إستناداً الى بعض الدراسات فإن الكثافة السكانية الحالية للسودان تحتاج الى (04) ألف طبيب بشري في جميع التخصصات، غير أن عدد الأطباء المسجلين الآن بالمجلس الطبي (72) ألف طبيب فقط، رغم أن الجامعات الحكومية والكليات الخاصة تخرِّج آلاف الأطباء لا تستوعب المستشفيات سوى عدد يسير منهم، وينضم بقيتهم الى أرقام العطالى.. الواقع الراهن يشير الى وجود (حلقة مفقودة) نستكشفها عبر هذا التحقيق:- --------------------- إحباط وإستياء عبر أحد الأطباء العموميين بمستشفى حكومي عن حالة الإحباط والإستياء من عطالة الأطباء العموميين قائلاً: «الموضوع محبط جداً وأنا شخصياً ندمت لدخولي كلية الطب ولكم أن تعايشوا معي هذا، تخرجت العام 4002 وتعينت للإمتياز في نوفمبر (5002) لمدة سنة وثلاثة أشهر وجلست لامتحان المجلس الطبي بعد تأخير لعدة أشهر لأن قائمة الممتحنين في المجلس الطبي كبيرة جداً، وأنا طيلة هذه الأشهر أبحث عن خانة للامتحان فقط وبعد الامتحان وجدت وظيفة بمبلغ (053) جنيهاً ومن المفترض أن تتواجد يومياً بالمستشفى من الثامنة صباحاً الى الثانية ظهراً وتحاسب على جميع الأنشطة (ونوبتجي) يومين في الأسبوع لتغطية الحوادث، وبتعاقد داخلي من المستشفى يُجدد شهرياً ويمكن أن تستغنى عني إدارة المستشفى الشهر القادم والفائدة في هذا التعاقد هي شهاد ة الخبرة التي تأخذها من المستشفى». أما عن الأطباء العموميين فقال: الآن المستشفيات في حاجة ماسة للأطباء في العاصمة وخصوصاً في الولايات والاتهام الموجه ضد الأطباء بعدم ذهابهم الى الولايات قد يكون صحيحاً، لكن أنا أسكن مع أسرتي في الخرطوم ولو تعاقدت في ولاية نهر النيل سأعمل بمبلغ (007) جنيه من غير أية خدمات تقدم ، وهذا الراتب غير مغرٍ ومن الدوافع الجيدة بالوزارة إتاحتها فرصاً للتخصص بعد العمل لعامين في المستشفيات الحكومية، لكن من المفترض أن تعمل بعد التخصص لفترة من (5-7) سنوات. وأشار آخر الى أنه بعد الامتياز من المفترض أن يبحث الطبيب العمومي عن مكان للعمل به ثم يتم التعيين من قِبل الوزارة وهذا السلوك يفتح الباب على مصراعيه للمحسوبية. واستطرد قائلاً: أنا أعرف طبيبة ممتازة جداًَ لكن لعدم وجود وظيفة فإنها تعمل الآن (بالقطعة) وهذا كلمة مثلى لوصف حالتها. فهي يمكن أن تغطي لهذا الطبيب اليوم ولتلك غداً وذاك ساعات وتعمل في ذاك المستوصف لأيام وتلك العيادة أياماً أخرى!! الهيكلة الوظيفية وتحدث طبيب عمومي آخر عن استحداث وتنمية الهيكلة الوظيفية قائلاً: في السودان يظل الموظف، وخصوصاً الكبار على كراسيهم الوظيفية حتى الممات، لم أسمع بأحد قدَّم استقالته من تلقاء نفسه من غير أسباب سوى إحساسه بأن يسمح لآخر الجلوس مثلاً إذا تنازل المدير عن إدارته سيصعد نائبه على كرسيه ليصعد آخر حتى تصل الى فرصة شاغرة للمبتدئين للدخول في هذه الهيكلة ليكون تأهيلاً متكاملاً للجميع. وأوضح أحدهم أن الماديات هي الهاجس لكل الموظفين، فشحها يجعل الجميع في حالة لهاث لتلبية المنصرفات لك وأسرتك الصغيرة والكبيرة. فأنت كطبيب تلقى على عاتقك الكثير من الأعباء، فلا يمكن أن يدرس أبناؤك في المدارس الحكومية مع تردي البيئة المدرسية الحالية خلاف ذلك الكل يطالبك بالمساعدة ولا تستطيع أن تفي بكل الالتزامات تجاههم مما يضطرك الى العمل في أماكن أخرى، لكن لو أعطى الإختصاصي ما يقارب كفاية التزاماته فهذا يكفيه تعب التنقل بين العيادات والمستوصفات والتدريس في الكليات ليترك ثلاث أو أربع خانات شاغرة لغيره، وحتى لو تطرقنا لبيئة عمل الطبيب رغم كل هذا فهي بيئة غير مشجعة للعمل ولنا