إذا كانت القصة سواء أكانت قصيرة أو رواية تتكون من أربعة عناصر أساسية هي: ? الشخصيات ? العقدة. ? الموضوع. ً? ثم الحكاية أو السرد.. فإن على كل كاتب أو قارئ ان يطرح مجموعة من الاسئلة حول العناصر الأولى «الشخصيات والعقدة والموضوع» ليرى ما إذا كانت القصة قد أجابت عنها أم لا.. وهذه الاسئلة نفسها هي التي طرحتها من جانبي لمحاولة الإجابة عنها من خلال قراءاتي وتحكيمي للأعمال الروائية المتسابقة على جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي لهذا العام، وهي ربما كانت الاسئلة نفسها التي طرحها زميلاي المحكمان الآخران ولو كان ذلك بعفوية ودون اتفاق مسبق بيننا.. في ادبيات النقد الادبي، فإن الاسئلة المطروحة تتعلق في الغالب، بالشخصيات والعقدة والموضوع، أما السرد أو الحكي، فإنه مثل الملحمة التي نصف كيفية انتساب العناصر الثلاثة الأولى ببعضها البعض، فالسرد يمثل الدعامة الرابعة لبناء القصة ويربط بين الشخصيات والعقدة والموضوع، فهو يعتمد على كيفية حكاية هذه الرواية أو تلك، ويعتمد ذلك -أيضاً- على مهارة الكاتب، وموهبته ومصادر إلهامه التي تمثل الإتقان الأسطوري للحكاية وطرافتها وإبهارها وجمالها وسحرها، لكن المشكلة ان كثيراً من الروائيين ينزلقون إلى سرد طويل ممل يهدم بنية الرواية من أساسها.. وكل مؤلف لعمل قصصي- ومنهم أنا بالطبع- يجب ان يجيب عن «21» سؤالا تدور حول قصته، وهذه الاسئلة موزعة بحسب نظرية «دراماتيكا القصص» والقائمة على مفهوم «الذهنية القصصية»، على: 1 «4» اسئلة تتعلق بالشخصيات. 2- «4» اسئلة تدور حول عقدة الرواية. 3- «4» اسئلة تدور حول موضوع الرواية. «1» اسئلة الشخصيات، ويقصد هنا الشخصية الرئيسية: 1- شخصية مرنة متغيرة أم متعصبة متشددة؟ 2- نامية أم جامدة؟ «العالم من حولها جامد/ ينمو الزين/ السمرتوية/ الشيخ موسى / أبو عبل».. 3- فاعلة أم مستسلمة؟ «صديق سيد أحمد». 4- اسئلة متعلقة بالذهنية الجنسية: رجل أم امرأة. أم أن لا هذا ولا ذاك؟ «السمرتوية/ النورابي/ عصام».. 2» اسئلة حول عقدة الرواية: 1- ما المحرك الأساسي للقصة: الفعل أم القرار؟ 2- حدود القصة: زمانها، مغلق أم مفتوح؟ 3- حصيلة الرواية: نجاح أم فشل؟ «تقويم الكاتب نفسه/ القارئ/ الناقد».. 4- الحكم على القصة جيدة أم سيئة؟ «الكاتب نفسه والقارئ والناقد».. 3» اسئلة حول موضوع الرواية: 1- حقل الرواية: الكون أم الطبيعة أم العقل أم النفس؟ 2- الاهتمام: يتوقف على حقل الرواية أو مسرحها؟ 3-مدى الرواية: يتعلق بمدى الاهتمام؟ 4- مشكلة الرواية: يتوقف على حقل الرواية ومدى الاهتمام؟ إن الإجابة عن هذه الاسئلة تمثل بنية القصة، أو هيكلة القصة، ولكن هناك سؤالاً رئيسياً يتعلق بالبنية لا بد من طرحه، فهل يبدأ الكاتب بإقامة الهيكل، أم أن عليه ان يترك هيكلية القصة لتنمو من خلال تطور العمل نفسه ونموه التدريجي؟ بمعنى آخر هل يخطط لكتابة القصة مسبقاً أم يتركها للتلقائية والعفوية، ليكتمل شكلها النهائي من داخلها؟ هل يركب أجزاءها أم ينسجها؟ هل يزرع شجرة أم يبني عمارة؟ كثير من الكتاب تستعبدهم الهياكل التي يقيمونها بصورة مسبقة، وتصطادهم شباكهم فلا يعرفون كيفية الخلاص منها إلا بعمل دراماتيكي غير مقنع بالانتحار المفاجئ أو موت الشخصية.. فالبنية مهمة، ولكن التركيز عليها قد ينسف القصة من أساسها، لأن القصة ستصبح متكلفة وميتة ولا إلهام فيها وآلية رتيبة، لأن الكاتب يقيم هيكلاً بمواد يلتقطها من هنا وهناك ببهرجة لا حياة فيها، وسواء بالنسبة للنصوص الروائية او النقدية، فإن كثيراً من الكتاب في السودان يعتمدون على المبالغة والتهويل والأساليب الإنشائية البراقة، والكاتب الجيد عليه ان يبدأ بالموضوع الذي شغف به أو أحبه، ومن الموضوع تنبثق بنية القصة كالشجرة تنمو وتنمو ثم تثمر، وليس العكس. ومن خلال معالجة الموضوع تنساب الأحداث قبل ان تصبح عقداً، وتتطور القصة قبل ان تصبح مجرد حكاية سردية، ولذلك فإن على الكاتب ان يحدد بصورة جيدة الأوقات الملهمة له لمزاولة الكتابة، فكثيراً ما يستشف من قراءة بعض الروايات ان الوقت لم يكن ملك الكاتب أو ملائما له، ومن ذلك استعجال الكتاب لبعض تجاربهم وهم لم يمتلكوا ناصية اللغة بعد.. وهنا لا بد من ان نفرق بين الموهبة والملكة وارادة الكتابة، فما كل موهوب لديه ارادة للكتابة، والموهبة تصقلها التجارب والملكة مكتسبة.. زمان الكتابة أو اوقاتها: لا أدري ما إذا كان هناك وقت واحد من ساعات اليوم يفضله الروائيون على غيره من الأوقات في السودان، وفصول السنة تكاد تكون غير ملائمة.. فهناك كتاب يفضلون الكتابة صباحاً، وآخرون وقت الظهيرة أو المساء، كما يفضلآخرون هدأة الليل وسكونه، وآخرون الرعد والبرق وعواصفه، كما تفصيلاتهم قد تعتمد أيضاً على فصول السنة، بالإضافة إلى حالة الكاتب..فقد يفضل حالات الارهاق والاعياء الجسدي أو الكآبة النفسية والإحباط.. وبعضهم يكتب وهو شبه نائم أو مستيقظ من حلم لتوه «سنوات الرعب العجاف» أو داخل غرفته.. وآخرون قد يفضلون الكتابة على طاولات فوقها كتب مبعثرة وكيفما اتفق، وآخرون قد يكتبون في كامل هندامهم وعطرهم.. وآخرون يكتبون أو يستلهمون الكتابة وهم سائرون في مسارب المدن ومتاهاتها وسراديبها وأركانها ، أو على شواطئ الانهار وسواحل البحار أو هائمون على وجوههم في البراري أو الصحارى أو الغابات، أو هم على سفر. وآخرون يوثرون ضوضاء المدن والبعض يعشق هدوء الريف.. وهناك من يستمع إلى موسيقى وهو يكتب في أوضاع بالغة الخصوصية.. وبعضهم إذا فاجأه مخاض الكتابة أثار ضجة «سيكولوجية الدجاجة».. وبعضهم يتخفى ويبدع في صمت «سيكولوجية القطة» .. وإذا كانت بنية القصة قد تستفيد أو أجواء