اتصل بي أحد ساكني منطقة الشجرة جنوبي الخرطوم ، شاكياُ من روائح كريهة تنبعث مصدرها من راكوبة تقع وسط ميدان وحول مبانٍ وعمارات في طور التشييد ، تقبع شرق آخر محطة تفتيش الشجرة ، وبدوري قمت بزيارة لهذا الموقع . وبعد عناء ومشقة توصلت الى الموقع المذكور ، حيث رأيت العديد من أصحاب بكاسي توزيع اللبن تحيط بهذه ( الراكوبة ) أو بهذا المصنع العشوائي ، ومنذ أن دخلت إلى داخل الراكوبة والتي لا تستطيع أن تقف على طولك من قصرها ، وأشعة الشمس تتخللها من أرجاء سقفها الذي لا يقي من بداخلها حرارتها ناهيك عن الأمطار والغبار وغيرها ... ، لم أصدق نفسي وأن بداخل هذه (الراكوبة) والتي تستخدم كمصنع لصناعة الأجبان المضفرة ، والأدهي والأمر أنها توزع منتجاتها على البقالات على مستوى ولاية الخرطوم كافة ، هذه (الراكوبة) التي تستخدم كمصنع ، لا تتجاوز مساحتها (3*3) متر ، وتتكون من عدد من الحصير ، وأقمشة بالية موضوعة على سقفها ، وحولها مجموعة من الأشجار التي لا فائدة منها ، أما بداخل الراكوبة فلا تكاد تصدق بأنها تصلح كمكان لتعيش فيه الكلاب والقطط ، بل حتى هذه الكلاب والقطط لن تستطيع أن تمكث فيه دقائق معدودة ، من بشاعة وكآبة المنظر ، فالأرض لا ترى فيها غير السواد ، والأواني لا تميز لونها من الأرض ، والأواني المستخدمة لصناعة الجبنة عبارة عن عدد من البراميل الحديدية التي تستخدم لنقل الزيوت ، ومنظرها لا يوصف من شدة اتساخها وتغيير لونها ، كما يوجد أكثر من عشرة براميل بلاستيك كبيرة الحجم مليئة باللبن الذي يستخدم لصناعة الجبنة ، أما في طرف الراكوبة فيوجد عود شجرة ضخم يستخدمه صاحب المصنع لتحريك اللبن في عملية صناعة الجبنة ، أما مصدر النار الذي يتم تسخين اللبن به فهي عبارة عن (حفر) عميقة ممتلئة بأعقاب الأشجار ، وينبعث منها دخان كثيف يغطي الإناء . أما صاحب هذا المصنع ، والذي قال مواطنون بأنه جاء هو وأسرته ليقيم في هذه العمارة التي لم يكتمل بناؤها ، حتى يحرسها لصاحبها ، ولكنهم تفاجأوا بصنيعه هذا ، فقال بأنهم يوزعون هذه الجبنة منذ زمن طويل ، وفي بادئ الأمر كانوا يستوردونها من منطقة الدويم ويقوموا بتوزيعها على أصحاب البقالات ، ولكنه قال لي : منذ عدة شهور أصبحنا نصنعها هنا ، ونوزعها على زبائننا بمختلف محليات ولاية الخرطوم ، وما لبث أن أعطاني قطعة من هذه الجبنة لأتذوقها ، فلم أستطع أن أكملها ، ثم سألته عن الأسعار التي يوزعون بها للبقالات ، وهل لديكم خدمة التوصيل أم لا ؟ فقال : سعر الكيلو (32) جنيها فقط ، ولدينا خدمة لتوصيله إلى مكانك . صفحة (حضرة المسئول) لم تصدق ما رأته ، بالرغم من وجود هذه الراكوبة وسط الحي ، وبالقرب من الشارع الرئيسي لمنطقة الشجرة ، وتقع وسط العديد من المنازل والمدارس والمرافق ، حيث قامت السلطات المختصة بضبط العديد من المصانع العشوائية ، ولكن هذا المصنع مازال يعمل وله أكثر من عام ولم يلتفت إليه أحد ، وهذا المصنع لا يصنع كراتين أو أحذية بلدية أو ... ، وإنما يصنع مادة غذائية غاية في الخطورة وسريعة التلف والتخمير والمسئولة عن العديد من أمراض التسمم ، وذلك لاحتياجها لظروف وبيئة ودرجة حرارة محددة لحفظها وجعلها صالحة للاستخدام الآدمي . صفحة (حضرة المسئول) تتساءل للعديد من الجهات المسئولة عن هذا المصنع الذي يتكون من (راكوبة صغيرة)، فأين إدارة الأمن الاقتصادي ؟ وأين هيئة المواصفات والمقاييس ؟ وأين إدارة الصحة والبيئة بمحلية الشجرة ؟ وأين الكرت الصحي ؟ وأين وأين ؟؟؟ ... . ثم كيف تقبل هذه البقالات شراء مادة غذائية من جهة لا تمتلك أي مستندات رسمية ، ولا حتى كرت صحي ؟. (حضرة المسئول) تناشد الجهات المعنية بضبط مثل هذه المصانع العشوائية ، وللعلم هذا المصنع ليس الوحيد أو الأخير ، وأملنا فيكم أكبر بعد الله عز وجل في القضاء على مثل هذه الظواهر السالبة التي تهدد صحة المواطن .