إنه رجلٌ ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه ، حسن الخِلقة، لم تُزْرِ به صِعلة (أى لم يعيِّبه صغر في رأس، ولا خفة ولا نحول في بدن)، ولم تَعِبْه ثجلة (الثجلة: ضخامة البطن)، وسيمًا قسيمًا، فى عينيه دَعَج (شدة سواد العين)، وفى أشفاره عطف (طول أهداب العين)، وفى عنقه سَطَع (السطع: الطول)، وفى صوته صَحَل (بحَّة)، وفى لحيته كثافة، أحور أكحل...أزَجُّ أقرن (الزجج: هو تقوس فى الحواجب مع طول وامتداد، والأقرن: المتصل الحواجب)، إن صمتَ فعليه الوقار، وإن تكلم سَمَا وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأجملهم من قريب، حلو المنطق، فَصْلٌ، لا نزر ولا هَدْر، وكأن منطقه خرزات نظم تَنحدر، رَبْعَة لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه العين من قِصِر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، (تقصد أبا بكر، وابن أريقط اللذين رافقاه في رحلة الهجرة) أحسنهم قدرًا، له رُفَقَاء يحفُّون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود (أى يحفه الناس ويخدمونه). لا عابس ولا مُفنّد)المُفنّد: الضعيف الرأي).هكذا وصفته (صلى الله عليه وسلم ) أم معبد عندما مر بها في هجرته من مكة إلى المدينة ،وهو خير خلق الله قاطبة وسيد الناس إن عجماً وإن عرباً،خير من داس الثرى ومشى بين الورى حسباً والمجتبى نسباً،وهو كما وصفه عمه أبو طالب الذي كان على غير الإسلام ( أبيض يُستسقى الغمامُ بوجهه ، ثمّالُ اليتامى ، عصمة للأرامل )،ومدحه الأعشى الكبير وهو في طريقه إليه للدخول في الإسلام قبل أن تغريه قريش بالمال فقال ( نبيٌ يرى ما لا ترون ، وذكره أغار لعمري في البلاد وأنجدا ،له صَدَقاتٌ ما تُغِبُّ ونائل ، وليس عطاءُ اليوم مانعه غدا ) ،ولد يوم مولده فكان الهدى ((ولد الهدى فالكائنات ضياء، ،وفم الزمان تبسم وثناء،الروح والملأ الملائك حوله ،للدين والدنيا به بشراء)، نبي أمي علم البشرية (يا أيها الأمي حسبك رتبة ،في العلم أن دانت بك العلماء).(أبانَ مولِدُهُ عن طِيبِ عنصُرِهِ ،يا طِيبَ مُبتَدَإٍ منه ومُختَتَمِ،يومٌ تَفَرَّسَ فيه الفُرسُ أنَّهُمُ ، قَد أُنذِرُوا بِحُلُولِ البُؤسِ والنِّقَمِ،وباتَ إِيوَانُ كِسرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ ،كَشَملِ أصحابِ كِسرَى غيرَ مُلتَئِمِ،والنارُ خامِدَةُ الأنفاسِ مِن أَسَفٍ ،عليه والنهرُ ساهي العَيْنِ مِن سَدَمِ ،وساءَ ساوَةَ أنْ غاضَتْ بُحَيرَتُهَا ،وَرُدَّ وارِدُهَا بالغَيْظِ حينَ ظَمِي،كأَنَّ بالنارِ ما بالماءِ مِن بَلَلٍ ، حُزْنًا وبالماءِ ما بالنار مِن ضَرَمِ،والجِنُّ تَهتِفُ والأنوارُ ساطِعَةٌ ، والحقُّ يظهَرُ مِن معنًى ومِن كَلِمِ،عَمُوا وصَمُّوا فإعلانُ البشائِرِ لم ، تُسمَعْ وبارِقَةُ الإِنذارِ لم تُشَمِ). حاشية: نستشف هذه الأيام أنسام مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم ،رسول الله إلى البشرية جمعاء ،ومنقذها من ظلمات الجهل والجاهلية ،وخير ما نستقبل به ذكرى مولد النور عليه أفضل الصلاة والسلام أن نتوحد خلف لوائه ،كما توحد الأوائل ولاذوا به عندما يشتد أوار المعركة فقال قائلهم ( إن الرسول لسيف يُستضاء به ، مهند من سيوف الله مسلول)،لا أن نجعل من إحياء ذكرى مولده موسماً للخلاف والفتنة وإذكاء الطائفية ،وكأني بهؤلاء يريدون لنا أن نعود القهقرى إلى جاهلية جديدة بعد أن نعمنا بصبح رسالته كما يقول محمد المهدي المجذوب (وبسمعي الطبل دوى من بعيد،كوليد في دجى الليل وحيد،وبقايا من نشيد،عبرت سمعي طيراً،في ظلام بشر الآفاق بالصبح الجديد) ،فلننعم بحب المصطفى صلى الله عليه وسلم في ( ليلة المولد )....( ليلة المولد يا سر الليالي والجمال،وربيعاً فتن الأنفس بالسحر الحلال،وطنى المسلم في ظنك مشبوب الخيال) وننتشي بعرائس أمير الشعراء (لي في مديحك يا رسول عرائس ، تيمنّ فيك وشاقهن جلاء، هنَ الحسان فإن قبلت تكرما ،فمهورهن شفاعة حسناء) . (صلى عليك إله الكون ما ابتسمت، شمس وما أجهش الباكون في السحر)،(صلى عليك الله يا علم الهدى ، ما هبت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم)،)البدر دونك فى حُسنٍ وفى شرفٍ والبحر دونك فى خيرٍ وفى كرمٍ)