٭ انتظر أبو حنيفة الفجر الصادق بثورة تقضي على الظلم وتضع الامور في نصابها الصحيح.. وقامت ثورة العباسيين وانتصرت على الامويين.. ولكن ما فعله العباسيون ببني عمومتهم من أبناء ابن ابي طالب من هضم لحقوق وتعذيب وتقتيل لا سيما السفاح الذي كان لا يأبه بالدماء يريقها ويقتل الناس بالجملة من أجل ان تدين الامور للدولة العباسية الوليدة. ٭ كل هذا اصاب ابا حنيفة بخيبة امل عظيمة اسلمته للغضب والتأثر الحزين الذي سرعان ما تحول الى موقف ايجابي ثائر وقرر الا يسكت عن حق ولا يصبر على ضيم.. بعيد عن السلطان وماله.. وعمل بالتجارة واخذ يمنح تلاميذه ويعطيهم حتى يتفرغوا للعلم والدراسة واصبحت له اياد بيضاء. فلاصحاب الحاجات حصة من ماله.. لطالب العلم حق مقرر من ماله حتى يتفرغ لعلمه ودرسه. ٭ وفي مرة اراد الخليفة المنصور ان يغريه بالمال فارسل اليه «كيسا» به مال وفير وارسل مع رسوله «ان امير المؤمنين يأمرك ان تضع هذا المال حيث ترى» فقال ابو حنيفة للرسول امير المؤمنين يعرف من اين جمع هذا المال وهو يعرف اين يضعه ورفض ان يأخذه. ٭ وكان المنصور يعرف لأبي حنيفة فضله وعلمه وسمعته الطيبة بين الناس.. فقد كانوا يسمونه عالم الدنيا.. سأله يوماً عمن أخذ العلم.. فقال عن اصحاب عمر بن الخطاب.. وعن عمر اصحاب علي بن ابي طالب وعن علي وعن أصحاب عبد الله بن عباس ولا على وجه الارض اعلم منه.. فقال له المنصور لقد استوثقت لنفسك. ٭ يعرف هذا لابي حنيفة ولكنه يأخذ عليه عدم ولائه للعباسيين وانه يفضل عليهم أبناء علي ابن ابي طالب المطالبين بالخلافة ويحرضهم على المطالبة بها. ٭ وبقي الامام الصامد على نهجه لا يغريه بريق السلطة ولا تهديد السلطان. ٭ ولما استدعاه المنصور وعرض عليه القضاء.. ابى وقال للمنصور: اتق الله ولا تدع امانتك الا الى من يخاف الله.. والله ما انا بمأمون الرضا فكيف اكون مأمون الغضب لو اتجه الحكم عليك ثم هددتني ان تغرقني في الفرات او ان تلي الحكم لاخترت ان اغرق.. ولك حاشية يحتاجون الى من يكرمهم لك فلا اصلح لذلك.. ولما قال له المنصور «كذبت» رد عليه قد حكمت على نفسك كيف يحل لك ان تولي قاضيا على امانتك وهو «كذاب» والح المنصور في طلبه حتى قال له ان لم تقبل ضربتك بالسياط وحبستك حتى ترضى بالقضاء. ٭ فاصر الامام العالم على الامتناع فامر بضربه ضرباً مبرحاً وحبسه وجيء به مرات امام المنصور وكان يأبى في كل مرة فيحبس ويضرب حتى اشرف على الهلاك.. ولم يرحم المنصور شيخوخته ولا مقامه فمات بعد الضرب المبرح في السجن. ٭ ويبقى الصمود على المبادئ قيمة نضالية متجددة في كل زمان وفي كل مكان وتشمخ قامات الصامدين مع الحق على مر التاريخ. هذا مع تحياتي وشكري