حاوره : فتح الرحمن شبارقة- تصوير: إبراهيم حامد: د. علي السيد، قيادي معارض في حزب مشارك في الحكومة.. انطباع خرجت به بعد ساعة من الجلوس إليه بمكتبه ظهيرة الثلاثاء الماضي. فهو أكثر قيادت الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل جرأة، وإثارة للجدل فيما يبدو. يحسده كثيرون من قادة الحزب في قدرته على الجهر بما يستبطنون رغم المتاعب التي سببتها له إفاداته وتصريحاته اللاذعة، ولا تزال حسبما يتوقع من هذا الحوار. آخر ما رشح في صحف الخرطوم من أنباء علي السيد، هو تكوين لجنة للتحقيق معه.. فما هي الحيثيات التي قادت لمحاسبته ؟ وهل يمكن محاسبة أي شخص آخر في الحزب حتى وإن كان يحمل (ديباجة الميرغني)؟ .. كيف ينظر علي السيد لمشاركة حزبه في الحكومة بعد كل هذا الوقت، وهل صحيح هي شر محض؟ وماذا قال عن اجتماع المعارضة الأخير في كمبالا ووثيقة الفجر الجديد؟ إلى جانب أسئلة أخرى، أجاب عليها جميعاً بطريقته التلقائية المعهودة : *يقولون إن علي السيد فقد كثيراً من بريقه القديم، فأرد أن يعود إلى الواجهة عبر نافذة التصريحات، وربما الهجوم على أحمد سعد عمر وإبراهيم الميرغني وآخرين؟ - أنا دائماً أحب العمل في صمت، وكل الذين عملوا معي في الحزب أو التجمع الوطني الديمقراطي يعرفون ذلك، وانا لا أتحدث في الإعلام إلا مضطراً لأن الإعلام دائماً يسبب لي مشاكل مع الذين بيني وبينهم بعض المشاكل في الحزب، وبالعكس أنا لا أحتاج لأن أظهر في الإعلام، وفي الفترة الأخيرة أنا كنت مشغولاً بأن يكون هناك مؤتمر حقيقي وليس مؤتمراً مزيفاً ، وبالتالي لم يكن لدى متسع من الوقت حتى للإعلام، والذين يتحدثون عن هذا أنا أعرفهم جيداً ولا أهتم بمثل هذه الأقاويل. * يلاحظ البعض أن علي السيد أصبح سياسيا يائسا ، ويبدو من أحاديثه الغاضبة في الآونة الأخيرة تجاه بعض القيادات أنه لم يعد لديه صليح داخل الحزب؟ - العكس تماماً، فأي شخص شريف وله مقصد حقيقي نحو البلد ومهتم بقضية البلد ولا يدور حول نفسه أو حول مصالحه الخاصة لدى معهم علاقات وطيدة جداً. أما أعدائي الحقيقيون فهم الذين يستفيدون من الحزب لأغراضهم الخاصة ويستغلون الحزب لمنافع شخصية، وهؤلاء أنا لا أغفر لهم ولا أمانع من أن يعادوني. ولكن معظم الشباب والمرأة والقيادات النظيفة التي تبحث عن وطن وتتحدث عن ديمقراطية وحرية فهؤلاء أقرب الناس إلىّ وهم كُثر ، أما أعدائي ، فأنا كفيل بهم وهم مجموعة من الإنتهازيين الذين يحاولون أن يثروا ويغنوا عن طريق الحزب. *ما هو وضعية المؤتمر العام للحزب الآن بعد حديث إبراهيم الميرغني عن فشله؟ - المؤتمر سيتأخر لأسباب كثيرة جداً فنحن نريد تنظيم مؤتمرات ولا نريد مؤتمرا شكليا ، ولكن المؤتمر لن يفشل إلا إذا كانت هناك نية لإفشاله. *برأيك ما هي الأسباب الحقيقية التي قد تعرقل وتؤخر قيام المؤتمر؟ - هي عدم الرغبة في قيام المؤتمر، وأي كلام تاني عن مال وخلافه هو (كلام ساكت). * ومن خلال متابعتك هل هناك من يخشى ويتخوف من قيام المؤتمر أو ليس لديه رغبة في انعقاده؟ - نعم، لأنهم يعتقدون ان المراكز والمواقع ستتغير وسيأتي المؤتمر بقيادة جديدة، وأخطر حاجة أن يقرر المؤتمر الخروج من المشاركة، لذلك الناس المشاركون في الحكومة ليسوا حريصين على قيام المؤتمر ، بالعكس هم لا يريدون المؤتمر. *هل هناك سقف زمني لإنعقاد المؤتمر العام للحزب؟ - الكلام الذي قاله رئيس الحزب أنه سينعقد في الربع الأول من 2013م، وحقيقة ممكن المؤتمر يتم حتى شهر أبريل المقبل فهو لا يأخذ أي زمن، وكل هذه الأحزاب تعمل مؤتمراتها بدون أي حاجة. * يُقال إن الحزب الإتحادي الديمقراطي تاريخياً لم يحاسب أو يفصل شخصا ، حتى الشريف الهندي ظل أميناً عاماً إلى أن توفاه الله. - هذا كلام صحيح، وحقيقة الحزب الإتحادي يرفض التنظيم، وأنا دائماً أقول إن سر بقاء هذا الحزب ووجوده على الساحة أنه حزب غير منظم. ولذلك المحاسبة هذه تأتي في الأحزاب المنظمة، لكن لأن حزبنا غير منظم فهو موجود. وبالتالي هو لا يخضع للتنظيم ولا يحب التنظيم أصلاً بطبيعته وحسب تركيبته، والحزب الإتحادي لا تستطيع أن تنظمه فهو حزب كبير فيه مدارس وأفكار مختلفة وكل ما يمكن أن يتم فيه هو أن ينشق الناس ولا تتم محاسبة، وأقصى ما يمكن عمله هو أن تخرج لذلك تجد الآن هنالك (8) أحزاب اتحادية، فكل شخص يزهج يطلع ويعمل حزب تاني. * هل نتوقع أن يزهج علي السيد ويخرج من الحزب ليعمل حزباً اتحادياً جديداً ربما ؟ - لا.. أنا لن أخرج إلا يرفتوني، ومثل هذه اللجان في النهاية بترفتني. لكن أنا لن أخرج لأني أعتقد ان النضال من داخل الحزب وإصلاحه أصبح مهماً، والشخص الذي يخرج هذا يكون يئس أو تعب أو لديه مصالح، وأنا ليست لدى مصالح ولا أريد أن أعمل شيئاً وسأقاتل من الداخل إلى أن أُفصل، وأنا أحس بأنهم ضاقوا ذرعاً بي ويمكن أن يفصلوني. *بعد الفصل أين ستكون وجهتك القادمة؟ - بعد الفصل سأظل أُناضل لتوضيح ان الفصل لم يكن قانونياً، وسأشتكي إلى أن أستعيد موقعي، فأنا (عامل حسابي) ولا أرتكب أخطاء. * ومع ذلك، إذا قُدِر لك أن تخرج من الحزب، فهل ستذهب لحزب الدقير مثلما فعلت قيادات سابقة ؟ أم ستنضم للمؤتمر الوطني كما فعل آخرون، أم ربما ستذهب للحزب الشيوعي خاصة وأن البعض يتهمك بشيوعية مدسوسة؟ - لو صدر قرار بفصلي من الحزب، فلن يكون صائباً أو صحيحاً وسأضطر إلى اللجوء إلى مسجل الأحزاب لإعادة عضويتي، ولا مانع لدى من أن أكون مجرد عضو في الحزب ، وهذه واحدة من درجات المعاقبة أن اكون مجرداً من كافة المواقع التي أشغلها، ولكني لن أترك الحزب. *ما الذي يجبرك على البقاء بحزب يبدو من لجان التحقيق المكونة لمحاسبتك أنه أصبح غير راغب فيك؟ - هو غير راغب فيّ لكني أعتقد ان هذا الحزب يمكن إصلاحه ، ويضم عناصر كويسة جداً وناس مفكرين وعندهم قيمة حقيقية ممكن تقدم البلد وهنالك عناصر ذات قيمة داخل هذا الحزب مقبورة بتسلط بعض الشخصيات والقيادات ، والحزب يمكن أن يتحول لحزب وسط حقيقي. *هل ستمثل أمام لجنة المحاسبة أم ربما كانت لديك تحفظات على بعض الأسماء بها؟ - أنا علمت بأن هناك لجنة قد تم تشكيلها لمحاسبتي، وهذا أمر إعتدت عليه كثيراً، وأعرف جيداً الجهة التي توعز بمحاسبتي وكنت دائماً أستجيب للمحاسبة، ولكن هذه المرة لن أستجيب لهذه المحاسبة ما لم يحاسب أيضاً إبراهيم أحمد الميرغني معي، لأني بهذا أكون قد ظُلِمت مرتين. ولابد أن تكون اللجنة حقيقية ومحايدة، وهناك بعض الأشخاص - خاصة الذين مع المشاركة - يزعجهم بقائي في الحزب أصلاً ويسعون لإبعادي منه تماماً، بالتالي أنا أعترض على أية شخصية أرى أن لها أهدافاً خاصة وليس أهدافاً حزبية حقيقية. وشرطي الأساسي أن تكون اللجنة، هي لجنة حزبية حقيقية وليس لها قصد معين، أما إذا كانت من الجماعة الذين أعنيهم فلن أمثُل أمامها. *كيف تضع اشتراطات وأنت لست الجهة التي ستحدد أو تختار اللجنة التي ستحاسبك بالطبع؟ - لكن من حق الشخص قانوناً أن يعترض على بعض الشخصيات في مجلس المحاسبة إذا كان لديه رأي فيهم، وبالتالي فمن حقي أن أعترض على أية شخصية أرى أن وجودها مقصود منه تجريمي. *كيف تقيم مستوى الديمقراطية داخل الحزب الإتحادي الديمقراطي؟ - معظم الاحزاب السودانية وفي العالم الثالث لا توجد فيها مساحة ديمقراطية واسعة، والحزب الاتحادي الديمقراطي إذا أنت تريد أن تعمل فلا أحد سيسألك، ولكن إذا أردت أن تأخذ إذنا ف (يمكن ما تشتغل) لأنك ستجد معوقات. * عندما قلت إنك ستحاسب لأنك الحيطة القصيرة، فهل كنت تقصد أنك الحيطة القصيرة لأنك ليس أصيلاً في الحزب أم لأنك بلا سند عشائري أو لسبب آخر؟ - أقصد بالحيطة القصيرة بالمقارنة مع إبراهيم الميرغني، فسأكون أنا حسب الفهم الجاري الحيطة القصيرة، ويمكن أن تلصق بي التهم وتتم تبرئة السيد إبراهيم. ولكن العكس تماماً ليس بمعنى أنه لا عشيرة لي ، فأنا لا أؤمن بالعشائرية ولا القبلية ولكن أومن بما نقدمه للحزب. * من أين يمول الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل انشطته؟ - الحزب يتمول بالتبرعات ولا توجد اشتراكات حقيقة ، فالعمل موسمي وفي كل وقت تجمع تبرعات... =مقاطعة= *ألم تتحسن أوضاع الحزب المالية بعد مشاركته في الحكومة؟ - لا، لم تتحسن أبداً. ونحن ما زلنا في نفس الموقع، لذلك نحن نريد مؤتمراً حقيقياً وليس شكلياً نلزم فيه الأعضاء بدفع اشتراكات حتى لا يكون الذين بيدهم المال هم من يُديروننا شرقاً و غرباً، لذلك نريد حزباً عنده موارد ذاتية من أعضائه ولو تم دفع مبلغ صغير جداً من جماهير الحزب الكبيرة يمكن أن نجمع المال، ونحن نحتاج إلى لجنة حقيقية لتنمية موارد الحزب. * من الواضح أن قيادة الحزب قليلة الظهور والكلام فكيف يتواصل السيد محمد عثمان الميرغني معكم ومع القيادات الأخرى والقواعد في الحزب؟ - رئيس الحزب ليس لديه مشكلة مع أحد وهو يتواصل معنا ويلتقي بنا في الاجتماعات ويكون حريصاً عليها ويفتح صدره لكل رأي. والمشكلة تكمن في الذين يعملون من وراء الكواليس، فهم من يتسببون في بعض المشاكل للحزب. * قلت إن حزبكم غريب من نوعه، فهو حزب قاعدته معارضة بينما تشارك بعض قياداته في الحكومة.. هل تريد أن تقول إن علي السيد هو من القيادات لكن ينتمي للقواعد؟ - نعم، وليس أنا وحدي، فثلاثة أرباع القيادة هي مع القواعد بمن فيهم أنا. * ألا تخشى من أن يقاضيك الوزير أحمد سعد عمر الذي وجهت له انتقادات قوية واتهامات من قبيل السعى لجر الحزب للتماهي مع المؤتمر الوطني؟ - هذا رأي ، والرأي دائماً ليس محل الإجراءات الجنائية. * مما تخاف على الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل؟ - أخاف عليه من أن ينقاد وينصاع للمؤتمر الوطني ويصبح جزءاً منه ويتلاشى كما هو الحال بالنسبة للحزب الاتحادي الديمقراطي المسجل، ولذلك أنا أصر على البقاء فيه حتى لا يتلاشى ويذوب كما حصل لحزب الوفد المصري. * دعنا ننتقل من الشأن الحزبي للشأن الوطني.. ما هي رؤيتكم لاجتماع المعارضة بشقيها السياسي والمسلح في كمبالا واتفاقها على وثيقة الفجر الجديد؟ - نحن لسنا جزءاً من هذا العمل، ومنذ أن شاركنا في الحكومة خرجنا من قوى المعارضة وقوى الاجماع الوطني حتى لا نكون متناقضين، وعندما نشترك في المعارضة نكون متناقضين جداً، ولو كنا معهم لقدمنا لهم النصح واثنيناهم عن هذا العمل لأن ما تم ليس مجالاً لعمل سياسي. و أنت لا يمكن أن تكون حزبا مسجلا وتدعو للديمقراطية والعمل السلمي وتذهب لتمارس عملا عسكريا، وأنت إذا أردت أن تسقط الحكومة فلا يمكن أن تسقطها بعمل علني. *هل تستطيع أن تدين هذا العمل؟ - نعم أستطيع أن أُدينه، فكرة وتنفيذاً، فهذا عمل ساذج سياسياً، وفكرة ساذجة غير قائمة على أسس صحيحة ولا يمكن أن تعمل مثل هذا العمل في كمبالا وتركب الطائرة وتجي الخرطوم. * ما هو أقصى ما يستطيع تحقيقه من وقعوا على وثيقة الفجر الجديد بكمبالا؟ - هو عمل قلقلة للحكومة ويجعلونها تعيش في الحالة التي تعيش فيها الآن. وغير ذلك لن يستطيعوا فعل شىء، وإذا قاموا بأي عمل قد يجبروا الحكومة لإعلان حالة الطوارئ أو ستتخذ إجراءات لتضييّق مساحة الحريات في الداخل، وسيتغير العمل الداخلي. * مشاركة التوم هجو أثارت موجة من الشكوك حول موقف الحزب من الوثيقة؟ - التوم هجو ترك الحزب منذ زمن طويل ولديه خط مختلف، ويعتقد أن هذا النظام لن يذهب إلا عن طريق السلاح وأي انتخابات ستجرى سيزورها ولن يذهب بالتي هي أحسن، وكان قنعان تماماً وشق طريقه منذ أن كان هنا بالداخل.. * ولكن التوم لم يفصل من الحزب بعد أن إختط لنفسه طريقاً مخالفاً لموقف الحزب؟ - أنا قلت لك إن مشكلتنا في الحزب هي عدم التنظيم، فنحن (ما بنفصل زول) وعندنا كثيرون خرجوا ولم يفصلوا، ونحن أحمد علي أبو بكر حتى الآن ما فصلناه. *ألا يوفر توقيع التوم هجو حيثيات للإدعاء بأن هنالك تبادل أدوار بين قيادات الحزب، بحيث لا يضع كل البيض في سلة واحدة، لذلك فمثلما هو مشارك في الحكومة بوزراء قد يكون مشاركا بالتوم في وثيقة كمبالا؟ - لا، لا.. الحزب الذي يعمل تبادل أدوار هو الحزب المنظم الذي يستطيع أن يعمل اختراقات. لكن هذا حزب غير منظم، وما فيه أي تبادل أدوار.