عالم فلك يفجّر مفاجأة عن الكائنات الفضائية    فيتش تعدل نظرتها المستقبلية لمصر    السيد القائد العام … أبا محمد    اتصال حميدتي (الافتراضى) بالوزير السعودي أثبت لي مجددا وفاته أو (عجزه التام الغامض)    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    قطر.. تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم الصادرة    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    والى الخرطوم ينعى نجل رئيس مجلس السيادة    قبل قمة الأحد.. كلوب يتحدث عن تطورات مشكلته مع صلاح    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    وفاة محمد عبدالفتاح البرهان نجل القائد العام للجيش السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي ساهر ب(البجامة) وتعرض نفسها لسخرية الجمهور: (النوعية دي ثقتهم في نفسهم عالية جداً.. ياربي يكونوا هم الصاح ونحنا الغلط؟)    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تسخر من الشباب الذين يتعاطون "التمباك" وأصحاب "الكيف" يردون عليها بسخرية أقوى بقطع صورتها وهي تحاول تقليدهم في طريقة وضع "السفة"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان المسلمون يتآمرون فى الخليج
نشر في حريات يوم 12 - 10 - 2012

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً فابشر بطول سلامة يامربع!
الفاضل عباس محمد علي
ضاق الخناق على جماعة الإخوان المسلمين بمنطقة الخليج العربي بعد أن انكشف أمرهم….وتفشّي خبرهم… وتم نزع الغطاء عن مخططاتهم الرامية للاستيلاء على السلطة فى واحدة أو أكثر من دول المنطقة الغنية بالنفط….على أن يمتد حبل سرّتها من بعد ذلك ليلتئم بالدول العربية التى قفز الإخوان للسلطة فيها، سواء عن طريق انقلاب عسكري كما هو الحال فى السودان وشمال مالي (تمبكتو)،… أو عن طريق الإنتخابات المضروبة والمشكوك فى توقيتها ومصداقيتها …تحت ظروف شديدة العتمة والضبابية….خضعت فيها الشعوب المعنية لكافة أنواع غسيل الدماغ والحملات الإعلامية المكثفة… المصروف عليها بالبترودولار، كما هو الحال فى المغرب وتونس ومصر،….. بالإضافة للجمهورية الإسلامية الإيرانية والبلدان المثقلة بالوجود الأصولي كالصومال واليمن وأفغانستان.
وتطالعنا إفتتاحيات وأعمدة الصحف الخليجية هذه الأيام بهجوم يستحق الثناء على هذا التنظيم الأخطبوطي العابر للحدود… والذى ينتهك سيادة الدول ويدوس على حقها فى إختيار ما تشاء من أنظمة سياسية…فى محاولات لا تتوقف لقلب نظم الحكم، باي هوك أور كروك، وفرض الإمارة الإسلامية التى بشّر بها أبو الأعلى المودودي وسيد قطب… نواةً للخلافة الإسلامية بشكلها الجديد الذى يتصوره الإخوان المسلمون…إمتداداً للخلافة العثمانية… وريثة الدولة العباسية.
وليت هذه الحملة التوعوية التى يخوضها الإعلام الخليجي هذه الأيام……ليتها بدأت منذ ثلاثة عقود….أي، قبل أن يسطو الإخوان على السلطة فى السودان، وقبل أن يقوى عود “الأممية الإخوانجية” من خلال الجهود التى بذلها النظام السوداني والحركة الإخوانية العالمية….المتمثلة فى “المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي” وأمينه العام الشيخ حسن الترابي…وغيره من الكوادر الإخوانجية المتناثرة فى أركان المعمورة لتنسيق الأنشطة “الأممية”…….وقبل الدعم الذى قدمه ذات النظام الترابي للمتطرفين الصوماليين بزعامة محمد فرح عيديد…(ومن ذلك الباب دخل عدم الإستقرار الذى لم يخرج منه الصومال حتى اليوم)…وقبل أن يغادر بن لادن السودان ويستقر بأفغانستان عام 1996…ويعمل على توطيد دعائم النظام الطالباني المتطرف…وترسيخ ركائز عصابة “القاعدة” التى عاثت فى الأرض فسادًا وخراباً ودماراً… ونشرت الفوضى وثقافة الإرهاب فى كل أرجاء العالم….من باكستان إلى العراق…ومن القرن الإفريقي إلى شمال نيجيريا…إلى كينيا وتنزانيا…ومن الشيشان إلى أمريكا وغرب أوروبا……فكانت أسوأ سفير للإسلام… وأبعد ما تكون عن الدعوة لدين الله بالحكمة والموعظة الحسنة…بعد أن تبيّن الرشد من الغي….حيث أنها فضّلت الإكراه والفظاظة والرعب والأذى والعدوان والتضييق على غير المسلمين وسفك دماء الأبرياء…والمتاجرة بالدين وأكل أموال السحت والتمرغ فى الفساد…إلخ.
