كوب عصير (فريش)..وبعده كوب شاي بالحليب خالٍ من السكر، لدواعي الحذر الصحية، يسبقان جلسة (القراية) الصباحية للسيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي بمنزله في الملازمين، فبحلول الساعة الثامنة صباحاً، تكون على طاولة مكتبه أكثر من خمس وعشرين صحيفة سياسية واجتماعية ورياضية وانجليزية، لا يمر عليها مرور الكرام كما يقول مدير مكتبه بل (يقراها زي الممتحن شهادة سودانية)..شغف الإمام بمتابعة الصحف اليومية لا يقتصر على المحلية فقط بل يمتد ليشمل صحيفتي «الشرق الأوسط» و«الحياة» اللندنيتين، إلى جانب الصحف المصرية، ومجلتي «نيوزويك» و«التايم» الأمريكيتين، وبالطبع المجلات المصرية المعتادة...أما اللافت فهو مداومته على اقتناء نسخته الخاصة من مجلة «طبيبك الخاص» الشهرية منذ سنوات. --------- يخيل للبعض أن رجلاً كالصادق ليس لديه ما يكفى من الوقت للقراءة، وتتحول هذه التخيلات والظنون أحياناً إلى أسئلة ساخنة ومباشرة..مثلما حدث العام الماضي عندما كان الصادق يقدم أحد كتبه بقاعة الشارقة في جامعة الخرطوم، وصادف أن كان آخر الكتاب ممتلئاً بالمراجع التي أخذ عنها الإمام، فوقف أحدهم وسأل: متى وجد الصادق الوقت لقراءة كل هذه المراجع..؟؟ السيد الصادق الذي بدأ يركز في قراءته مؤخراً على كتب العلاقات بين الإسلام والغرب، ربما بسبب مشاركاته العديدة في مؤتمرات تناقش تلك القضية، يمضي وقته داخل مكتبه بالمنزل في واحد من اثنين، القراءة أو الكتابة، ويقول مدير مكتبه إنه لا يجده إلاّ في إحدى الحالتين حين يدخل عليه، الإطلاع لا يلازم الإمام داخل بيته فحسب، لكنه ينتقل معه إلى السماء أيضاً، فما أن تقلع الطائرة لتقله في أسفاره حتى يفتح (شنطته) ويخرج كتاباً ما ليقرأه، خاصة عندما تكون الرحلة طويلة كما هو الحال عندما يسافر بين القاهرة وواشنطن على مدى أحدى عشرة ساعة. مكتبة الإمام تضم حوالي عشرين رفاً وكتباً تتوزع على العربية والإنجليزية، وتضاف لها مجموعة جديدة مع كل رحلة إضافية لصاحبها الذي لا يفضل قراءة نوعية محددة من الكتب وفقاً لمحمد زكي مدير مكتبه بل يقرأ في مختلف الاتجاهات العلمية والأدبية والفكرية والرياضية والدينية. لا يختلف محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي عن الصادق المهدي فقط في كونه من اليسار، وهذا من اليمين، وإذا كانت قراءات الأخير تشمل مجالات كثيرة بتركيز في الآونة الأخيرة على قضايا الإسلام والغرب فإن قراءات الأول معظمها في الفلسفة والعلوم الاجتماعية، أي أنها تدور في نهاية المطاف حول الماركسية وغيرها من الفلسفات والنظريات الاجتماعية، ونقد الذي يقرأ الآن كتباً تتحدث عن تاريخ السودان، وبالتحديد تاريخ الطرق الصوفية فيه، يحرص على أن لا يفوته أي كتاب جديد في نقد الماركسية، ولا يقتصر إطلاعه على الفلسفات فحسب بل يمتد ليشمل القصص والشعر وغيره من المؤلفات الفكرية والأدبية، كما يمتلك الرجل كراسة يضعها بجانبه أثناء قراءة الكتب ذات المادة الكثيفة، ويدون عليها ملاحظاته خشية أن ينساها. سكرتير الحزب الشيوعي الذي يقرأ هذه الأيام كتاباً بالانجليزية بعنوان العولمة، ألفه خبير سابق في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، يبدأ يومه بشاي الصباح و(تيرمس) قهوة يوضع بجواره يصب منه لنفسه بين الحين والآخر، ويقرأ في أوضاع جسدية مختلفة، فبينما تغلب عليه قراءة الكتب ذات المادة الكثيفة جالساً، يفضل في أحيان أخرى مطالعة المجلات وهو مستلقٍ على العنقريب، ولا تختلف المجلات التي يطالعها عن تلك التي يداوم عليها المهدى، وتأتي في القائمة مجلة «النيوزويك» الأمريكية، والمجلات المصرية، «روز اليوسف» بالتحديد، إلى جانب المجلات اللبنانية، مصادر الكتب بالنسبة لنقد قد تكون الاستعارة من صديق، وفي الغالب هي حصيلة جولة تطول أو تقصر في المكتبات أثناء هذه الزيارة أو تلك، لكن الفترات التي قرأ فيها أكثر من غيرها، مثله مثل آخرين، كانت فترات الاعتقال، فالمعتقل محدود، ما يدفع المرء لمحاولة فك ذلك الانحصار بشيء ما، يختار البعض أن يكون الثرثرة، وآخرون يلعبون الورق، بينما يختار هؤلاء الكتب. المعتقل، كان مكاناً ملائماً للقراءة بالنسبة للشيخ حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي أيضاً، فمن المعروف أنه تعلم بعضاً من اللغات العديدة التي يجيدها في فترات الاعتقال، ليس ذلك فحسب لكنه وجد في المعتقل التفرغ اللازم للتأليف، فكتب من داخله، ويمتلك الترابي مكتبة ضخمة في منزله بالمنشية، ويصفه الصحفي خالد التيجاني مدير مكتبه من قبل بأنه يقرأ في قضايا مختلفة..كأصول الفقه وقضايا الفكر الإسلامي التي تمثل له تحدياً كزعيم سياسي، كما أن مصادر كتبه تتنوع ما بين تلك التي يختارها بنفسه وبين آخر الكتب التي يرفده بها تلاميذه المنتشرون في مختلف المناطق، خاصة وأنه يجيد لغات عديدة تمكنه من القراءات المتوسعة. ويمضي التيجاني إلى أن المداومة على الإطلاع ليست سمة مستمدة من الزعامة بل هي نزعة شخصية تميز صاحبها. جون قرنق، زعيم الحركة الشعبية الراحل يقول البعض إنه كان عقب الغروب في منزله بنيروبي الكينية يغمر ساقيه في طست ممتلئ بالماء، ويبدأ القراءة، وبينما يسود اعتقاد بأن كثيراً من السياسيين ليست لهم علاقة تذكر بالاطلاع، ولا تتعدى قراءات الواحد منهم عناوين الصحف اليومية أو بعض عناوين الكتب التي تقع في يده كيفما اتفق، عرف سياسيون آخرون بكثرة الاطلاع، أمثال غازي صلاح الدين مستشار الرئيس المهتم بقضايا الفكر الإسلامي والذي يقال انه يصر على استقطاع جزء من وقته المحدود اما في قراءة كتاب جديد او اعادة قراءة آخر كان قد قرأه من قبل اذ ربما تظهر له بعض الجوانب التي خفيت عليه عند القراءة الاولي، وذات صفة الاهتمام بقضايا الفكر الاسلامي تنسب للدكتورأمين حسن عمر الى جانب ولعه بالادب. «جرأة الأمل»، و«أحلام من أبي»، كتابين ألفهما باراك أوباما الرئيس الأمريكي أثناء حملته للترشح للرئاسة، عكس فيهما تجربته وأفكاره وبرامجه التي سيطبقها في حالة فوزه بالرئاسة، ويداوم السياسيون في الغرب على إصدار كتب تتضمن مواقفهم وأفكارهم من القضايا المطروحة، ورغم أن فئة من السياسيين السودانيين يداومون على الاطلاع، ويمتلك بعضهم معارف موسوعية، إلا أن خالد التيجاني يتساءل عما إذا كانت هذه المعارف والتجارب المقروءة قد تم هضمها واستيعابها في برامج حزبية واضحة المعالم، أم أنها بقيت حبيسة في الأذهان؟