والأصغر,
دخلت علينا الناظرة ومعها موجِّه جديد, وستبدأ التشريفات المعتادة, (قيام وأقروا النشيد يابنات: أقسمت يانفسي لتنزلنّ, لتنزلن او لتكرهن, مالي أراكي تكرهين الجنة, والموجِّه يهز أصبعه, والمديرة مزهوة بهذا النبوغ، خرج مبتهجاً وأصدر حكمه المنتظر: (جزاك الله خيرا ياست نفيسة، جيل جهادي بحق, تأصيل التعليم وأسلمة المناهج، دا دورنا الرسالي)
انفرجت أسارير الناظرة كأنها تلقَّت خبراً سماوياً, فرحنا ايضاً بالإطراء, يبدو انّ هذا الرجل(متديناً), ربما يضمن لي من الله نجاحاً في امتحان الرياضيات؟ هكذا طمانت نفسي, وعاودت الاسئلة: (ياربي جيل جهادي قصدو زي الفي ساحات الفداء)؟؟
وتذكرت دموعي الغزيرة وانا اشاهد (جند الله) تحارب (كفار الجنوب), سنوات طويلة كنت اظن ان حرب الجنوب دينية وأن الجنوبيين هم اعداء الاسلام .. وتمنيت أن أذهب هناك وأرى الملائكة وأشم رائحة الجنَّة. وردَّدت معهم: “أمريكا روسيا قد دنا عذابها”,”علىَّ إن لاقيتها ضِرابُها”
وبين دموعي وأهازيج الشهادة,..أحضرت (حجراً سنيناً لي روسيا، و طوبة كبيرة لي أمريكا, استعدادا ليوم (الصَّقَعِي داك).
آآآآآه,,لاتحية إلي كل من لوَّث أدمغتنا الصغيرة بالخُزعْبُلات..
*** **** ****
الحصة التانية عربي, ست إشراقة(اللوستاذة دي كتر خيرا) كنا نحبها جداً, مثالاُ لذلك المعلم الانسان, حصة العربي هي المفضلة, الأناشيد والمطالعة، مريم الشجاعة التي اوقفت القطار, وبرز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا، ودجاجي يلقط الحَبَّ ويجري وهو فرحانا، كنا آخر دفعة تشهد هذا المنهج.. جاءت مكانها خُزعبلات كتيرة, “كوننا” “وضلنا” “ومنزلنا” “وعشنا”.. آآآخ يابلد,,
من االطبيعي ان يلغي كله الآن.. بالطبع لن ندرس مريم الشجاعة كي لاتتوقف قطارات الفساد والقهر, والثعلب هذا يحكي بوضوح المأساة, امّا الدجاج يُلغي لأنه لايوجد عيش للناس ، (خليك من الجدادات),
=
سحقا وزارة التعليم الغبية ومناهجها التالفة وسياساتها الرعناء, اتحسر علي اطفال اليوم، يظلون نهبا لمزاجات وزارة التعليم كأنهم فئران تجارب, أخاف أن يأتي زمن يتحسَّر فيه اطفال اليوم علي أقرانهم بعد سنوات خاصة اذا إستمر هؤلاء في السلطة مجدداً
*** **** ****
المستمر الآن هو هذه الذكريات الاليمة غير انه قد جاءت اللحظة الذهبية في اليوم الدراسي, دقّ جرس الفسحة وهطلت السعادة الغامرة على وجوهنا وقلوبنا، (فتِّينا فطوراتنا) في جريدة كبيرة, والتهم الجميع البيض والطعمية، وظل الفول بحباته الكبيرة يسبح في فضاء الجريدة في كساد مؤقت، لمحت بطرف عيني نجاة تتسلل إلي جريدتنا المرمية, كعادتها اليومية لم تكن كالكثيرات تملك نقود الفطور وقلتُ في سري, لابد انها تحسبنا من علية القوم, ههههههه, (نجاة يكون ماعندهم خالتو ست البنات بتاعة الجَنَا جدادات)..