ورغم أن هذه الحملة التوعوية والتثقيفية قد جاءت متأخرة بعض الشيء…إلا أنها خيرٌ من ألا تكون…….فلا بد من التصدي لفكر الإخوان وفضح مخططاتهم….عبر الكلمة المقروءة والمسموعة التى يساهم فيها كل المثقفين الوطنيين والقوميين والليبراليين والعلمانيين العرب…فلقد ظلت الساحة العربية والإسلامية حكراً على الكتاب والدعاة الإسلامويين….تسندهم الماكينة الدعائية لتنظيم الإخوان العالمي وجيوبها الراكزة بعشرات القنوات الفضائية…والكوادر المتقدمة التى ما زالت تتبوأ أرفع المناصب بالشركات والمؤسسات الخليجية ذات الوزن الثقيل…..ومعروف أن الإخوان المسلمين كانوا قد تغلغلوا فى هيئات تدريس عشرات المدارس والجامعات بدول الجزيرة العربية منذ هروبهم من مصر أيام عبد الناصر…عام 1945 وعام 1967…كما ظلوا يتسللون إلى دول الخليج طوال سنين حسنى مبارك….وجاءت مجموعات مماثلة من السودان ( سعاد الفاتح ورهطها) وشمال إفريقيا ومنطقة الهلال الخصيب…ليستقروا بهذه الدول العربية النفطية….بالإضافة للسيل المستمر من الإسلاميين الفلسطينيين الذين ما انفكوا يثابرون فى نشر الدعوة الإخوانية وبث خلايا التنظيم الأصولي الدولي..أكثر من إهتمامهم بالقضية الأم…وهي القضية الفلسطينية……..ولو ركزوا على قضيتهم طوال الست عقود المنصرمة…لوجدت تلك القضية المزمنة حلاً….ولحمل الإستعمار الإستيطاني اليهودي عصاه على كتفه ورحل.
وحيث أن الإخوان المسلمين موجودون فى كل منتدى ومجلس ومسجد وبرنامج تواصلي تلفزيوني…وبالمدارس والجامعات والمعاهد العليا…وبما أنهم دائماً يحدثون ضجيجاً وزخماً وأصواتاً عالية….فإنهم كثيراً ما يفرضون غلالة من الإرهاب الفكري تساعد على تغبيش وعي الجماهير…وتصرف الأنظار عن القضابا الحقيقية المرتبطة بحياة الناس….ويركنون للديماغوغية والمنطق الدائري السفسطائي الذى لا يصل بك لنتيجة ذات بال… إنما يضيع الزمن وينهك الخصم.
رغم ذلك، فى حقيقة الأمر، فإن التصدى لهم ليس بالأمر المستعصى أو المستحيل…إذ أنهم يستندون على منطق معوج…فوق أرضية من اللجاج والفجاجة والركاكة وتحوير الحقائق…وإرهاب الآخرين….وحيثما تخطّت الجماهير حاجز الخوف…وأخذت المبادرة بيدها… فإن فكر الإخوان المسلمين سيتراجع… وتذروه الرياح… كخفافيش سطعت عليها أشعة الشمس….وستذهب ريحهم كما ذهبت ريح الشيوعية والفاشية والنازية والبعثية.
