قرر الرئيس عمر حسن أحمد البشير إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والذى صدر صباح الأمس ... كان قراراً تاريخياً أدخل الفرحة فى نفوس كل أهل السودان عامة ناهيك عن أهل وأسر المعتقلين . والقرار له أكثر من معنى ... أول هذه المعانى هو جدية الحكومة فى الدخول إلى مرحلة التحول الديمراطى التى أعلنها الأستاذ على عثمان محمد طه فى مؤتمره الصحفى الشهير الإسبوع الماضى . القرار الشجاع أدخل الكره للمره الثانية فى ملعب المعارضة ... والتى رحبت به ... ولكنها (لكنته) ، بعبارة متمنية تنفيذه على أرض الواقع .مشكلة المعارضة أنها تشكك فى أى وعود تقولها الحكومة .... وأن الثقة بينها وبين الحكومة منعدمة تماماً ... ولكن فى تقديرى أن المعارضة كما سبق أن ذكرت أنها تريد الكيكة كلها ... وتريد من الحكومة إخلاء كل المقاعد لها لتحكم هى ، وهذا أمر مستحيل . لقد كتبت مرات عديدة وعقب المؤتمر الصحفى للنائب الأول وآخرها أمس الأول مطالباً الحكومة بإتخاذ إجراءات تعيد الثقة بينها وبين المعارضة ... وأن تبادر بإطلاق سراح كافة المعتقلين لتؤكد جديتها فى التحول الديمقراطى ، وبالأمس فعلها السيد الرئيس ، وهى خطوة مهمة وجادة نحو سودان خال من الحروب ، وسودان موحد ، وسودان ديمقراطى . الرئيس لم يكتف فى خطابه أمام البرلمان أمس والذى إفتتح دورته البرلمانية الجديدة ... لم يكتف الرئيس بقرار إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، وإنما جدد إلتزام حكومته بالحوار الوطنى . وبعد هذه الخطوة المهمة التى نأمل أن تكون قد أدخلت الطمأنينة فى قلوب المعارضة ... وأكدت لها صدق الحكومة فى بناء حوار جاد يفضى إلى بناء جبهة وطنية داخلية قوية متماسكة ، جبهة سياسية تعمل على وضع دستور قوى ديمقراطى لمجابهة المرحلة المقبلة . وعلى المعارضة أن تبدل إستراتيجيتها المعارضة للنظام وأن ترد التحية بأحسن منها ، إن كانت فعلاً ترغب فى المشاركة فى حكم البلاد ... وفى التصدى للتحديات التى تواجه الوطن . إن الحروب ... لا تحقق أهداف أى طرف من الأطراف المختلفة ، وإن الحوار هو الذى يحقق حتى الأمانى المستحيلة ... ناهيك عن الأمانى العذبة . لقد أصبحت مشاركة القوى السياسية المعارضة فى كتابة الدستور الجديد أمرا تفرضه الوطنية الحقة وواجب عليها حتى تضع دستوراً يحقق أمانيها وأمانى الشعب السودانى ... ويحقق مطالبها المشروعة ... وتقول ما تريده من الدستور . وهذا لن يتم إلا إذا شاركت المعارضة مشاركة فعلية فى لجان الدستور ، خاصة أن بين صفوف المعارضة علماء فى الفقه الدستورى وغيره ... يجب أن يصبحوا إضافة حقيقية إلى لجنة الدستور . وأتوقع أن يصدر سيادة الرئيس قرارات أخرى تمهد الطريق أمام المعارضة للإلتحام بالحكومة أكثر وأكثر ... وتشاركها الهم فى حكم الوطن ... وفى رصف الطريق إلى مجتمع ديمقراطى سليم كانت المعارضة تناضل من أجل بنائه . الآن الفرصة أتيحت بشكل كامل للمعارضة لتقول ما تريد عبر المؤسسات القانونية والمؤسسات الأخرى ... ويجب عليها أن تعمل بجدية كاملة لاستثمار الفرصة التى أتاحها الرئيس ، وبرغبة من أهل السودان ... وليس بسبب ضغوط أجنبية كما يدعى البعض ، خاصة أن هذا القول الأخير يدحض اتفاق الحكومة وحكومة الجنوب ، ذلك الاتفاق الذى أغلق كافة الثغرات التى يأتى منها الموت والهواء الساخن . فقط ينبغى للحكومة معالجة أمور النيل الأزرق وجنوب كردفان ... وما تبقى من حركات فى دارفور ... وإذا نجحت فى هذا الأمر تكون قد حققت أمانى الشعب السودانى وأشواقه فى الأمن والحياة الحرة الكريمة . وفى تقديرى أن كل هذا سيأتى قريباً وقريباً جداً ... فقط علينا أن نمنع الأبواق التى تحرض هذه الجهات على عدم الدخول فى مصالحة وتسويات مع الحكومة لأغراض شخصية لا علاقة لها بمصالح أهل تلك المناطق . نحن فى إنتظار العديد من القرارات السارة والتى توصل أهل السودان إلى شواطىء الأمان الكامل . والله الموفق وهو المستعان .