حزب المؤتمر السودانى الذى خرج من رحم الحركة الطلابية الجامعية ما زال البعض ينظر إليه بأنه حزب (طلابى) لم يخرج من قمقمه (ذاك) ، بمعنى أنه لم يستطع أن يطور فكره ومنهجه من الشكل الطلابى إلى حزب سياسى منظم، ويصفه آخرون بأنه يفتقد للأيدلوجية والفكر والشكل التنظيمى المتماسك ، لم يستطع أن يحقق أهدافه التى طرحها منذ نشأته المتمثلة فى مناصرة المساكين وبسط الديمقراطية والحرية ، البعض يصفه أيضاً بأنه حزب الرجل الواحد الذى يسيطر عليه رئيسه بفكره وماله .. رئيسه وهو رجل الأعمال إبراهيم الشيخ تحاصره الآن بعض الاتهامات من داخل الحزب وخارجه بأنه أقرب للمؤتمر الوطني كونه لديه مصالح مشتركة مع الحزب الحاكم. فهو الشريك الرئيس فى أسواق أم درمانالجديدة مع جامعة القرآن الكريم المحسوبة على الوطني ، بجانب أنه من كبار الرأسمالية فى البلاد فهو ثاني أكبر مورد للأسمنت والسيخ بالسودان.. واجهنا السيد إبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني بهذه الاتهامات عبر هذا الحوار، وكيف يوازن بين المال والسياسة, وهل هو قادر أن يفصل بين محاربة الحكومة سياسياً ومصالحتها اقتصادياً ؟ * من أين جاءت فكرة إنشاء المؤتمر السوداني؟ حزب المؤتمر السوداني هو وليد شرعي لحركة مؤتمر الطلاب المستقلين التى نشأت بالجامعات والمعاهد العليا فى أعقاب المصالحة الوطنية التى جرت بين الأحزاب التقليدية وحركة الإخوان المسلمين فى عهد حكم جعفر نميري ، حيث أن عدداً مقدراً من الطلاب المستقلين رأوا فى المصالحة أنها تجاوزت كل الشعارات المطروحة آنذاك واصبحت تسوية بين مجموعات سياسية على حساب قضية الوطن .على اثر هذه المصالحة ولدت حركة الطلاب واستمرت بنهجها وشعاراتها ورسخت أقدامها وسط الطلاب ووجدت تجاوبا كبيرا منهم, لأنها اهتمت بقضاياهم ثم ارتقت اهتماماتها إلى قضايا الحرية والديمقراطية والدعوة إلى وقف نزيف الحرب والاهتمام بقضية الهامش. فهى أول من أثار هذه القضية ونبهت إلى سيطرة المركز على السلطة والثروة، بينما الهامش يعاني الفقر وضعف التنمية ودعت إلى ضرورة الاهتمام بالتنمية المتوازنة بين المركز والهامش ..الحركة الطلابية استمرت فى نضالها حتى تفجرت الانتفاضة ضد حكم نميري وكان لها دور كبير فى نجاحها عبر رموزها الطلابية بالجامعات و.. مقاطعة.. وأين موقع المؤتمر السوداني من ذاك؟* نعم ..بعد ان ترسخت أهداف الحركة الطلابية وكان لها موقعها المميز والمقدر من الطلاب رأت مجموعة من الأطباء والمهندسين وخريجي الكليات الأخرى أن يكوّنوا حزباً باسم المؤتمر الوطني واستمر هكذا حتى انقلاب الانقاذ فى العام 1989 التى كونت حزبها بذات الاسم ما جعلنا ندعو إلى مؤتمر عام قرر تسمية الحزب باسم المؤتمر السوداني . *منذ ذاك الوقت تم انشاء الحزب ولكن فيما يبدو أن نشاطه السياسي خامل؟ أبدا..على العكس هو انشط أحزاب القوى الحديثة بل نشاطه يمكن أن يوازى الاحزاب التقليدية، ولكن الازمة الحقيقية التى نواجهها أن الاعلام دائما يلاحق الاحزاب التقليدية ويولي اهتماما كبيراً لانشطتها، بينما لا يتعاطى مع انشطة الاحزاب الحديثة ،فحزب المؤتمر السوداني هو حزب فاعل وناشط على كل المستويات, ونشاطه يأتى من انه وسط الطلاب وكل كوادره شبابية. فأكبر كوادره رئيسه الذى لا يتجاوز ال(55)عاما لذا فانه فاعل وناشط و.. ولكن نشاطكم السياسي لم يخرج من الإطار الطلابي ؟