تفيد متابعات (الرأي العام) ان الموازنة الجديدة للعام 2013 دخلت مرحلة متقدمة من الاعداد وينتظر رفعها الى مجلس الوزراء بنهاية نوفمبر الجاري لاجازتها في محاولة لتجاوز الوضع الاقتصادي الراهن واعادة التوازن للاقتصاد، بينما يرى خبراء الاقتصاد ان الوضع الراهن ما زال في دائرة الازمة الاقتصادية رغم تطبيق سياسة التقشف الاقتصادي ، كما يرى بعض السياسيين والقيادات في حزب المؤتمر الوطني ان الحديث عن التقشف مجرد ( دغدغة سياسية)، ولكن في واقع الحال ليس هنالك تقشف بل توسعت هياكل الدولة على مستوى المركز والولايات. ويؤكد خبراء اقتصاديون ان الوضع الاقتصادي الراهن مازال في دائرة الازمة ولم يتجاوز صدمة خروج نفط الجنوب من الموازنة وفقدان عائدات رسوم عبور نفط الجنوب التي تشكل نسبة (27%) من ميزانية العام الحالي اي ما يعادل ال(7) مليارات جنيه سوداني، اضطرت الحكومية لادخال تعديلات في الموازنة في محاولة لامتصاص تأثيرات الازمة او الصدمة، كما انه لم يحدث تقشف اقتصادي او خفض في الانفاق الحكومي او تقليص لهياكل الدولة بل توسعت هذه الهياكل وتفاقمت معدلات التضخم واصبح الاقتصاد يتجه نحو ركود تضخمي ، وشلل بالأسواق وتراجع في القوة الشرائية نتيجة للغلاء وارتفاع الاسعار. ويؤكد د.عادل عبد العزيز الخبير الاقتصادي المعروف ان السياسات التقشفية التي طبقتها الدولة لم تصل لمداها بسبب عوامل متعددة، وظروف سياسية اقتضت عدم التعمق في اجراءات التقشف، مؤكداً ان استمرار سياسات التقشف ضروري جداً خلال الفترة القادمة حتى نتمكن من البناء على اسس جيدة فيما يلي الموازنة العامة للدولة. واضاف د.عادل في حديثه ل(الرأي العام) : مقابل التقشف الحكومي ينبغي ان نركز في السياسات المالية والنقدية على الانفتاح على الاستثمار وتشجيع القطاع الخاص على ارتياد آفاق جديدة للاستثمار وتمكينه بقوانين وسياسات مرنة للغاية تكفل جذب الاستثمار الخارجي وتشجع الاستثمار المحلي. وانتقد د.عادل منشور اعداد الموازنة العامة للدولة للعام 2013 الصادر من وزارة المالية والاقتصاد الوطني لابتعاده عن قراءة الواقع الاقتصادي بالبلاد والتوقعات المحتملة للاقتصاد السوداني خلال الفترة القادمة ، مبيناً في هذا الصدد انه لا يمكن ان تتجاوز الموازنة الجديدة للعام 2013 توقعات حصول السودان على موارد جديدة من رسوم عبور نفط الجنوب عبر الاراضي السودانية بعد الاتفاق الدولي الذي تم توقيعه باديس ابابا للتعاون بين السودان ودولة جنوب السودان، مؤكداً انه كان ينبغي ان تشمل الموازنة الجديدة النظرة العملية لكيفية استغلال عائدات رسوم عبور نفط الجنوب بالقطاعات التنموية الحقيقية حتى لا تأتي المفاجأة هذه المرة بدخول موارد جديدة لم نخطط لاستغلالها الاستغلال الامثل وتابع : ( قد يقول قائل ان موازنة العام 2012 بنيت على موارد نفط الجنوب ولم يتم الحصول عليها ، واضطرت الحكومة لتعديل الميزانية عندما لم تحقق هذه الموارد، واقول ان هذا صحيح ولكن معلوم ان الموازنة هي خطة مستقبلية وان الموارد المتوقعة ما دام اصبحت مكانا لاتفاقيات دولية لابد من وضعها ضمن التوقعات مع احاطتها بالقيود التي تكفل حسن الاستغلال والضمانات للعمل حال لم تحقق هذه الموارد). وعضد د. عثمان البدري الاستاذ بمركز الدراسات الانمائية جامعة الخرطوم القول بان التقشف الاقتصادي لم يحدث شيئا (اي نتائج)، مؤكداً في ذات الصدد ان التقشف المقترح كان يقوم على تقليص هياكل الدولة والحقيبة الوزارية الى (14) وزارة اتحادية، بينما حدث العكس بان قفز عدد الوزارات الى نحو اربعين وزارة، كما توسعت هياكل الحكم بالولايات رغم ان معظم هذه الولايات فقيرة ولا تملك موارد للصرف على هياكل الحكم وبالتالي لم يحدث خفض فى الهياكل والإنفاق الحكومي ، بل حتى مسألة خفض مخصصات الدستوريين او مرتباتهم لم تكن مجدية لضعف عائدات مقابل التوسع الذي تم في هياكل الحكم وزيادة اعداد الدستوريين على مستوى المركز والولايات. وأكد د.البدري في حديثه ل(الرأي العام) ان الاقتصاد السوداني مازال في مربع الازمة والمعاناة والصدمة رغم الحديث عن تطبيق سياسات التقشف، ورهن تجاوز هذا الوضع المتدهور بالاتجاه نحو مناطق الانتاج الحقيقي ودعم القطاعات الانتاجية في الزراعة خاصة المشاريع الزراعية القومية والانتاج الصناعي، وتشجيع الاستثمارالحقيقي بوضع سياسات جديدة للاستثمار وتعديل قانوني الاستثمار والعمل ، و تحريك القطاع الصناعي وربط الزراعة بالصناعة ومعالجة مشاكل الغلاء والفقر ووضع التدابير اللازمة لتجاوز حالة الركود التضحمي التي يعاني منها الاقتصاد والاسواق المحلية وتشجيع الانتاج للصادر . وحول فرص تجاوز هذا الوضع الراهن والصدمة في الموازنة الجديدة للعام 2013 قال د.البدري : ان البرنامج الاسعافي الذي وضع لانقاذ الاقتصاد لم يذهب حتى الان الى مناطق الانتاج الحقيقي ولم توضع سياسات للنهوض بهذه القطاعات وتابع : ( وزير المالية شبه الاقتصاد السوداني بالعربة منفسة اللساتك، فكيف تسير عربة بدون لساتك ؟ وإذا اراد لها السير بتركيب لساتك جديدة او ملء القديمة فان هذا يتطلب جهدا ويحتاج الى وقت، ولابد من مراعاة الحمولة الكبيرة التي نفست هذه اللساتك من قبل).