لاصفح ولا تسامح مع الذين سرقوا البلاد وامتصوا دم العباد.. قديما شكت العجوز الفقيرة إلي الحاكم تشكوا قلة الفئران في بيتها, وأنا اشكو اليك ياربي في بيتي انعدام الفئران, وفي وطني قهرالسلطان و جرائم الكيزان
**** ****
في خضم الجلوس قرب (ستات التسالي و حلاوة عكاز وشعيرية ) كانت الفتيات يتهامسن وينظرن لي أولاد المدرسة الجمبنا, كانوا قبيحين وقذرين ويستعرضون امامنا بكل ثقة,,
ديل مالوم المغبشين ديل، بكرة يابنات نجيب ليهم فتايل جرسلين) وتطايرت الضحكات الشامتة..
حاشية: هذا, ومن المفيد للذكر إنه (كنا بنات مأدَّبات, وحَّات كتاب الدين)..
*** *** ***
رأيت سارة قرب النسوة ُ, فتاة هادئة في الفصل,في واحدة من حصص الانشاء طلب من الجميع ان يتحدث عن اسرته, قالت ان ابيها في الصالح العام، ثم قالت ان امها اضطرت تعمل تاجرة, ساعتها تحيَّرنا في كنه هذه التجارة, فهمتُ الآن, كانت تعد السندوتشات مع أمها, وتبيعه إلي زميلاتها..
ولم نكن ندري ماذا يمكن ان تعني هذه الجملة(الصالح العام)..,غير ان هناك من تبرع وشرح لنا انهم اولئك الذي يتهمون بعدم الكفاءة او الامانة,وطبعا صدقنا ذلك حينها بكل يسر,
التحية لآلاف الشرفاء في بلادي الذين راحوا ضحية الصالح العام, و تحية صادقة لكل النساء المكافحات, ست الشاي والفطور ..لعن الله الفساد، ودراكولات دماء الشعب,
المضحك المبكي ماسمعناه قبلا عن ان دور الدولة هو المحافظة على المظهر العام، وجلد المنحرفات، وهذا أقبح أكذوبة سمعتها في حياتي علي الاطلاق,الدولة دورها ماء، كهربا، وظائف، تعليم وصحة, لتري الدولة انحرافها أولاً ثم تأتي لإنحراف النساء, وجلدهن..
*** ****
لازلت في المدرسة, ست فوزية, أم الفصل.. جاءت والشرر يتطاير من عينيها أولاً (الألفة السنيحة) اعطتها اسماء البعض الذين كان نصيبهم صوت عنج طويل انطرح على الظهور(أخ, التصبُر ليَّ الالفة العاملة زي العنكوليبة دي).. نهاية اليوم ملأنا اقلام الحبر البرميل (متذكرِنَّها يا بروليتاريا؟) من محبرة بت الناظرة , والباقي اغرقنا به كراسات الألفة (عشان تاني تخلي القُوالة)..
*** **** ****
بالطبع لم تكن آخر الاثافي, كانت هناك قائمة أخرى, الفتيات اللائي لم يدفعن رسوم الامتحانات.. انا بالطبع كنت في امان علي غير العادة, فقد باعت أمِّي لي دبلتها،تم طرد الفتيات فورا وخرجن بانكسار وخجل من الفصل
هل تتذكرون.منذ عامين. حادثة طفلين من توتي تم طردهما أثناء اليوم الدراسي لعدم الدفع ولخوفهما من الرجوع للمنزل قبل الموعد اليومي, ذهبا الي البحر وغرقا هناك, آآآآه من هذه البلاد الغارقة في الاوجاع .. تعليم, صحة, أخلاق, الحياة كلها تغرق,, وستغرق اكثر أذا استمر هذا النظام الظالم في الحكم.
*** **** ****
حصة التاريخ، المسيخ, أخرجنا الدفاتر..وبدأت ست سعاد (بذلك الوجه المتزمت الفاتر) في التملية المعتادة لكل الحصص..كانت تدرس 3 مواد في نفس الحصة..وفي نفس الحصة ايضا تطعم (إبنتها البكاية ديك), الكنا بنشيلا ليها باقي اليوم, و تعد نقود الصندوق طبعا بعد تكون قد ارسلت البنات (يلموا ليها الختة من باقي اللوستاذات) ..
يابنات, همست تحت الكنبة: (بكرة اتوقعوا تجيب خُدرَة وتقول ليكم تعالوا ورِّقوها معاي). اخبرتنا احدي البنات ان تلك المعلمات مرهقات مثلنا بظروف الحياة.. لم افهم حينها معني هذا,,اليوم اعرف كل الواقع السئ الذي يجبر فيه المعلم والمعلمة لأنشاء الاجيال..