لقد حان الوقت لأن تنطلق الإتجاهات الفكرية المناوئة للإخوان المسلمين…وأن يفسح لها المجال كاملاً فى الأروقة الثقافية والإعلامية والتعليمية، خاصة بالجامعات……حتى تنضج وتتبلور تلك الإتجاهات… وتأخذ طريقها نحو تشكيل المنابر التي ستتحول فى يوم غير بعيد إلى مجموعات وأحزاب سياسية تؤسّس عليها الديمقراطيات القادمة…. وخير معترك تصقل فيه الإتجاهات الوطنية المختلفة…وتنمو وتزدهر…هو معترك التصدّى للإخوان المسلمين وتفنيد حججهم ودحض فكرهم المهترئ المبني على الإرهاب والإغتيالات وسرقة الثورات والقفز للسلطة بالإنقلابات العسكرية……هو معترك حماية الدول الآمنة المطمئنة بمنطقة الخليج التى حققت الرفاهية والرخاء والسلام الإجتماعي لشعوبها….معترك حمايتها من تآمرهم الذى لا ولن يتوقف…. طالما أن لهم نصراء…خاصة بالدول التى أصبحوا يحكمونها….وبالدول المتحالفة مع جهاز الإخوان العالمي بغرض فرض هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط وسد الفراغ الذى تركته القومية العربية (بعد نكسة الناصرية فى حزيران 1967)… والإشتراكية (بعد وفاتها فى اليمن الجنوبي)… والبعثية بعد ذهاب صدام حسين وقرب ذهاب الأسد……..إنه حلف شيعي إخواني ماكر واضح المعالم ومعروف للجميع بمنطقة الخليج…ولن يأتى من بردته إلا كل شر مستطير.
ولو شئنا أو أبينا، فإن الحوار الشعبي الذى يتحدى فكر الإخوان ويطرح الرؤى البديلة قد بدأ بالفعل….ومن الصعب إسدال الستار عليه فى عالم أصبح متداخلاً ومتواصلاً بفضل الثورة المعلوماتية ومعطيات القرية الكونية…فعلى سبيل المثال، تناولت البى بى سي العربية هذا الموضوع مساء الأربعاء 11 أكتوبر وأعادت بثه فجر الخميس…وذلك فى برنامج (نقطة حوار)…فى محاولة للإجابة على السؤال الذى طرحه مقدم البرنامج: (هل تستطيع الإمارات إقامة حلف ضد الإخوان المسلمين بالمنطقة؟)…وبغض النظر عن المداخلات المختلفة والآراء المتباينة للمشاركين الأساسيين بالحلقة، وبغض النظر عن إساءة فهم مقدمى البرنامج لحقيقة الصراع مع الإخوان المسلمين….ولحقيقة أن المطروح ليس حلفاً خليجياً ضد الإخوان…بقدر ما هو وحدة فكرية ضدهم…فإن المهم هو ما لمسناه من سهولة دخول أجهزة الإعلام الدولية على الخط……وحيث أن جحا أولى بلحم ثوره، فإنه يتعيّن على الإعلام المحلي أن يلتقط القفاز ويدير الحوار بنفسه حول هذه القضايا……. بما يسلط الضوء بصورة أكثر وضوحاً على مؤامرات الإخوان منذ تأسيس الحركة قبل ثمانين عاماً…لا أن نترك هذه المسألة لكل من أراد أن يمارس أبوية جديدة على الدول العربية…فالبي بي سي ، مهما تسربلت بالموضوعية، قد لا تخلو هي نفسها من ثمة نفوذ للإخوان المسلمين، ولقد كانت متحاملة ضد الإمارات فى هذا البرنامج…وأعطت مساحة أكبر مما يجب لممثل الإخوان المسلمين الكويتيين، (شخص يدعي مبارك خالد الدويلي)، فأرغى وأزبد فى ذكر مناقب الإخوان المسلمين وتصويرهم كالحمل الوديع الذى لا يطمع فى السلطة بأي بلد عربي…فالإخوان، كما زعم، يأتون للسلطة فقط عن طريق الإنتخابات الديمقراطية …كما هو الحال فى مصر التى أكثر من الاستدلال بها …… مع جرعات هائلة من تزوير الحقائق التاريخية…بل قلبها رأساً على عقب….وكميات مهولة من الكذب الصراح…أو لعله الجهل المزري بأبجديات العلوم السياسية وتاريخ المنطقة ومسائل الدولة الدينية، بل وفكر الإخوان المسلمين نفسه.
