روائيون ضالون آية تغول الكاتب ان يأتي إلى مضمار الكتابة الروائية من تخوم نائية عن الكتابة في اطلاقها ويستدعى ذاته إليها من سفوح لغوية وتعبيرية لا ترقي إلى الانشاء اللغوي البسيط حول العادي واليومي والمباشر في اداء سليم على مستوى الشكل أو المحتوى. ويبدو بدهياً ان الكتابة تتأتي عن تورط قدري فادح، فوق العادة في معجرة اللغة، وتوفر على معرفتها وبحث في امكاناتها التعبيرية في الحقيقة والمجاذ. ويبدو ان هذا البحث هو الصفة الاساسية للكتابة الابداعية التي تقتضي، فوق سلامة اللغة، القدرة علي استثمارها ومفاقمتها الى مستوى الايحاء والتأثير، وهذه آية الادب والتي يكدح إليها كل جنس ادبي، ويكدح لها الفن الروائي كأحد تلك الاجناس مضيفاً خصيصته الاساسية كفن في خلق العوالم أو كشفها على وجه الدقة، وعلى قول عيسى الحلو: «الرواية التي لا تكشف، تخون». أي تخون جنسها كرواية. بمعنى آخر، تكف عن كونها رواية. ولقد ضلل عنصر اساسي في الرواية هؤلاء الكتاب الذين وصفناهم بالمتغولين وألقى بهم في هذا التيه السردي، وهذا العنصر هو عنصر الحكاية. إذ يدخل اولئك إلى هذا المضمار من بوابة الالتباس بينه وبين عنصر الحكاية المخاتل والمضلل كأبي «طبة» لسائقي الشاحنات الغرب، في الزمن الجميل. وقطعاً فالحكاية ليست هي الرواية، تلك العجوز التي هي صنو الخرافة وطفولة الوعي الانساني والتي عبثا تحاول الرواية التخلص منها وكادت، إلا انها استبقتها لضرورتها لهويتها لدى قطاع كبير من مساحات التلقي. ولتراجع التلقي المستبصر. المستغلي بحساسيته عن طفولية الحكاية وعموماً لم تعد الحكاية الا مشجياً لعروض الايحاءات الروائية المؤثرة. وليس التدليل علي ثانوية الحكاية داخل بنية الرواية مما يتعدى مواضعات البداهة، ولكن نسوق مثالاً بسيطاً يبدو اطنابياً إزاء هذه المواضعات. فاذا اخذنا رائعة جارسيا ماركيز الموسومة ب «سرد احداث موت معلن» على سبيل المثال من شقها الحكائي فحسب، نجد انها مجرد جريمة قتل بسبب الشرف مما يحدث على مدار الساعة في اصقاع الدنيا «وصعيد امها خاصة؟»، مما تنوء به دفاتر التحقيقات الشرطية وصحافة الاثارة. ولكن دفع قدرات ماركيز الروائية بطيارة ورق الحكاية هذه الى سموات التجاوز والفذاذة. هذا من أمر آية الكاتب الروائي المتغول. ونحسب ان تدني الاستعداد الأولى عنده للأداء الابداعي في اللغة وولوجه الملتبس إلى مضمار الرواية لهو مما يعد من اشكالات ما قبل الكتابة وهي المنزلق الذي يطيح بالكاتب مباشرة، وعلى عتبة السرد، الى هاوية السرد الردئ، الذي تسقط فيه الرواية ويبقى صوت الكاتب التغولي الاجش مسقطاً حمولاته الذاتية علي مفاصل السرد وصفا وحواراً وبناء شخصية. ويتشح هذا الكاتب تلقائياً بمزايا التغول السالبة والتي تدفع بالنص الروائي إلى البوار والمحق. إن الرواية كبناء لغوي تعلو به ثلاثة اصوات بل هو تكوين من مادة هذه الاصوات وهي صوت الراوي، وصوت الشخوص علي خلفية صوت ثالث يبلغ من الخفوت ورجة بعيدة من التجريد تجعله محض صوت افتراضي ف يغاية الخفاء وتحتم وجوده الغيابي، اذا صح التعبير، استحالة قيام كتابة بلا كاتب فحسب، لذا سمحي هذا الصوت بالصوت الثالث ترتيباً مع الصوتين الآخرين. ينبغي الاشارة هنا الى ان صوت الكاتب هو بالضرورة ليس من الاصوات التي تحيا داخل النص وإنما من صوت افتراضي كما اسلفنا في غاية الخفاء مكونات السرد وعلاقاتها وفق مشيئة الكاتب، حسب فكره ووجدانه لا على ما يقتضيه تساوق السرد وانسجامه.