أوصد الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، الباب أمام التكهنات حول مَن يخلفه على رئاسة الحزب، وقرّر المهدي خلال احتفال عيد ميلاده السابع والسبعين أمس الأول، ايكال مهمة الاختيار لمن تنتخبه مؤسسات الحزب لتولي القيادة، وأن يتم ذلك والمهدي في قوة عطائه - كما أفاد - وقال إن ذلك سيكون تجربة فريدة في ثقافة الخلافة. سؤال الخلافة الذي ابتدر الاجابة عنه، الامام المهدي أمس الأول لم يكن وليد دهاليز حزب الامة وتفاعلات البيت الانصاري، بقدر ما اضحى سؤالاً يشغل جل أحزاب الساحة السياسية.. الحزب الشيوعي السوداني دخل امتحان الخلافة فى يونيو الماضي، بعد أن أجبره رحيل الحكيم نقد على خوضه ليفرز بالانتخاب السكرتير السياسي محمد مختار الخطيب.. قبل أن تنتقل العدوى للحزب الحاكم لينتقل السؤال من خانة الهمس الى باحات العلن، بحثاً عن اجابة في تكتيكات المدنيين الاسلاميين والعسكريين .. الامام المهدي رئيس الامة القومي في سياق صراعات حزبه الداخلية برز كمتهم أول لاحتكار الزعامة والاستفراد بقيادة الحزب ، قبل ان تتطور الاتهامات بمحاولات توريث الحزب لأحد ابنائه ، بعد خروج قيادات التيار العام وعقب ملاسنات مبارك الفاضل.. المهدي في كل لقاءاته الجماهيرية والحزبية ومؤتمراته الصحفية نأى بنفسه عن الرد على الاتهامات ، وربما أحالها ليفجر في عيد ميلاده السابع والسبعين استفهاماً من جنس من يرث المهدي؟!! (من يخلف المهدي؟) سؤال أجاب عنه المهدي نفسه بإحالة الامر لمؤسسات الحزب وفقاً لبنية وعيه الديمقراطي، التي ترى قيادة الناس اختياراً لهم لا فرضاً بتزوير أو بندقية .. لكن كثيرا من الانصار ينأون بنفسهم عن الخوض في السؤال باعتباره شأناً تنظيمياً يخص الامة ، بينما يراه آخرون شأناً وطنياً طالما أن شئون الحزب التاريخي تنسحب على المسرح الوطني مداً أو جزراً سلباً أو إيجابا.. راصدون لمنحنيات تطورات الحزب يؤرخون لبداية الخوض في السؤال، لاستشعار الامام بأن ثمة توترات داخلية ساهمت في خروج المتململين من الشباب الحزبي من سيطرة الصادق المحكمة على مؤسسات الحزب، وهو ما يرفضه حزبيون منضبطون بالأمة القومي ويرجعون حديث الامام عن خلافته فى هذا التوقيت، الى أنها الفكرة الطبيعية والمنطقية التي يتسم بها الامام ، لجهة رفضه أي نهج احتكاري في ادارة الحزب ، وان الاصلح للقيادة هو من يختاره الناس، ويستندون في ذلك إلى ديمقراطية الامام المعهودة في أحاديثه وكلماته وخطاباته .. مراقبون يقطعون بأن اقتراب المؤتمر العام للغريم التاريخي لحزب الامة ممثلاً في الاتحادى الديمقراطي من شأنه ترك آثار نفسية سيئة في عضوية حزب الامة التي تجنح نحو التغيير في كل شئ بما في ذلك قطاعات الطلاب والشباب، وأن الحديث محاولة استباقية من الامام لتذكير قطاعات حزبه بسنة الحياة المبنية على التداول الطبيعي والسلمي للمناصب.. ويذهب أحدهم الى أن محاولة اثارة سؤال الخلافة لا مبرر له ، سوى محاولات ايذاء حزب الامة وإحداث تشويش داخله لصالح أجندات تستهدف الحزب .. التحليلات جنحت في محاولة للاجتهاد حول من يمكن له أن يؤتمن على الامة القومي بعد الامام ? اطال الله بقاءه - ويذهب محللون الى أن الانصار لا يدينون إلا لأحد من بيت الامام ، بالتالي فإن الخلافة لن تخرج من البيت الكبير، وتنحصر ترشيحات بيت الامام بين عبد الرحمن الصادق المهدي مساعد رئيس الجمهورية بحكم ارثه وتاريخه منذ صفوف جيش الامة في قوات التجمع الوطني الديمقراطي و نضالاته في القيادة العسكرية، مروراً بعضويته في قيادة الحزب وصولاً لموقعه المقرب من الرئيس البشير ما يجعله رجلا مؤهلا لإدارة الحزب بعد أن أصبح على شفا ادارة دولة .. فيما تذهب ترشيحات كثيفة الى ان الاقرب للمنصب بحكم النشاط والحيوية والكاريزما د. مريم الصادق المهدي، لجهة موقعها في تحالف قوى الاجماع وتمتعها بالقبول السياسي من الاصدقاء والأعداء بالإضافة لمواقفها المصادمة التي لا تشبه إلا بنات الانصار وحفيدات مهيرة .. لكن الترشيح الاخير ، يشوبه شك من قبل قطاع عريض من المحللين ، شك مبني على كون مريم(امرأة) لا يصح لها قيادة حزب تقليدي بهامة الامة القومي ، وهو ما يرفضه معارضون في أحزاب أخرى باعتبار أن الفكرة عن تقليدية حزب الامة عفا عليها الزمن ، وأن ثمة متغيرات زلزلت مسلمات الحزب واضحى اكثر مرونة وتطوراً واستيعاباً لمتغيرات العصر و مطلوباته ، وان مسيرة الحزب اذا فرضت تقدم مريم الصفوف فأن الاجماع سينعقد لها .. بينما ينظر آخرون للأمر من بوابة القدرة على الاحتمال والميكيافلية السياسية ، ويربطون بين ذلك وبين العودة السابقة لرجل الامة الشرس كما يعرف في أواسط الانصار مبارك الفاضل، اعتبرت حينها مدخلاً لتحقيق حلم يؤكدون أنه راوده طويلاً في خلافة السيد الصادق المهدي وإحكام السيطرة على تراث آل المهدي السياسي، طموح قاد مبارك في السابق للقفز الانفرادي من مركب الحزب، وقاده في مطلع العام الماضي بحسب هؤلاء للعودة الانفرادية أيضاً ، بعدما حل حزبه من تلقاء نفسه ، ودخل طواعية في الحزب الكبير، وخفت ذكره... بغض النظر عن نوايا الامام وترتيباته الداخلية إلا أن الثابت في المشهد أن الرجل اذا تنحى طواعية فإنها ستكون سابقة في تاريخ السياسة السودانية ، تحسب له ، لكنها بلا شك ستكون خصماً على الفكر والثقافة والسياسة السودانية عامة قبل حزب الأمة..