تحدث المتحدثون كثيراً عن النضال والصمود الاسطوري لقوات الفيتكونج في فيتنام ومقاومة حزب المؤتمر الإفريقي في جنوب إفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا ضد حكم العنصرية البيضاء، وعن ملاحم جيش التحرير الجزائري التي قدم خلالها مليون مناضل ومناضلة ارواحهم مهراً لحرية بلادهم، وعن صمود الماو ماو في كينيا بقيادة جومو كنياتا، وعن العمليات العسكرية التي كان الجيش الجمهوري الايرلندي يشنها على الحكومة البريطانية، وعن حرب العصابات التي يخوضها نمور التاميل في سيرلانكا. أجل كل هذه كانت حروباً ضد الوجود والهيمنة الاستعمارية وقد سجلها التاريخ على صفحاته كأمثلة للتضحيات الجسام لتلك الشعوب وصمودها واستماتتها من أجل ان ترى بزوغ الحرية، ولكن ثبت للعالم بما لا يدع مجالاً للشك ان تضحيات وصمود وبسالة واستماتة الشعب الفلسطيني البطل برجاله ونسائه وأطفاله منقطعة النظير ذلك لأن العدو الإسرائيلي يمثل أشرس عدو عرفه تاريخ العالم في الوحشية والهمجية والبربرية، وفاق في ذلك التتار والنازيين والمغول وقد حرصت الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة على جعل قوة الجيش الإسرائيلي وأسلحته وعتاده تفوق قوة جميع الجيوش العربية مجتمعة وتحولت إسرائىل الى ترسانة لأحدث الأسلحة وأكثرها تقدماً وأشدها فتكاً، بل وتحولت الدولة العبرية الى قاعدة كبرى لحلف شمال الأطلسي. كل هذه القوة الضارية الهجومية تستخدمها إسرائيل لمواجهة الفلسطينيين بكل العنف والوحشية ودأبت على توجيه نيران مدافعها وطائراتها ودباباتها الى صدور المدنيين من رجال ونساء وأطفال وكل هذه الشراسة لم تثن الفلسطينيين الأشاوس، بل أن أطفالهم كانوا يواجهون الدبابات الإسرائيلية وهم لا يحملون سوى الحجارة. ولإسرائيل لوبي قوي يدافع عن مصالح إسرائيل ويعبيء الشعب الأمريكي لمساندتها ويطالب الرؤساء الأمريكيين بتقديم الدعم السياسي والمالي والعسكري لها ويمارس هذا اللوبي ضغوطاً على أعضاء الكونغرس وكل مراكز صناعة القرار وهذا ما جعل الإدارات الأمريكية المتعاقبة تقف بجانب إسرائيل وتؤيدها ظالمة أو مظلومة وهي بالطبع ظالمة على الدوام. وكانت حركات المقاومة سالفة الذكر تجابه جيوشاً أو قوات أمن مسلحة بالأسلحة التقليدية، أما إسرائيل عدو الفلسطينيين فقد أصبحت من أقوى جيوش العالم وتتصدى للشعب الفلسطيني بأعتى الأسلحة مثل صواريخ كروز الموجهة والقنابل الذكية التي تحملها طائرت «اف 61» النفاثة وطائرات الأباتشي المروحية، بل واستخدمت في حروبها في يونيو 7691م قنابل النابالم الحارقة والمحرمة دولياً وتستخدم على نحو دائم القنابل العنقودية ويهاجم جنود إسرائيل البلدات والقرى الفلسطينية وهم داخل دبابات الميركافا أكثر الدبابات والمدرعات قوة في العالم. ومن الأساليب البشعة التي تستخدمها إسرائيل تجريف الأراضي الزراعية واقتلاع أشجار الزيتون المعمرة وتدمير المنازل واستهداف السكان المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ، وأبشع أفعال إسرائيل إقدامها على إصابة الشيخ احمد يس رئىس حركة حماس بصاروخ مزقه أشلاء وهو شيخ مقعد وطاعن في السن. وهذا دليل على إفلاسها وضعفها أمام الصمود الفسلطيني الاسطوري. وتعتقل إسرائيل ما يربو عن العشرة آلاف فلسطيني في سجونها يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب. ودأبت إسرائيل على ممارسة العقاب الجماعي على الفلسطينيين وذلك بتدمير البنى التحتية وحرمانهم من الوقود والماء والكهرباء، وبالرغم من كل فظائع إسرائيل وتقتيلها للعشرات من الفلسطينيين كل صباح وإصابة الآلاف منهم بالإعاقات الدائمة وبالرغم من بطش اليهود الذين لا يعرفون الرحمة، فإن حماس والمقاومة الفلسطينية أعلنتا عن الانتفاضة التي استمرت لسنوات وأقلقت مضاجع العدو، وما انفك الاستشهاديون ينفذون العمليات البطولية داخل أراضي العدو وخلف خطوطه بالرغم من الفارق الهائل بين تسليح الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية - وكلما اشتدت شراسة إسرائيل وتقتيلها لعشرات الفلسطينيين كل يوم تصاعدت عمليات المقاومة وأفلح المجاهدون الفلسطينيون في القيام بعمليات بطولية في العمق الإسرائيلي أذهلت العدو الإسرائيلي الذي يستخدم أحدث أجهزة المراقبة والتنصت لحراسة حدوده ورغم ذلك يوجه لها المقاومون الفلسطينيون ضربات موجعة. ولم يتراجع الشعب الفلسطيني طيلة هذه السنوات ولم تلن قناته بل كثف من عملياته النوعية واستطاع ان يصنع صواريخ القسام التي تسقط داخل الأراضي الإسرائيلية وبدأت تصل حتى مدينة عسقلان وتحدث الرعب بين اليهود، وبخلاف حركات التحرير العالمية فإن الفلسطينيين لا يتلقون أي دعم بالرجال والسلاح، والتف الشعب حول المقاومة، وفازت حماس في الانتخابات الأخيرة وذلك خير دليل على أن الشعب الفلسطيني لا يرى بديلاً للكفاح بالرغم من التضحيات الجسام وفي هذا رسالة داوية لإسرائيل. ولم تذهب دماء الشهداء الفلسطينيين هدراً فقد ارتفعت أصوات داخل مؤسسة الرئاسة الأمريكية ومن كبار مسؤوليها بأن حركة حماس رقم لا يمكن تجاهله ولا يمكن إحلال أي سلام حقيقي في الأراضي المحتلة دون مشاركتها وتجري مساع تقودها الولاياتالمتحدة لإحلال السلام في فلسطين وهذا دليل على اقتناعها بأن كل هذه القوة التي زودت بها إسرائىل لم تمكنها من فرض السلام بالقوة ولابد من التفاوض مع الفلسطينيين، وهذا وحده يمثل نصراً لهذا الشعب الصامد، ولا شك ان إسرائيل ستجنح للسلام بعد ان أدركت أن الفلسطينيين لا يمكن هزيمتهم.