***
ست سعاد كنا لا نحبها.كانت كل الحصص هي حصص إملاء,لأن هناك كتابين في الفصل واحد لها و واحد لبنت المديرة, ضبطتني وأنا أرمقها بنظرات الغيط والحنق, ورمتني بالدعوة المأثورة في تاريخ التعليم السوداني: ((أكتبي, اكتب أوزارك ياحيوانة اي والله ياحيوانة
عدييييييييييييل كدا,, ))
.احضرنا نبلة لها. ظلت زمنا في درج الكنبة ترمقنا ونرمقها وبعد أن ننتهي من تبادل الرمقات اليومي هذا (نديها لزة لي جوة الدرج) ونظل شهورا نعزي ايدينا المرهقة بالكتابة في انتظار ذلك الحلم الجميل..
**** **** ****
بالمناسبة انا لازالت اسرد عليكم ذكرياتي المملة, فقد صارت الان الساعة الواحدة, ست فتحية.. جاءت تحمل كتباً كتيرة, (سمَّعت السُّوَر بالسوط) وطبعاً أخذتُ نصيبي, بدأت تدرس “(وطبعا الناس الكفار والبعملوا الغلط والما بحفظوا السور ربنا بعذبم بي نار جهنم تشويهم زي خروف الضحية، وفي سير اسمو الصراط، سنين زي الموس بجرح الكافر والعاصي وبكون ماشي والنار بي تحت والدم في رجلينو)
” وتوقفت قلوبنا الصغيرة عن الخفقان ونحن نسمع تلك التهديدات ولم افهم ماذا قالت بعدها, بل شعرت بالموس في قدمي والدماء تنزف.. عبير صديقتي الأثيرة بكت باقي اليوم، ولم تاتِ بعدها، جاء والدها وأخبر الناظرة انها ترفض المدرسة, وانها تصرخ كل يوم في النوم بالصراط والموس والنار، أخيرا في يوم تعيس انتقلت عبير للانجيلية حيث حصة الدين ليست اجبارية وذهبت متبوعة بنظرات الحسد والغيرة من الصغيرات..
لم تكن هي وحدها.. البلاد كلها إمتلات بمهاويس الدين, التجار( بائعي هوى) الضلال والكذب والفجور باسم الله ,احذروا ان تصمتوا علي استمرار هؤلاء المتأسلمين..
.شيخ من عملاء السلطان كان يخطب معلقا علي شهداءنا الطلاب في نيالا..
ويحرم الخروج علي الحاكم لقوله تعالي: (يا ايها الذي آمنو لاترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولاتجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لاتشعرون) ..ولذا فيحرم حتي مجرد رفع الصوت علي القائد.. ناهيك عن الخروج عليه..وعليه تحبط اعمال اولئك المارقين علي الحاكم,,ويستحقون غضب الله عليهم ولايقبل الله منهم اعمالهم ويموتوا ملعونين من الله..
سحقا..صغار لم يبلغوا سن التكليف حتي,,يتم لعنهم وتكفيرهم لانهم خرجوا من اجل يطالبوا (بحق المواصلات),, من اين جاء شيخ الضلالة هذا بفتواه العجيبه تلك
==
ولحسن حظ القارئ الكريم فان جرس البيوت قد دقّ, (هل وصل احدكم في القراءة هنا؟؟,,؟ (بالكم طويييل صابرين23 سنة ماتصبروا علي ذكريات مملة)..
**** ****
نهاية البيوت,
(مستحيل نمرق برانا), عصابات سنة تامنة تغلق الطريق.. لابد من دفع الاتاوات, (باقي التحلية وأكياس الشطة والتسالي والذي منو).. اخترت الاحتماء بإحدى العصابتين..بدل ادعاء الشجاعة.. العصابة توفِّر الحماية اثناء الفطور وساعة البيوت.. دارت معركة عنيفة, استخدم فيها الحصحاص والشِدَّات, وتناثر الضحايا, شنطة مقطوعة وكراس مشروط وو وفي النهاية تنتصر احدى العصابتين وتطارد الأخري, وهذا ماحدث لنا,,
.. وفررنا يومها مع الوعيد (بالسد والرد) غدا..