قال الكويتي مبارك خالد، فيما قال، لبرنامج “نقطة حوار”: (إن الإخوان المسلمين لا يأتون للسلطة عن طريق الإنقلابات العسكرية…و لا يضطرون لهذا الأسلوب إلا إذا رأوا أن الحاكم ظالم وجائر…)…إذاً، فإن الإخوان هم الجهة السياسية الوحيدة بالمجتمع التى تقرر أن الحاكم فاسد..فتقوم بتغييره………أما الشعب، فهو جالس على الرصيف…يتفرج…والإخوان يتصرفون بالإنابة عنه.
لعل هذا “الأخ” لم يسمع بالسودان:…… ألم يسطو الإخوان المسلمون هناك على السلطة فى 30 يونيو 1989 ، عندما ذهب العقيد البشير بدبابته للقصر الجمهوري…وذهب حسن الترابي مرشد الجماعة لمعتقل كوبر لزوم التمويه وخداع الرأي العام المحلي والعربي والعالمي؟… هذا ما حدث بالفعل كما شهد به العالم كله…ولم يصدر أي رفض أو نقد لتلك التجربة من أي فرع للإخوان المسلمين فى أي مكان بالعالم…بل على العكس من ذلك، احتفى التنظيم العالمي بالإخوان السودانيين وقرّظهم وخفّ لنصرتهم ودعمهم مالياً وإعلامياً و”نفطياً”…وعندما تمت الدعوة لتأسيس “المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي” بالخرطوم…لبّت كل الأحزاب والفصائل الإسلامية العربية الدعوة…بما فيها الإخوان المسلمون الكويتيون…وتمِ إنشاء ذلك الكيان كواجهة شبه شرعية لتنظيم الإخوان العالمي…… وأصبح الترابي أمينه العام بمباركة كل رموز الحركة الذين جاءوا على كل ضامرة نفاثة..ومن كل فج عميق….وكانت الخرطوم فى أول أيام الإنقلاب موئلاً للعديد من الإسلاميين البارزين كالغنوشي وأسامة بن لادن والعديد من منسوبي “حماس”…وفى تلك الأثناء، مارس النظام الجديد كل أنواع القمع والبطش والتنكيل بخصومه السياسيين…دون أن تتقدم الأحزاب الإسلامية العربية بأي إحتجاج أو مجرد إلتماس لمراعاة حقوق الإنسان…
ومن أبرز معالم ذلك البطش ما يلي:
تم فصل آلاف العاملين بالحكومة والقوات النظامية (للصالح العام)، ليس لأنهم ينتمون لاتجاهات فكرية معادية للإخوان، إنما لمجرد الشك فى ذلك…ولإفساح المجال لكوادر الجبهة القومية الإسلامية (الإسم الذى كان يستخدمه الإخوان لتنظيمهم)…لتتسنّم السلطة بكامل دسمها…وبذلك تم هدم جهاز الدولة الذى كان قائماً عشية الإنقلاب…عملاً بنصيحة فلاديمير لينين الواردة فى كتيبه (الدولة والثورة) الذى وضّح فيه أن ذلك شرط أساسي لبناء الدولة البروليتارية الوليدة على أنقاض النظام البرجوازي البائد…ولقد اعترف الشيخ الترابي فى محاضرة بجامعة جوبا بعد الإنقلاب ببضع سنين (أن الإخوان المسلمين قد تعلموا أساليب الشيوعيين.. وبزوهم فيها)….وتشرد المهنيون والفنيون والعمال المهرة السودانيون فى أركان الدنيا الأربعة…خاصة الدول العربية الخليجية…وضربت جذورهم هناك…وتركوا السودان للترابي وجماعته ليبيضوا ويفرخوا به كيفما شاءوا.
