سبق وأن تناولنا في حلقتين متتاليتين التعريف بالطاقة الذرية واستخداماتها السلمية ،تزامنا مع انعقاد المؤتمر العربي الحادي عشر للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية المنعقد بالخرطوم ،وتحلقنا حول فكرة مركزية ،هي ألا نستغرب عند سماعنا الحديث عن التطبيقات السلمية للطاقة الذرية ،لأن معظم هذه التطبيقات بسيطة وموجودة في حياتنا من حولنا في مسارات الحياة اليومية دون أن نتنبه لها ،سيما وأن السودان قد عرف أول تطبيق سلمي للاستخدام الذري قبل أكثر من قرن عندما استجلب جيش الغزو البريطاني جهاز الأشعة السينية لتطبيب جرحى جيشه ومن ثم إتاحة الجهاز في مستشفى أمدرمان منذ العام 1898م ،وأعلم وأنا أحاول ترويض هذه المادة العلمية للكتابة الصحفية -بحكم خلفيتي الأكاديمية الفيزيائية- العنت الذي قد يصيب القارئ في يسر فهمها ،إلا أن الذي يجب أن يعلمه القارئ الكريم أن الأمر الذي اتخذت تلك المقالتين مدخلا له لا غنى له عنه إذا أراد المحافظة على سلامته وصحته العامة ،ذلك أن خطر الإشعاع الذري أصبح أمرا مزعجا للكثير من الدول والحكومات والجهات المهنية ،ولم يعد الأمر مرتبطاً بكون الدولة لديها استخدامات ذرية كبيرة كالمفاعلات النووية حتى يصبح مواطنوها عرضة للمخاطر الإشعاعية ،فيمكن أن تصلها المخاطر من الدول الأخرى فقد تفننت العديد من الدول النووية في التخلص من النفايات النووية في قوالب مخبأة على سبيل المثال لا الحصر إعادة تدويرها في الصناعات الثقيلة مثل صناعة الحديد ،حيث ثبت في دولة آسيوية دخول عربة جديدة في الميناء وعندما أخضعت للمسح الإشعاعي أظهرت الأجهزة وجود نشاط إشعاعي كبير على الخام الذي صنعت منه ،فالنفايات عالية الكلفة في التخلص الذي يتطلب مواصفات مستمرة طويلة في موقع التخزين تستمر بحسب نصف العمر النشط للمواد المشعة أحيانا لمئات السنين حتى تتحول إلى عناصر مأمونة مثل الرصاص ،ودونكم ما تناقلته الصحف في أول هذا الشهر عن ضبط حاوية بها محتويات ذات نشاط إشعاعي غير طبيعي ،فالخطر الإشعاعي على الإنسان والبيئة يستمر للأجيال التي لم تولد بعد وهو ما دفع الأممالمتحدة لإنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن ثم شجعت هي قيام الهيئات الذرية الوطنية للحيلولة دون الاستخدام العسكري السلبي للطاقة الذرية النووية في الحروب من ناحية ،ولتنظيم وضبط الأنشطة الموجبة التي تدر نفعا على الإنسان في مجالات الطب والصناعة وغيرها من المناحي التي سبق أن قمنا بتعديدها .إذن جوهر الأمر وأسه هو التوظيف السليم لها دون استخدام عسكري بين الدول مثلما حدث في الحرب العالمية الثانية عندما استخدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية في هيروشيما ونجازاكي بقنبلتي (ليتل بوي) و(فات مان ) أو أن تتاح للمتناول الإرهابي فتتفاقم المشكلة ،فيمكن أن تضر الأشعة الذرية من حيث أريد لها أن تنفع ،فالاستخدام الطبي له أسسه وضوابطه التي تعم على تغليب النفع على الضرر بالنسبة للمريض في التشخيص والعلاج ،وتعمل في الوقت نفسه على سلامة الممارس الطبي والفني والبيئة المحيطة بموقع التشخيص أو التطبيب ،والغرفة التي تتم فيها عملية التشخيص نفسها لها مواصفات من حيث (تدريع) الجدران بألواح رصاصية تعمل على امتصاص الأشعة حتى لا تغادر إلى خارج الغرفة فتضر المارة ،وكذلك موقع هذه الغرفة يجب أن يكون في مكان أقل وجودا للأشخاص الآخرين ،كما أن هنالك مجالات أخرى في الصناعة والبترول تنطوي على إشعاعات تستوجب إعمال الضوابط القبلية التي تعمل على حماية العاملين والبيئة على حد سواء ،وكل هذه النظم مسئولة عنها الهيئة الرقابية الذرية في كل قطر ومسئولة عنها الوكالة الدولية على الصعيد الدولي فضلا عن العديد من المنظمات الدولية ذات الصلة مثل منظمة الصحة الدولية ومنظمة العمل الدولية . حاشية: الإشعاع الذري يستخدم لعلاج السرطان ،لكنه إذا لم يستخدم بصورة سليمة فسوف يجلب السرطان للأنسجة السليمة ،كما أن مضاره تشمل :عتم العين وفقدان النظر ،السرطان ،التخلف الذهني ،إختلال النمو،العقم ،حروق الجلد وقطع الأطراف ،سرطانات الدم ومتلازمة الجهاز العصبي المركزي والتأثيرات الجينية المحتملة ،ويمكن أن تظهر آثاره حالياً أو مستقبلا ولو بعد أكثر من عشرين سنة ،هذه هي المخاطر التي تبذل الهيئة السودانية للطاقة الذرية جهودا جبارة في تأميننا منها لكن ينقصها الكثير أوله القانون المواكب ،وهذا ما سنحدثكم عنه غداً.