رغم أن الحديث الصحيح الجامع المانع قد بيّن بما لا يدع مجالاً للشك ومنذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان أن كل واحد منا راع ومسؤول عما أوكل إليه من مسؤولية وأمانة سواء في الولد او المال أو مصالح الآخرين، ولكنها الدنيا التي أنست الناس إلاّ مَن رحم ربي، هذا ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيتها.. ثم ذكر الولاة، ثم قال: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). وفي ذلك يُحكى أنه لما تولّى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الخلافة، فأتى لينام الليل فذهب النوم، فقالت له فاطمة بنت عبد الملك: يا أمير المؤمنين ألا تنام؟ قال: كيف أنام وقد ولاّني الله أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فولاّني أمر الضعيف، وأمر المسكين، وأمر الشيخ المسكين، والهرم والعجوز والفقير، فبكت معه. وهنا أتوجّه في هذا المقام إلى كلّ مَن ولاه الناس مصالحهم سواء كان مديراً أو رئيساً أو حتى وزيراً وقصّر في عمله. وتباطأ عن خدمة الناس بجهد وعدل وأمانة كما يجب، كما وأني أذكّره أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أيضاً: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت غاشاً لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة) هذا حديث متّفق على صحته أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما. أي: ما أعطاها حقها، اذا ما أنصف مظلومها، وما ردّ ظالمها، وما قضى حوائج أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. إنه حديث عظيم للعموم، ما من عبد قلّت همته أو كبرت إلاّ ويسأله الواحد القهار الواحد الأحد يوم العرض الأكبر.. ((وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ). وهنا أقتبس حكاية أخرى تُروى في كتب السيرة انه لما حضرت الوفاة عبد الملك بن مروان الخليفة، فلما أصبح في سكرات الموت، ذهبت البنود والجنود والرايات والشارات والعلامات والذهب والفضة والدور والقصور.. فقال: لا إله إلا الله، يا ليتني ما عرفت الخلافة.. يا ليتني ما تولّيت المُلك... يا ليتني كنت غسَّالاً. قال سعيد بن المسيب يعلّق على هذه القصة التي ذكرها الذهبي: الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا في سكرات الموت ولا نفر إليهم. صحّ عنه صلى الله عليه وسلم عند مسلم في الصحيح أنه قال: (اللهم مَن وليَ من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقُق عليه.. ومن وليَ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به) وكما قال العلماء هذا حديث عظيم. ومعنى ذلك: يا رب من شقَّ على أمتي، فحبس صاحب الحاجة، وأخّر صاحب الطلب، وأغلظ في الخطاب، وأضنى المسلمين، وأتعب المسلمين، فأتعبه يا رب يوم العرض الأكبر، يوم لا حاكم إلاّ أنت، ولا مُنصف إلاّ أنت، ولا حُكم إلاّ لك.. ويا رب من تولّى أمراً صغيراً أو كبيراً، فرفق بالأمة، ورحم ضعيفها، وقضى حوائجهم، وحنّ عليهم، وتلطّف معهم، وصبر على أذاهم، فارفق به يوم العرض الأكبر، يوم تتطاير الصحف، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم. قال صلى الله عليه وسلم: (إن شرّ الرّعاء الحُطمه)، والرعاء: جمع راع، وهو من ولاه الله مسؤولية على المسلمين ولو في مكتب ولو على اثنين، ولو على دائرة، ولو على مصلحة صغيرة. والحُطمة: استُخدم أصلاً في اللغة لقائد الإبل أو راعي الإبل إذا حطم الإبل ولم يحسن سياستها ورعايتها، فحطم بعضها ببعض وأهلكها، فهذا من شر الرّعاء. وأخيراً لعل مقالي اليوم رسالة واضحة إلى كلّ من تحصّن وراء كرسيه ونسي أنه من المفروض أن يكون خادم الناس ليرعى مصالحهم ونسي أن الله هو الرقيب وهو الحسيب ونسي أيضاً أنه لا عز ولا مال دائم ولا جاه دائم فقط يبقى وجه الله ذو الجلال والإكرام فإنه نعم المولى ونعم النصير اللهم هل بلغت اللهم فاشهد وسلامتكم. كسرة: هذا المقال أعلاه للكاتبة القطرية (أمينة العمادي) وقد أعجبني ووددت أن تشاركوني قراءته كسرة ثابتة: أخبار ملف خط هيثرو العند النائب العام شنو(ووو وو ووو)؟