تم حبس جميع الكوادر الحزبية والنقابية بالعاصمة وكل أقاليم السودان..حتى ضاقت بهم السجون والمعتقلات…وعندئذ تفتقت عبقرية الإخوان عن آلية وحشية من طراز آوزفتش إسمها “بيوت الأشباح” …وهي منازل حكومية تم تحويلها لمعتقلات خاصة عرفت بتعذيب المتهمين بصورة لم تحدث من قبل فى تاريخ السودان… وقد اشترك فى عمليات التعذيب الكوادر الإخوانية القيادية التى تحتل اليوم أرفع المناصب بالدولة…ورغم أن كثيراً من المعتقلين قد أطلق سراحهم فيما بعد نتيجة للصيحات المدوية من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية..إلا أن ظاهرة اعتقال الخصوم السياسيين ما زالت مستمرة إلى اليوم…مدعومة بقانون الطوارئ والقوانين الإستثنائية القمعية الأخرى التى ظلت سارية طوال حكم الجبهة الإسلامية منذ 1989…بحجة أن البلاد فى حالة حرب..وهي فعلاً كذلك طوال ربع القرن المنصرم…مع من؟…مع بنى الوطن فى الجنوب والغرب والجنوب الشرقي والغرب الأوسط.
تم إعدام ثمانية وعشرين ضابطاً من القوات المسلحة فى العام الأول لحكم الترابي/البشير بدعوى أنهم كانوا يخططون لإنقلاب عسكري،…. (أي، حلال على بلابله الدوح…حرام على الطير من كل جنس!)….كما تم إعدام ثلاثة سودانيين بتهمة الحيازة على بضع دولارات وجدت بخزائنهم.
شرعت حكومة الإخوان على الفور فى تأجيج الفتنة بجنوب السودان وبخوض حرب جهادية ضد تلك الشعوب المسكينة…حرب إشتركت فيها الكوادر الفنية العراقية والإيرانية…وكانت المحصلة النهائية هي فصل الجنوب الذى باركته حركة الإخوان المسلمين الدولية باعتباره قفلاً لباب العولمة…حيث أن ما تبقي من شمال السودان يتألف من المسلمين الذين يصبح تطبيق الشريعة عليهم مسألة مفروغ منها…ثم، لما اكتشفوا أن هناك مازالت بعض الجيوب غير المسلمة…كما هو الحال فى جنوب كردفان…ما كان أمامهم غير استدعاء الجهاد مرة أخرى…فتجدد القتال بتلك الديار… وتم تشريد الشعب النوبي.. ومنعت عنه الإغاثات…وكذا الحال بالنسبة للشعوب الإفريقية السودانية الأخرى بجنوب النيل الأزرق ودارفور.
دخلت حكومة الترابي/البشير فى حرب مع شعوب دارفور منذ 2003 بدون أي مبرر يذكر. ولقد بدأت المسالة كنزاع تقليدي بين القبائل السودانية الإفريقية المستقرة ب “حواكيرها” الزراعية بجنوب دارفور منذ آلاف السنين، وهي ما تسمى بقبائل الزرقة: الفور والمساليت والزغاوة والبرتا والداجو والميدوب،…. وبين القبائل شبه العربية البدوية القادمة من شمال دارفور…بنى موسي والقرعان…إلخ…المتوغلة جنوباً بمقدار الزحف الصحراوي الذى اشتد على مناطقها منذ السبعينات….ولسبب لم يزل غامضاً حتى اليوم…وقفت حكومة الترابي/البشير مع العرب، مع أن الفريقين مسلمان بنسبة مائة بالمائة….ومدّتهم بالسلاح والعتاد والدواب والآليات…وألبستهم الزي العسكري…وأطلقت يدهم فى قرى جنوب دارفور…حرقاً وقتلاً للرجال والأطفال..واغتصاباً مبرمجاً ومكثفاً للنساء…فهاجر فى عامي 2003 و 2004 أكثر من أربعمائة ألف لاجئ باتجاه مخيمات النازحين بالأطراف النائية لدارفور…وللمعسكرات التى نصبت بالدول المجاورة: تشاد وإفريقيا الوسطي…و لا زالوا على هذا الحال حتى اليوم..وما زالت الحرب سجالاً بين مليشيا العرب (الجنجويد) والمنظمات الدارفورية التى حملت السلاح فيما بعد 2003: حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان…وهكذا….. وكانت حصيلة القتلى أكثر من مئتي ألف من أهل جنوب دارفور - (وحتى رئيس الدولة نفسه كان قد اعترف على رؤوس الأشهاد بأن الضحايا من قبائل الزرقة بلغ عددهم عشرة آلاف)،…. ومن تداعيات تلك المشكلة أن المجتمع الدولي صنف ما حدث بأنه إبادة جماعية (genocide)، وأصبح الرئيس البشير مطارداً من قبل محكمة الجنايات الدولية…متهماً بجرائم ضد الإنسانية وبجرائم حرب… وبالإبادة الجماعية.