( انتو دحين النسعلكم؟ ناس وزارة التعليم ديل نصيحين؟؟؟ حوش واحد فيهو من اولي لي تامنة؟ من 6 لي 15 سنة سوا طفل ومراهق معا؟، محن يابلد.. محن,, )
هل صحيح ان هناك فكرة عابثة تدور في طايوق احدهم.. ان يزيدا سنة تاسعة..حيث اكتشف فطاحلة الوزارة والتأصيل مؤخراً.. أن المناهج مبتسرة..
*** ****
.. بعد (السكسك), قررنا نخفف على انفسنا بالذهاب للروضة للعب..حصة الرياضة الوحيدة كانت مخصصة لنظافة حوش المدرسة…طفولة بائسة
.تسللنا للداخل ..وسمع الغفير الحديث وهجم علينا وكالعادة غلبني التصرف واثناء الهبوط نحو الهرب تمزق فستاني المكشكش, (دبسناهو بي شوكة) واطلقنا ساقينا مرة اخرى للريح.. في الطريق معشر الفتيات طمأنني بالقول (نحنا يومي بنتأخر ولما نرجع بنخت قشتين في شعرنا وكدا بنكون طاقية الاخفاء,الدرس دا ادونا ليهو في سنة سادسة, لسة انتو سُغَار مابتعرفوهو).
فرحت لإفلاحي في الهروب من التوبيخ، ولاكتشافي هذا السر الرهيب..دخلت المنزل أجرجر قدميّ, بعد أن حشوت رأسي بكل أنواع الحشائش.. ومشيت بثقة ظنَّاً مني أني أرفل داخل طاقية الاخفاء وواجهتني أمي بنظرة هلعة: (جاية متأخرة ومنكوشة وفستانك مشروط؟)، وأردفت نظرتها بعلقة جامدة)..ضاعت اماني اللهو ,,يالتلك الطفولة البائسة
, ,لاتحية إلى (السناير الذين برلموننا من الابتدائي للجامعة),
=
وبين دموعي وتنهيداتي وكوابيس الصراط نمت وانا احلم كالعادة بعروستي التي لم ألاعبها يوماً سوى في الاحلام, أمي كانت تقول:(نجيب ليك كراسات وللا عروسة!؟)، كنت اصنع عروسةً في نومي وأسرح لها شعرها والعب معاها (طبَّاح وشليل وين راح)،
لا تحية إلى من سرقوا حتى أحلامَنا البريئة تلك.
. جاء زمان كنا نستعيض عن الفرح بالأحلام, وحين أصبح حتي صمتنا من صمته يخاف, قرروا أن يسرقوا أحلامنا أيضا, ولو طالوا انجم السماء والبدر في العلياء لسرقوهما..
23 عاما تدهورٌ في كل الحياة, قتلوا فينا الهمم والقيم والفرح ومنابع الضياء, قتلوا فينا الانتماء لهذا الحبيب الضائع منا, هذا المعشوق العذاب, نناديه علَّه يحن إلي العودة فينا, هذا الوطن تضيق بنا شوارع الروح ونحن صعوداً إلى حضرته..
عبثا أحاول تناسي الاوجاع, كما نستل السكين من جرح عميق.. هل يمكننا أن نقوم من تحت الرماد كطائر الفينيق بعثاً من جديد؟؟ هل لجمرةٍ ما أن تشتعل في موقد هذا الوطن وان تُحيى الرماد مرة اخري.؟.
لاتعرضوا الأبناء، الأخوة الصغار، الاحفاد, جميع القادمين من رحم الغيب، لاتعرضوهم لما مررنا به في وطن الجراح هذا, انتم مسؤولون أمام الله والتاريخ عنهم, وعن مصائرهم, اسعوا لغدٍ أفضل لهم.
. لاتحية إلى كل من يصمت علي من اوصلونا لهذا الحال البائس.
23 عاما فشل مشروعهم الحضاري بكل تأصيله وفتاويه وترزيته ونجاريه …وبكل اهمالهم للتعليم وتشويههم للمناهج الدراسية..فشلوا ان يخلقوا جيلا يصدق خزعبلاتهم,,ومن خلف اسوار المدارس..خرج اطفال نيالا,,مهدمين لكل القيود..
فمتي تنهضون؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.