الكتابة نفسها، فإن العبارات أو الجمل او المشاهد قد تستبعد أو تستبد ببعض الكتاب. فيعلق ذهنه بكلمات أو عبارات، قد يستخدمها استخدامات خاطئة في كثير من المواقع وكأن هذه الكلمات أو الخطأ في مواضع أو عمل حروف الإعراب متلازمات او سمات شخصية يصعب عليه الخلاص منها.. ولكي لا يقع الكاتب أسيراً لبناء القصة أو عباراتها أو كلماتها أو مشاهدها المتكررة فإن عليه ان يساير القصة تدريجياً وفقاً لمراحل محددة «منظور النبتة» تتمثل في: 1- تطور القصة: ويقصد به الإلفة التي تتكون بين الكاتب نفسه والحكاية والشخصية، وعلى الكاتب ان يحاول ابتكار الاشياء التي ستحدث، وتأسيس عالم الشخصيات وبيئتهم من خلال رؤية ثاقبة بعيدة تجمع وتوحد بين الموضوع والشخوص والعقدة والسرد، وهذا هو الأسلوب المميز لكل كاتب يعرف به منذ الوهلة الأولى «كإبراهيم إسحاق أو الطيب صالح».. «في اثناء جمعي لمواد قصصية لتحضير لرسالة الماجستير اعطاني كاتب قصة منشورة باسمه ولكن من قراءاتي لها تبين لي أنها لا تشبه اسلوبه وانما اسلوب ابن عمه، وبالفعل تحققت في ما بعد انها لابن عمه! 2- استعراض القصة وفحصها ومراجعتها من خلال الاستعراض الوجداني لما تم تناوله او سيتم تناوله في ما بعد، فإن الكاتب يستطيع ان يطلق لخياله الجامح المبدع العنان فتنساب عواطفه الجياشة وعشقه وولهه وولعه بالموضوع في مشاهد مثيرة تخلب الألباب بدلاً من التكرار والرتابة الآلية المصطنعة.. ففي كل قصة من القصص لا بد من الإثارة والتطريب ولكن المشكلة في كيفية توظيف هذه الإثارة.. 3- السرد القصصي الإثارة في القصة لا تعني بحال من الأحوال المبالغة في السرد والتشدق بالعبارات الرنانة او الإبهار الزائف، لكن انسيابية السرد تتطلب من الكاتب عدم الخوف وعدم ارتهان نفسه لنمط واحد من السرد او الانزلاق إلى تنوع في السرد لا معنى له ولا غاية منه سوى استعراض ملكات الكاتب او ثقافته وحسن اطلاعه بصورة مقصودة ومفتعلة، وبإيقاعات غير متناغمة او منسجمة سواء في الحوار او السرد كأن ينطلق وراء سرد حكايات وحوارات لا تخدم موضوع القصة فيعلق بموضوعات لا يعرف كيفية الخلاص منها، إلا خلاصاً مفتعلاً ودون تمهيد أو مقدمات.. 4- الإلهام لكي لا يقع الكاتب ضحية لاعتصار القصة والتكلف، فإن عليه ان يستلهم المواقف، وان يميز بين الموضوعات الموحية والموضوعات المميتة القاتلة: سواء للشخصيات او الأحداث او العقدة او الاسلوب او النص بكامله، وموت البطل خرافة رسخها البنيويون ونقاد ما بعد الحداثة بلا علم بما هو آت، والرواية العلمية تكتب الآن بطريقة إجراء البحوث، وقد يشترك في كتابتها أكثر من فرد كل بحسب اختصاصه، ولكن ينتهي دورهم بمجرد حصولهم على أجورهم، ومثل هذا النوع من الكتابة لا اعتبره ابداعاً مهما صادف من الرواج. دراسات الرواية ( مركز عبد الكريم ميرغني