أن نسأل عن هجرة الأطباء الى خارج البلاد والبعض يسميها هروباً، فشح الإمكانيات جعلت البلاد بيئة طاردة لهم، وفي البلاد الأخر يمكنك التخصص الدقيق بداخل تخصصك الأساسي على حساب المستشفى وأثناء فترة الدراسة تفرغ براتبك وليس بدون مرتب وعلى حسابك الخاص في السودان. أما عن نقص الأطباء في الولايات، فأظن أنه لا مانع لأحد منهم أن يعمل خارج العاصمة لو وجد حافزاً على ذلك، فعملية توزيعهم في الولايات لابد أن تكون بها مغريات. د. محمد - طبيب إمتياز- اشتكى من قلة الإختصاصيين العاملين داخل المستشفى مما انعكس على تدريبهم، خاصة وأن هذه الفترة تكون حاجة طبيب الإمتياز الى اختصاصي كبيرة وذلك لتوجيهه والوقوف على أدائه. كذلك اشتكى د. أسامة عبد الله من عدم إمكانيات المستشفيات من أجهزة ومعدات طبية مما ينعكس سلباً على أدائهم المهني، وكذلك اشتكى من المستوى الضعيف للسكن «الميز»، مؤكداً بأنه يحتاج الى تأهيل. كما اشتكت د. مها من سوء التوزيع الجغرافي خارج الولاية خاصة وأنها أنثى ولا تستطيع العمل خارج الولاية، إلا أنها تفاجأت بعد انتهاء كل فترة بتوزيعها في ولاية مختلفة. لجنة الإختيار لجنة الاختيار للخدمة العامة الاتحادية تشكو من عدم رغبة الأطباء للعمل بالولايات، وقال الأمين العام للجنة «كمال محمد أحمد» إن هناك تنسيقاً تم أخيراً مع وزارة الصحة الاتحادية بالتعاون مع إدارة الطب العلاجي تم بموجبه الإعلان عن فرص عمل بالولايات بلغت (702) وظائف شملت الأطباء العموميين وأطباء أسنان، وصيدلة، وتخدير، وضباط تغذية، لافتاً الى أن العدد المتقدم أقل بكثير من المطلوب، مستشهداً بأن العدد المطلوب من الأطباء العموميين بلغ (141) طبيباً تقدم منهم (64) طبيباً وتم توزيع عدد منهم في بعض الولايات والعدد المطلوب من الصيادلة بلغ (98) فرصة تقدم منهم (05) صيدلياً، وعدد ضباط الصحة المطلوب (77) ضابطاً تقدم الى ملء الوظائف (9) فقط، ولفت كمال الى تكدس الأطباء والكوادر الطبية بولاية الخرطوم. وكشف أن الولايات لا تعاني عجزاً في التخصصات المختلفة، بيد أنها تحتاج الى الكوادر الصحية، مشيراً الى اتفاق أُبرم أخيراً مع حكومات الولايات لتحسين بيئة العمل للأطباء والكوادر الطبية حسب إمكاناتها، وتشجيعهم بمزايا إضافية. الطب الوقائي ولكن ما رأي وزارة الصحة الاتحادية في هذه القضية؟ د. الصادق قسم الله، مدير إدارة الطب الوقائي بالصحة الاتحادية، اعترف بوجود مشكلات حقيقية تتعلق بالأطباء العموميين، منتقداً سياسات التعليم العالي في مجال العلوم الطبية والصحية، مشيراً الى وجود تراكم سنوي في أعداد الأطباء العموميين، حيث يتم تخريج (0022) طبيب سنوياً، مع إغفال تخريج الكوادر المساعدة، حيث كانت نسبة الأطباء مقابل الممرضين العام 6002 (ستة أطباء لكل ممرض، ولذلك ينبغي ضرورة تنفيذ سياسات التعليم العالي في مجال العلوم الطبية والصحية بالتنسيق مع وزارة الصحة وفق احتياجات الوزارة مع ضرورة تأهيل أعداد مقدرة من الكوادر المساعدة). وعن أسباب إحجام الأطباء العموميين والاختصاصيين عن العمل بالولايات، عزا ذلك الى مشاكل تتعلق بالولايات نفسها وتتمثل في عدم توفيرها للسكن والإمتيازات والمخصصات، والأجهزة اللازمة للعمل. وحول إشكالية تدريب الأطباء قال إن كليات الطب بالجامعات الحكومية، خاصة بولاية الخرطوم، تقبل أعداداً كبيرة بكليات الطب في ظل وجود فرص محدودة للتدريب، حيث أن التدريب يتم عبر مجموعات لا تتعدى كل مجموعة (51) طالباً، ولذلك لابد من التنسيق بين كليات الطب وإدارة الطب العلاجي بوزارة الصحة الاتحادية في عدد الطلاب المقبولين كل عام. إدارة التدريب هذه الشكاوى مجتمعة حملناها الى د. اسماعيل بشارة مدير إدارة التدريب والموارد البشرية بوزارة الصحة الاتحادية.. سألناه أولاً:- ? ماذا عن مستوى سكن طبيب الإمتياز «الميز»، البعض يرى أنه غير لائق؟ = بعض المساكن بحالة جيدة، فعلى مستوى ولاية الخرطوم بالفعل هناك مساكن تحتاج الى ارتفاع العدد وكذلك تحتاج الى خدمة ومرافق عامة وإعادة تأهيل، فهناك ولايات تأهيلها عالٍ جداً مما يصبح دافعاً لطبيب الامتياز للإلتحاق بتلك الولاية. صحيح أن الحكم الفيدرالي أعطى كل ولاية حق التصرف، ولكن ندعو الى دعم سكن أطباء الإمتياز «الميز» مركزياً من وزارة المالية حتى يصبح مؤهلاً من كل الجوانب. ? وماذا عن تحسين مرتبات أطباء الإمتياز؟ = هيكل المرتبات ليس من شأن الوزارة أن تغير فيه، فهو مسؤولية ديوان الخدمة وتقوم وزارة المالية بتصديق المبالغ. ولكن في العام 3002 ارتفعت الأجور بصورة عامة، فارتفعت حصيلة طبيب الامتياز الى (065) جنيهاً وارتفعت حصيلة الطبيب العمومي الى (008) جنيه وحصيلة الإختصاصي الى (0001) جنيه. ? كم يبلغ عدد أطباء الإمتياز العاملين الآن في ولاية الخرطوم، وكم الزيادة المتوقعة خلال السنة القادمة؟ = الآن العدد المسجل بالوزارة حوالى (0082) طبيب إمتياز. والزيادة المتوقعة خلال عام واحد (0053) طبيب إمتياز. كثرة الأطباء ? كيف يتم توزيعكم لأطباء الإمتياز وما يتبعها من مشاكل؟ = التوزيع يكون عبر الحاسب الآلي، أما مشكلة التوزيع تكمن في ارتفاع عدد الطبيبات (إناث) مقارنة بعدد الأطباء الذكور تصل الى نسبة (06%). فنحاول قدر المستطاع أن نوزع الطبيبات بالقرب من أماكن سكنهن وحالياً يتم توزيع (07%) داخل الولاية وال (03%) المتبقية بالولايات المختلفة. ? ما هو دوركم في تهيئة البيئة الأكاديمية ومستقبل طبيب الإمتياز وتأهيله؟ = أنشأنا داخل الوزارة مجلساً استشارياً لتدريب أطباء الإمتياز ويتكون هذا لمجلس من عدد من الأساتذة والاستشاريين والمجلس الطبي والإختصاصيين الأكاديميين، وهذا المجلس خطا خطوات في تنظيم وتدريب طبيب الإمتياز، كما عملت الوزارة على توفير أجهزة حاسوب موصلة بالانترنت (مجاناً) في بعض المستشفيات وأمددناها بحوالى (0002) مجلة طبية، ونحاول الآن أن نُعمِّم هذه المكتبات ونظام الحاسوب على جميع المستشفيات. ? وأنتم مسؤولون عن أطباء الإمتياز، هل تتابعون سير تدريبهم داخل المستشفيات؟ = نعم، صحيح نحن لا نستطيع أن نغطي جميع المستشفيات، ولكن هناك نظام إشراف من وقت الى آخر مع الإختصاصيين والمديرين الطبيين للإطمئنان على سير العمل، فهناك أيضاً تقرير سري يرفع للوزارة ويخرج بموجبها قائمة لجلوس امتحان يسمى «ممارسة المهنة». ونحاول الآن أن نقيم إدارات تدريب فاعلة للولايات وهذه الإدارات تقوم بذات الوظيفة التي تقوم بها الوزارة. ? علمنا أن المستشفيات تعاني من قلة الإختصاصيين بالمستشفيات؟ = بالفعل هناك بعض الإختصاصيين يتركون عمل التدريب الى نائب الاختصاصي، ومن خلال متابعتنا إذا شعرنا بأن هناك خللاً في بعض الوحدات نحاول أن يتم العلاج فيها بصورة سريعة، ولكن هذه الحلول تستوجب مزيداً من الإشراف للوصول لجميع الوحدات. ? من خلال متابعتنا على المستشفيات وجدنا عدم إمكانية من أجهزة ومعدات طبية تنعكس سلباً على الطبيب، والمريض في المقام الأول؟ = نعم نحن لم نصل حتى الآن الى توفير معظم المعدات للمستشفيات وما زالت هناك بعض الفجوات ونقص في المعدات.، ولكن لا نستطيع إنكار أن بيئة العمل من حيث توفير المعدات تحسنت كثيراً خلال السنوات الأخيرة.