* هذا غير صحيح بدليل أن رؤيتنا واضحة حول المعالجات الاقتصادية الاخيرة. وشاركنا فى الاحتجاجات التى عبر عنها طلاب الجامعات وبعض المواطنين بل أن الاعتقالات طالت عضويتنا وجرت محاكمات بمحاكم ام درمان والحاج يوسف والقسم الشمالى فهذا يؤكد أننا كيان فاعل ونشط وقادر على تحمل المسئولية الوطنية ..ولكن نشاطنا ربما لا يظهر بالإعلام بسبب التعتيم الإعلامي الذى يضربه النظام الحاكم الذى يرى من مصلحته أن لا يبرز نشاط الحزب كقوى سياسية شبابية مؤثرة فى ظل وجود احزاب سياسية متراجعة ومتكلسة، فقد تم اجراء حوارات صحفية عديدة مع شخصي ولكنها لم تجد طريقها للنشر وربما هذا الحوار يواجه ذات المصير . * احتجاجاتكم الطلابية هذه تؤكد أنكم ما زلتم داخل قمقمكم الطلابي ؟ هذه اتهامات يحاول البعض الصاقها بالمؤتمر السوداني للتقليل من نشاط المجموعات المتحمسة والثورية التى يصفونها دائما بأنها حركات طلابية ، ولكن هذا الحزب منذ أن كان حركة تمارس نشاطها داخل أسوار الجامعات كان حركة ناضجة ولديه وعى كبير بأمهات قضايا السودان, وعندما كونت مؤتمرها ظلت ملتزمة ومهتمة بالقضايا التى يعاني منها الوطن كالحرب والسلم والعدالة والمساواة وقضايا تنمية الهامش, وفى ذلك قدم الحزب رؤى وروشتة واضحة للخروج من الأزمة. وعندما خضنا الانتخابات الأخيرة فى شمال كردفان وجد خطابنا صدى كبيراً فى نفوس المواطنين ،والآن يشهد حزبنا تمددا كبيرا فى كل الولايات وبالتالى الحديث عن انه حزب لا يزال حركة طلابية غير دقيق، ولكن نحن لا نتبرأ منها ولا ننكر فضلها ولا نزعم كما الآخرين أنها حركة قاصرة بل هى حركة قوية وملتزمة بما اعلنته, وانحيازها لنبض الشارع . لمن قدمتم روشتة قضايا الوطن للحكومة أم للمعارضة؟* نحن طبعا جزء من قوى الاجماع الوطني ولدينا مساهمات مقدرة فى مقترح البديل الديمقراطي والاعلان الدستوري وفى وثائقنا ايضا الطريق للخروج من الأزمة واضح ، فروشتتنا قدمناها ضمن هذه المساهمات لقوى الإجماع و.. *مقاطعة..تحالفكم مع القوى التقليدية والطائفية ألا يعتبر تناقضاً مع أفكار الأحزاب الحديثة, وقد ذكرت أن حزبكم جاء مناهضاً للمصالحة الوطنية بين الأحزاب التقليدية والإخوان المسلمين؟ قوى الإجماع هو اتفاق عريض بين الأحزاب السياسية المتباينة فى خطها السياسي, ولكنها متفقة على برنامج حد أدنى لمقاومة النظام الحالي وبرنامج البديل الديمقراطي هو الميثاق الذى يجمع كل هذه القوى ، وهذا هو المنهج المتبع فى كل العالم أن تستطيع الأحزاب المعارضة للنظام أن تلتقي على برنامج حد أدنى للعبور إلى نظام آخر عبر فترة انتقالية تنتهى بانتخابات حرة ونزيهة. وهذا ما نعمل له مع أحزاب قوى الإجماع. أنت تعمل ضد النظام ومتهم بأنك جزء من المؤتمر الوطني؟* من أين اتى هؤلاء بهذا الإتهام .. هذا إتهام باطل ..لا يوجد دليل على ذلك. الدليل مساهمتك (الكبرى) فى أسواق أم درمان الكبرى ؟* مساهمتى فى أسواق أم درمان الكبرى ليست لها علاقة لا من قريب أو من بعيد بالمؤتمر الوطنى. ومعلوم للكافة أننى رجل أعمال منذ( 23) عاماً ، وأسواق أم درمان الكبرى واحدة من أنشطتى التجارية التى لا علاقة لها بالحكومة. وهذا ادعاء لا يسنده أى منطق أو شواهد ، هذا السوق ليست له علاقة بالحكومة فهو يتبع للقطاع الخاص.. هذا إتهام فى غير مكانه. يتردد أن هذه الأسواق ترعاها جهة حكومية؟* الراهن السياسي يكشف إن كانت لى علاقة بالمؤتمر الوطنى أم لا؟ فالوطني نفسه سعى إلى محاربتي ، إبان الاحتجاجات الاخيرة تم القبض عليّ بدعوى أننى لم اسدد الضرائب منذ العام 2008 وحتى 2010 والحقيقة أننى سددت ضرائب كل هذه السنوات. وكان الهدف فقط محاربتى ظناً من الوطنى أن تجفيف مواردي سيقعد بحزب المؤتمر السوداني . إذن أنت ممول لحزب المؤتمر السودانى؟* هكذا تبدو قناعة الحزب الحاكم، وهذا غير صحيح. ومن أين يمول الحزب برنامجه إذن؟* تمويل الحزب ليس قاصراً على شخص واحد بل يشارك فيه كل عضويته المنتشرة فى الخليج وأوروبا و أمريكا والعديد من المهتمين بالداخل الذين يمدونه بالمال وإبراهيم الشيخ واحد من هؤلاء . *إن كنت من الداعمين للحزب مالياً هل يمكن أن تكون المفكر له أيضاً ، بمعنى، هل يمكن أن نصفه بأنه حزب الرجل الواحد؟ لا أحد يستطيع أن يقول إنه حزب الرجل الواحد لأنه حزب مؤسسي ينهض على هيكل قيادي من القاعدة مروراً بالمجلس المركزي وانتهاء بالقيادة التنفيذية التى تدير العمل اليومي للحزب. فهو الحزب الوحيد الذى فيه يتم تداول السلطة وتولي القيادات لأجل محدد، وهو قادر أن يفرّخ قيادته من وسطه ،وتناوب على أمانته العامة وموقع الرئيس العديد من القيادات وكان أول رئيس مولانا عبد المجيد إمام، ثم تلاه عبد الرحمن يوسف محمد خير، ثم عبد الكبير آدم عبد الكبير، ثم شخصي ، فترة الرئاسة خمس سنوات لا يزيد الرئيس عن دورتين. *كثير من الأحزاب الحديثة ترى أنها تنتهج برنامجاً مميزاً، فيم تختلفون عنها؟ فى تقديرنا أنه حزب مختلف فى منهجه. فهو حزب حركة وسط عريضة وحركة مفتوحة همها الاساسى قضايا الوطن ومعني بقضية الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان السودانى ونتعامل مع هذه القضايا بذهن مفتوح لا تحدنا اية جهويات او ايدولوجيات او قبيلة بينما كثير من العوائق تحاصر العديد من الاحزاب ، وبالتالى نجد تباينا بيننا والاحزاب الاخرى بما فيها الطائفية والتقليدية والعقائدية. فنحن حزب سودانى اصيل حر وديمقراطى . *فى ظل التكتلات الآن بين الأحزاب، هل بإمكان حزب المؤتمر السوداني أن يندمج مع حزب آخر؟ فى اعتقادى انه رغم اللافتات الكثيرة والكناتين السياسية العديدة لكن لديّ إيمان راسخ أن هناك العديد من الاحزاب اذا استطاعت تجاوز احلام قياداتها تستطيع أن تصنع حزبا واحدا كبيرا له تأثيره على الساحة السياسية ، فمن خلال وجودنا مع تحالف قوى الاجماع نلحظ أن احزاباً كثيرة تتقارب معنا فى نهجنا ورؤانا ، ووحدة هذه الاحزاب مطروحة الآن بإلحاح لاجل تجاوز العديد من الازمات فى الساحة السياسية. مع أي حزب يمكن أن يندمج المؤتمر السوداني؟* حزبنا يمكن أن يندمج مع التحالف السوداني أو مع مجموعة حزب العدالة وتوجد قواسم مشتركة بيننا وحزب حق وأيضا مع مجموعة الاحزاب المنشقة من الحزب الاتحادي . ولكن هذه الأحزاب تبدو مختلفة معكم فى منهجها؟* لا يوجد اختلاف جوهرى بيننا وهذه الاحزاب ، رؤانا متقاربة وتجمعنا قواسم مشتركة كثيرة. *إبراهيم الشيخ رجل الأعمال المعروف كيف يمكنه أن يوفق بين عمله السياسي فى الحزب، وبين عمله الخاص فى السوق؟ هذا هو الذى يميز حزب المؤتمر السوداني عن غيره. فرغم أننا لسنا محترفين العمل السياسي، ورغم مشاغلنا الكبيرة وادارتنا لأعمالنا الخاصة لكن هم الوطن لا يبارحنا. فاستطعنا ان نمارس العمل السياسي لان الوطن يستحق منا أكثر من ذلك لأجل أن يبقى هذا الوطن حراً ديمقراطياً ..إبراهيم الشيخ ليس وحده يحمل هذا الهم، فكل أعضاء الحزب هكذا.