عندما آلت مكتبته لجامعة الخرطوم شاركت مع آخرين في عمليات التصنيف والفهرسة وأذكر أن البروفسور عبد الرحمن النصري قد أصدر قراراً بإشراك جميع العاملين بالمكتبة بالمشاركة في تلك العمليات بحيث يكلف كل شخص من العاملين في مجال الفهرسة والتصنيف. بالحضور إلى مكتبة التجاني الماحي بعد الساعة الثانية عشر ظهراً وأن يعمل كل فرد في تصنيف عدد 25 كتاباً وله أن يخرج بعد ذلك قبل نهاية يوم العمل ولكن عليه أن ينتظر بعد الثانية إذا لم ينجز العمل. وقد أدى هذا الإجراء إلى إنجاز العمل في وقت وجيز نسبياً وكنت استفيد من المتبقي من الوقت بعد انجازي للمقطوعية في الإطلاع والنظر في تلك المؤلفات والطبعات النادرة وكان عدد الكتب يفوق العشرين ألف مجلد وتم ختمها وتسجيلها وتصنيفها وإعداد فهرس خاص لها (مؤلف) وآخر(بالموضوع) للمجموعات العربية والإنجليزية. وكانت كل مجموعات الكتب تحمل ديباجة خاصة مكتوب عليها الآية القرآنية الكريمة «ربي زدني علماً» «التجاني الماحي» وكانت هذه علامة مميزة لكل المجموعة. كان من الملاحظات التي تلفت أنظارنا أن الكثير من الكتب بها كتابات على الهوامش وخطوط بخط التجاني مما يؤكد إطلاعه وقراءاته لتلك الكتب. فلم يكن من هواة جمع الكتب للزينة أو الفرجة بل كان قارئاً نهماً. فقد لاحظ وكتب الكثيرون أن التجاني كان دائماً يشاهد وهو يحمل كتباً.. مما أوحي للمثال عبد الرزاق عبد الغفار الذي نحت تمثال التجاني الماحي جعله جالساً متأملاً وممسكاً بكتاب بيده . من الكتابات الباكرة عن مكتبة التجاني الماحي ما خطه يراع زميلنا المرحوم الأستاذ أحمد يس نابري والذي كان يعمل رئيساً لقسم التزويد بمكتبة جامعة الخرطوم والذي كان مسئولاً من استلام المكتبة وضمها وتسجيلها وقدر له أن يكتب مقالاً عنها بمجلة الدراسات السودانية - العدد الأول المجلد السادس فبراير 1981م ص 135- 151 بعنوان «العلامة التجاني الماحي ومكتبته»والذي قدم وصفاً للمبنى ولمحتويات المكتبة والتي شملت (المخطوطات مجموعة كتب السودان مجموعة الفلسفة والدين والتفاسير اللغة العربية والشعر كتب العلوم كتب الطب علم النفس التاريخ مجموعة المراجع خطابات غردون ولفنغستون قصاصات الصحف الدوريات الخرائط الكتب النادرة التحف). وقد أورد بالأرقام إحصاء كل مجموعة ووصفاً وتعليقاً للمجموعات. كانت مكتبة التجاني الماحي والتي تحتل جانباً من الطابق الأرضي الجنوبي الغربي من مبنى المكتبة الرئيسية بجامعة الخرطوم وهي تجاور مكتبة الشنقيطي حيث تشترك معها في مدخل واحد وما زال الوضع ما كان عليه سابقاً. وكانت في البداية يسمح للقراء من طلاب الدراسات العليا والأساتذة بالدخول والجلوس داخل المكتبة. حيث تستخدم المكتبة نظام الأرفف المفتوحة وهو النظام التي تسير عليه مكتبات جامعة الخرطوم عدا قسم خاص في نهاية المكتبة مغلق يحتفظ فيه بمجموعات من المقتنيات النادرة والأناتيك بما في ذلك الكرسي الذي أهدته جامعة كولمبيا الأمريكية للراحل. تميزت مكتبة التجاني الماحي بأنها مكتبة متنقاة حيث تحس بأن صاحبها كان يختار مجموعاتها بعناية في كل علم من العلوم التي تخصص فيها أو كان يقرأ عنها فالفقيد كان صاحب معرفة موسوعية واسعة فلذلك جاءت مكتبته تحمل سمات تلك الموسوعية فهناك كتب في كل لون من ألوان المعرفة. كما تميزت المكتبة بتنوع الطبعات فقد كان حريصاً أن يحصل من بعض الكتب على عدد من النسخ تمثل طبعات مختلفة وبلغات متعددة فمثلاً كتاب«السيف والنار لسلاطين باشا» الذي صدرت طبعته الأولى باللغة الألمانية ثم ترجم إلى اللغة الإنجليزية وفي طبعات مختلفة جمع منه حوالي خمسة عشر نسخة. أو مجموعة الكتب التي لبثت عن غردون بعد مقتله التي زادت عن الخمسين كتاباً كان حريصاً على كل طباعتها وبكل اللغات التي صدرت بها ، كما كان مهتماً بكتب المهد وهي الكتب التي طبعت في طبعات باكرة حيث يعود بعضها إلى بدايات القرن السادس عشر والسابع عشر (بدايات عصر الطباعة)