Martin Meredth .. The state of Africa A History of Fifty years of Independence ..Free Press 2006 ربما يسعى الكتاب لتفسير لماذا أصبح الإفريقي مستعدا للبصق على هويته ليصبح مواطناً من الدرجة الثانية في أوربا..؟ حينما دخل علىَّ طالب الدكتوراة الإيطالي ، لفت نظره هذا الكتاب على مكتبي ثم قال وقد تغيرت معالم وجهه مارأيك في هذا الكتاب ؟ - قلت : مع أنه عمل غير متعمق ! وغير متخصص ! إلا أنه يعطي فكرة عن ماجرى ويجري في إفريقيا ، وكأّنه كأوربي يريد أن يتبرأ مما ورد في الكتاب ، أو (ما موافق). لم يشكل ما ورد في الكتاب صدمة ، وحسب تتبعي للشئون الإفريقية فإن في هذا الكتاب وصفاً لما يجري في إفريقيا ، كما أن هذا الكاتب الإنجليزي ، هضم الحالة الإفريقية تماما حيث ظل الكاتب يتابع الأحداث الإفريقية منذ العام 1964م أي أن هذا الكتاب عصارة تجربة تمتد «44» عاما في حقل الدراسات الإفريقية ، ويبدأ الكتاب ببسطه حول الهرولة الأوروبية لاقتسام إفريقيا حيث تم تقسيم ممتلكات ألمانيا بعد الحرب بين بريطانيا وفرنساوبلجيكا واتحاد جنوب إفريقيا - حيث ذهبت تنجانيقا إلى بريطانيا ومناطق جنوب غرب إفريقيا " نامبيا واشباهها " إلى جنوب إفريقيا ورواندا وبروندي إلى بلجيكا وتم تقسيم توجو والكميرون بين بريطانيا وفرنسا بالإضافة إلى مناطق النفوذ المعروفة لبريطانيا وايطاليا وفرنسا في إفريقيا ، حيث نجح أربعمائة إداري بريطاني في حكم نيجيريا، التي كانت تزيد عن العشرين مليون نسمة ، كما حكم «140» إدارياً بريطانياً فقط السودان ، وكان حينها في حدود تسعة ملايين نسمة ، كما حكم إفريقيا الاستوائية الفرنسية التي كانت تدار من برازافيل فقط «206» من الاداريين الفرنسيين " الكنغو برازفيل " وإفريقيا الوسطى والكميرون وتشاد والجابون ، وكأنما الكاتب يشير إلى الترهل الإداري الحادث في الدولة الإفريقية التي تستعين بعشرات الآلاف من الإداريين وبدون كفاءة بينما السودان كان يحكمه بكفاءة «041» إدارياً وبدون وسائل اتصال فعالة كاليوم. وبحلول عام 1910 كان هنالك قرابة ال « 16» ألف مبشر مسيحي أوربي في إفريقيا وفي الحرب الأوربية التي تسمى بالحرب العالمية الثانية تم تجنيد «374» ألف إفريقي في الجيش البريطاني ، ثم تم شحن «80» ألف إفريقي من المستعمرات الفرنسية لمقاتلة المانيا ، علماً بأن معظم افريقيا الفرنسية انحازت إلى معسكر فرنسا الفاشي المنحاز إلى هتلر، ورغم تضحيات الإفارقة إلاَّ أن تشرشل كان يريد اعطاء حق تقرير المصير فقط لشعوب أوربا المهزومة ولكن أصر روزفلت على تعميم الحق على كافة الشعوب . أما عن شخصية أبرز رواد الجامعة الإفريقية ، كوامي نكروما فإن الكاتب يركز أكثر على المكونات السلبية لهذه الشخصية ، كزنجي مستبد ، كان انعزاليا لدرجة ازدواجية الشخصية ، وكان في السجن حينما ترشح لأول إنتخابات نيابية في تاريخ غانا وفي ذات يوم فوز حزبه في هذه الإنتخابات أخرج من السجن بعد أربعة عشر شهرا في الزنزانة ، وكلف بتشكيل الحكومة واصبح المسجون المنبوذ رئيسا للوزراء وعمره «43» سنة حيث هو من مواليد 1910 . وتم تعميده كاثوليكياً منذ طفولته، والمعروف عن نكروما عدم التدخين أو الشراب ولكن يستلطف النساء ورغم ذلك تزوج زوجته المصرية فتحية دون أن يراها في ليلة الزواج كما كانت تجهل لغته فهي قبطية ترطن بالعربية وهو يتحدث