(بالساحق و الماحق) متبوعاً في رواية ب (البلاء المتلاحق) : جملة محلية شائعة الاستخدام، لوصف الحال حيناً، وللدعاء على الآخر أحياناً .. وهي تعني في مطلق الأحوال زوال المادة، أو (فناءها) دون وجه انتفاع يذكر ! .. و..(السحق) و (المحق) عند المتصوفة هو أيضاً (فناء) .. أو (موت) .. إنما ليس على طريقة (البلاء المتلاحق) .. بل على مدارج الانفصال عن حياة العامة لبلوغ مقام الموت الخاص .. «الموت الإرادي» ! .. وعليه فالدعاء (بالساحق والماحق) بحسبهم هو ليس دعاءاً عليك، وإنما دعاء لأجلك .. بماذا ؟! .. ب «ذهاب كثافة المادة التي تحجب روحك .. ثم دخولك بعدها في حالة من الفناء الكلي : «دخولك في حجر الرحمن» ! .. في أدب المتصوفة، قصيدة بعنوان (هو الله فاعرفه) لشاعر أظنه (أبو مسلم البهلاني) يقول في وصف من بلغوا هذا المقام/المعنَى : « .. تَبدَّت لهم أكوانهم فتبدَّدت .. نفوسهم في السحق والمحق أنفذت .. إذا فارقت غورا من الدمع أنجدت ..إلى آخر القصيدة ! ..” (سوداننا) هذا هو بلد التصوف بكثافة، وامتياز .. تصوف أهله في تزايد مستمر . لاحظ استثمار القوى السياسية لنفوذ الطرق الصوفية في معاركهم السياسية .. ف التصوف إذاً، جزء من تركيبة الشخصية السودانية .. جزء ظل خاملاً عند الكثيرين في تقديري إلى أن أزكته وأججته متغيرات الوضع السياسي و ضاغطات الوضع الاقتصادي .. حتى صار المواطن يفضل الهرب من الموت العادي أو الاضطراري بلغة الصوفية بصوره العديدة التي باتت تخيم على عالمه، إلى الموت غرقاً/ تصوفاً : (سلك طريق الأسرار سعياً في طلب المعنى) ! .. ترى .. ما الذي طرأ على الموت العادي في السودان ف (شرَّد) الناس إلى موت الصوفية ؟! .. ما الذي حدث لموتنا نحن .. (موت الله والرسول) الذي قال عنه (الحسن البصري) : “.. فضح الموت الدنيا .. فلم يترك لذي عقل عقلاً ..” ؟! .. تغير الموت في السودان.. تشوهت معالمه .. أضحى مبتذلاً ..رخيصاً .. و بلا ثمن ! .. حوادث الموت عندنا هذه الأيام هي قبلة للدارسين الاجتماعيين، والباحثين النفسانيين .. هي دراسة القرن .. هي ضالة الذين ينبشون في صور الموت كدلالة على المتغيرات السلوكية في الشخصية السودانية ! .. حوادث القتل التي باتت حديث الناس، وصفحات الجرائد .. لا تشبه الشخصية السودانية التي كنا نعرف .. أدوات القتل .. سيناريوهات الجرائم .. ملامح وتفاصيل علاقة القاتل بالمقتول .. ردود الأفعال (المميتة) ! .. الموت في السودان لم يعد مصيبة : بل دلالة .. دلالة على إفلاس سياسي يستخدمه الساسة في معرض تنديدهم بفشل الآخر في توفير الأمن .. دلالة انحطاط أخلاقي (لاحظ المتاجرة بالموت والشماتة في تراشق الساسة بشان حوادث الموت عبر وسائل الإعلام) ! .. بات الموت دلالة انحراف سلوكي .. دلالة عنصرية (نظرة الواحد منا إلى موت الآخر باتت محكومة بدرجته في سلم الانتماء العرقي) ! .. الموت في السودان لم يعد مصيبة، بل دلالة قسوة/جمود عاطفي (تبددت رهبته .. وأريقت حرارة الفقد والحزن على مذابح التباهي، وسرادقات العزاء الفاخر) ! .. لاحظ معي : أن أمتع جلسات (الونسة) .. النكات الجديدة .. الفضائح الاجتماعية .. النميمة السياسية .. قد أصبح اليوم مكانها الوحيد هو : بيوت البكاء ! لاحظ معي .. ثم ترحم على الموت !