إذا كانت أنظار العالم تتجه إلى مكافحة القرصنة في أرض الصومال وجوارها الجغرافي في شرق القارة المطل على البحر الأحمر - فإن أزمة دلتا النيجر في ساحل خليج غينيا في الغرب الأفريقي، ليست أقل خطورة من الأولى، وهي قابلة للانفجار في أية لحظة. ويبلغ سكان ولايات دلتا النيجر التسع حوالي (30) مليون نسمة من إجمالي عدد سكان نيجيريا البالغ نحو(140) مليوناً وفقاً لإحصاءات العام2006 م. وطبيعة الجغرافية لمنطقة دلتا النيجر تحتضن معظم احتياطيات النفط والغاز النيجيرية.. ومنذ 1975م يستخرج من باطن أراضيها حوالي مليوني برميل يومياً. أي هي مسؤولة عن (75%) من عائدات تصدير النفط. ولا شك أن أهمية المنطقة في ظل سياسات الطاقة العالمية تتجاوز البعد الوطني والإقليمي لترتبط بأمن الطاقة على الصعيد العالمي.. وقد مضت سنوات عدة من تبني الديموقراطية في نيجيريا، غير أن الحكومات المتعاقبة لم تفعل شيئاً يذكر من أجل تطوير منطقة دلتا النيجر وتحسين حياة سكانها. بل زادت التهميش السياسي والاقتصادي بجانب غياب الأمن وانتشار الفوضى، الأمر الذي أدى الى تصاعد الاحتجاجات منذ أواخر التسعينيات من القرن المنصرم، من قبل مجموعة تسمى نفسها «حركة تحريردلتا النيجر»، مطالبين بحقوقهم الاقتصادية من الموارد النفطية.. وقد اتخذت هذه المطالبات طابعاً عنيفاً مثل اختطاف الرهائن والتفجيرات، والاشتباكات المسلحة وسرقة النفط من خطوط الأنابيب وبيعه بشكل غير شرعي في أسواق غير تقليدية. مما أدى إلى تقلص إنتاج نيجيريا من النفط بنسبة لا تقل عن. (20%)، وقد فسربعض المحللين هذا المسلك بأنه دوافع إجرامية ترتبط بعصابات ومافيات مسلحة هدفها الإثراء السريع بشكل غير مشروع . في السياق تجدر الاشارة الى أن موجة العنف التي تشهدها أجزاء مختلفة في نيجيريا، في الحقيقة ليس سببها الأصولية الإسلامية أو المسيحية، وليس الصراع الأخير بين قوات الأمن النيجيرية ومسلحين في دلتا النيجر مجرد اندلاع مواجهات أعمال العنف، كما صورتها بعض وسائط الإعلام العالمي، بل كانت ردود فعل عنيفة لظاهرة الفقر المدقع، وكافة أشكال الحرمان في أنحاء متفرقة من البلاد. وقبل عقد من الزمان، كان الاعتقاد السائد آمالاً كبيرة لدى سكان المنطقة أن الاستقلال هو نهاية لعهد من المعاناة، وتوفير مياه شرب نظيفة، وشبكة كهرباء متطورة، وطرق معبدة وآمنة، وانخفاض معدلات الجريمة، غير أنه كان بداية لمرحلة البؤس، ومع عودة الديموقراطية، ازدادت الأوضاع سوءاً، فالتنمية محصورة في المستويات العليا. ولك أن تتخيل - أن نمط الحياة الفخم الذي يعيشه أغنياء هذا البلد وأصحاب النفوذ فيه مما جعل حياة الغالبية العظمى من الشعب تزداد سوءاً عاماً بعد عام. على الرغم من أن نيجيريا تحتل المرتبة الثالثة عشرة، وبعض المصادر تقول السادسة على قائمة أكثر الدول إنتاجاً للبترول، ومع ذلك فان الاحصائيات تؤكد أن واحداً من بين كل اثنين من سكانها يعيش بما يوازي (30) سنتاً في اليوم الواحد، فيما (7%) من مواليدها يموتون قبل اتمام السنة الأولى من العمر بسبب الأمراض، وتضيف التقديرات أن (38%) فقط من السكان يتحصلون على مياه نقية، وأن هناك طبيباً واحداً لكل (6440) مواطناً، وأن نسبة الأمية تقترب من ال (50%) من السكان. وديونها الخارجية بلغت (34) مليار دولار، وهي في قائمة البنك الدولي من حيث مستواها المادي وتحتل الترتيب رقم (199) بين مجموع دول العالم البالغ (209)، ويرى المراقبون أن اضطراباً إثنياً أو طائفياً أو دينياً في نيجيريا هوالذي يبرر وجود قوات تحمي منابع النفط مثلما نراه حالياً، من ظاهرة التنافس بين كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين والدول الأوروبية، حيث ترى أوروبا وعلى رأسها بريطانيا أنها أحق ببترول المنطقة لكون نيجيريا مستعمرة بريطانية سابقة ولعضويتها في رابطة الكومنولث، وبسبب الوجود القديم لشركات البترول البريطانية مثل شركة شل العالمية في هذه المنطقة التي تعتبر أغنى منطقة بترولية في غرب أفريقيا. ويرجح المحللون أن هذا الاهتمام الغربي لن يجلب لنيجيريا إلا استغلال ثرواتها، وتحويلها إلى مسرح لصراعات وتطلعات الدول الكبرى لفرض سيادتها على البترول الأفريقي والثروات المعدنية الأخرى. ومن أجل إعادة السلام والطمأنينة في نيجيريا وبالتحديد منطقة دلتا نهر النيجر، أعتقد أن الحكومة النيجيرية بحاجة إلى انتهاز الفرصة لتنفذ على وجه السرعة وبشكل إيجابي احتياجات ومطالب أساسية لسكان الدلتا من النفط، وإصدار عفو عام والبدء بإجراءات تسريح المسلحين.. وذلك لتبديد الشكوك المتزايدة في الدلتا، وتجنيب المنطقة المزيد من العنف والجريمة المنظمة. وفي الوقت نفسه يجب على الحكومة أن تقنع سكان الشمال بأن هذه الاستراتيجية يمكن أن تخدم مصالحهم الوطنية. ومن الخطأ إذًا النظر إلى الأزمة النيجيرية المستمرة من منظور فكرة التيار الإسلامي المتشدد الذي يجب استئصاله. وهناك بعض الدوائر التي تتخذ التركيبات العرقية والدينية للشعب النيجيري لتأجيج الصراعات يضاف إليهما عنصر الإرهاب الذي بدا التلميح به مؤخرا من أن تنظيم القاعدة اتخذ نيجيريا قاعدة للانطلاق في هجماته يوم 11 سبتمبر على الولاياتالمتحدة. كل هذه المبررات وفقا للمحللين هي بمثابة ورقة الضغط الذي يحرز أفضل النتائج لتنفيذ مطالب الدول الكبرى من نيجيريا التي يؤدي رضوخها إلى السيطرة على منطقة غرب أفريقيا بكاملها. ? كاتب غيني