فقط بالإنجليزية ولغته الغانية المحلية . وفي أربع سنوات نجح نكروما بالعبور بغانا من ظروف الإنتقال إلى دولة مستقلة وذلك في 6 مارس 1957م ، وفي عام 1958م عقد مؤتمر للأفارقة الذين فيهم سمات الزعامة من قادة النقابات والاتحادات وكان من بينهم باتريس لوممبا من الكنغو وجوليوس نايريري من تنجانيقا وجوشوا انكومو من روديسيا الجنوبية وباندا من مالاوي ، وكاوندا من زامبيا ونوما امبويا من كينيا وغيرهم والغريب أن معظم تلامذة نكروما أصبحوا رؤساء في مرحلة الاستقلال بعد عام 1960م . روج نكروما لمفهوم الإشتراكية الإفريقية ومع أن المفهوم ظل غامضا، إلا أنه ظل يكرر أنها وحدها القادرة على تجاوز هياكل الدولة الاستعمارية وتحقيق الرفاهية للمواطنين ، وربما أغرى بذلك محدودية سكان غانا حينها والدخل المجزى الداخل لخزينتها من بيع الكاكاو وكان سكان العاصمة أكرا فقط «165» ألف نسمة في وقت كانت الخرطوم واديس قد تجاوزتا نصف المليون نسمة . وأطلق على اشتراكية نكروما (النكرومية ) ولكن مع ذلك بنى نكروما قصرا يحتوي على ستين جناحا وقاعة مؤتمرات تسع «2000» شخص ولكنه كذلك خطا خطوات كبيرة في تصنيع غانا ، حيث بنى خزان نهر فولتا لتوليد الكهرباء بالإضافة إلى المصانع والأرصفة والموانيء ولكن كذلك وضع التجارة في يد الدولة وسهل مجرى الفساد ، كما بددت أموال في شراء يخوت وحاجيات لنكروما ذاته ، كما أنشأ نكروما معسكرات لتدريب الثوار الافارقة على حرب العصابات . وفي عام 1964م استعان نكروما بقبيلته الاشانتي وجعل من غانا دولة الحزب الواحد ، واستضاف مؤتمر القمة الافريقي في 1965م وبنى قصر مؤتمرات بتكلفة عشرة ملايين جنيه وهي ربما تعادل ( خمسمائة مليون دولار بمقاييس اليوم ).. وفي 24 فبراير 1966م وبينما كان نكروما في طريقه لهانوي ساعياً للوساطة في الحرب الفيتنامية أطاح به الجيش . وقضى نكروما بقية عمره في غينيا كوناكري مع صديقه سيكتوري كئيبا مبتئساً ظاناً أن رجاله سيقومون بانقلاب عسكري مضاد . وفي اغسطس 1971م طار نكروما إلى بوخارست لاجراء فحوصات طبية ، حيث مات هناك في 27 ابريل 1972م وكانت وصيته إما أن يتم تحنيط جثته على غرار لينين أو أن يتم حرقها وذرها على إفريقيا صحاريها وانهارها وغاباتها.. وفي يوليو 1972م تمت اعادة دفن جثته في غانا التي لحقت بها في العام الماضي زوجته فتحية والتي دفنت معه . ولكن هل تفي هذه الكلمات بحق نكروما الذي وقف مع ثورة الجزائر والثورة الإفريقية وقطع علاقات غانا بفرنسا حينما أقدمت على تفجيرها النووي في صحراء الجزائر ، فستظل وضعية نكروما مثارا للجدل مثل وضعية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في التاريخ المصري . ومن العجيب أن الحوليات الأوربية التي تنتقص من وضعية نكروما وشخصيته تمجد خصم نكروما رئيس ساحل العاج السابق فليكس هوفنيه ، الذي رفض استقلال بلاده واراد أن يكون إلى الأبد في زواج كاثوليكي مع فرنسا وكان يعتقد من الافضل أن يكون مواطناً فرنسياً من الدرجة الثانية على مواطن من الدرجة الاولى في بلده ولكن مع الأسف تبدو قراءته واقعية، يشهد عليها طوفان الهجرات من الافارقة إلى الغرب وبكل الطرق حتى اساتذة الجامعات يفضلون العمل في الغرب كماسحي أحذية على البقاء اساتذة مرفوعي الرأس في بلادهم -وذهبوا حتى إلى اسرائيل. وفي المرة القادمة نواصل .