حكم الإخوان المسلمون السودان لما يقرب من ربع قرن.. ولم يقدموا سوى نموذج الدولة الفاشلة المعروفة لدى كل الدنيا بالفساد المالي والإداري…وكانت المحصلة النهائية تفشّى الأوبئة وتدنّي صحة البيئة وتهميش أهل الريف السوداني وحرمانهم من أبسط خدمات التعليم والصحة…وسرقة موارد البلاد لمصلحة نفر قليل من الأقارب والمحاسيب الذين يمتلكون عقارات فاخرة بماليزيا وببعض الدول الخليجية… والكثير من الحسابات المكتنزة بالعملة الصعبة فى سويسرا وجزر البهاما.
وهناك عدة نماذج لفشل الأنظمة الإخوانية التي وثبت للسلطة فى العديد من الدول – مثل أفغانستان أيام طالبان، والصومال تحت نير المحاكم الشرعية وحركة الشباب….وأخيراً فرع تنظيم القاعدة الذى تولى السلطة مؤخراً بتمبكتو. وهذه تجارب لم تذهب عن الذاكرة بعد، و لا داعي للخوض فى تفاصيلها…ويكفى أنها لم تدم طويلاً فى أفغانستان والصومال…حيث أنها لم تجد السند الشعبي اللازم…كما استقطبت عداء المجتمع الدولي…أما الإنقلاب الأخير فى تمبكتو…فهو كذلك لن يدوم طويلاً…وهنالك تحرك عسكري من التخوم الموريتانية يستهدف تخليص الشعب المالي المستغيث من هذه المصيبة التى ألمت به منذ بضع شهور.
عموماً، ليس هناك فى جعبة الإخوان المسلمين ما يستطيعون تقديمه من نماذج يضرب بها المثل…أو نماذج هادية لدولة إسلامية عصرية تحقق السعادة والعدالة لشعوبها بمثلما فعلت دول الخليج…دولة تستوعب المسلمين وغير المسلمين دون أن تحيل الأخيرين إلى أهل ذمة يدفعون الجزية وهم صاغرون….ولقد إهتدت البشرية منذ وقت مبكر لفصل الدين عن الدولة دون أن تقلب ظهر المجن للدين وللمعتقدات والتقاليد الشعبية الراسخة…فعلى سبيل المثال، تخلصت أوروبا منذ عهد هنرى الثامن من سيطرة الكنيسة على الدولة، وحصرت الكنيسة داخل جدران مؤسسات العبادة..فخطت الدولة خطوات عملاقة متتالية نحو عصر التنوير ثم الثورة الصناعية ثم ثورة المعلوماتية الحديثة…مع ما صاحبها من إزدهار صناعي وثقافي واجتماعي وفني …وفى نفس الوقت، ما زالت الكنيسة موجودة بزخم هائل فى أمريكا وأوروبا والعالم الثالث كله….أما الدولة الدينية التى يبشر بها الإخوان المسلمون..فهي دولة الفتن والإحن التى حذر منها المصطفي عليه الصلاة والسلام حين قال: (الخلافة بعدى ثلاثون عاماً…تصبح بعده ملكاً عضوداً). وليس أدل على ذلك مما حدث فى السودان. حتى الترابى نفسه الذى علمهم السحر وقادهم لعتبة السلطة فى 30يونيو 1989 إنقلبوا عليه وسجنوه وعذبوه وتركوه كالرجل الذى فقد ظله.
ألا هل بلغت…اللهم فاشهد.
والسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.