كسر حزب المؤتمر الوطني الحاكم، عادته وما تكرس كانطباع سائد عنه، بصلابة مؤسسته التنظيمية المستمدة من شخصية القائمين على ملفه التنظيمي لتشهد كواليس الحزب السرية تفاعلات بلغت سخونتها حد تعديل اللوائح والقوانين بما فيها تلك المقيدة لأمد رئيسه على المستويين الحزبي والرئاسي وفقاً لدستوره، وعلاقتها تحديداً بترشيح الرئيس الحالي عمر البشير لدورة رئاسية جديدة. الوطني ربما أراد إغلاق الباب نهائياً وبإحكام، أمام عمليات التسريبات المتلاحقة حول انعقاد مؤتمره العام ومن ثم الجدل المحتدم حول ترشيح الرئيس البشير لدورة رئاسية قادمة من عدمه، بجانب دورة رئاسته للحزب نفسه، ونقلت تقارير إعلامية أمس، أن اجتماع المجلس السياسي للوطني أجرى تعديلاً على لوائح الحزب الداخلية بحيث تسمح بالتمديد لفترة رئاسية أخرى للرئيس عمر البشير. القرار حرك مياه الخرطوم الساكنة ونقلها من الحديث عن الحرب في أطراف البلاد الغربية، إلى مربع اللعبة الديمقراطية والسياسية بالبلاد، وأثار جدلاً كثيفاً بين مؤيدين للخطوة وبين رافضين لها يؤمهم قيادات المعارضة وبين فريق ثالث يذهب إلى أن الأمر برمته شأن تنظيمي داخلي يخص الحزب الحاكم يمنع فيه (الاقتراب والتصوير). د. علي السيد الخبير القانوني والقيادي بالحزب الاتحادي الاصل، يرى أن الصراع السياسي حال ضرب شرايين المؤتمر الوطني فإنه سيضر بالحياة السياسية، خاصة في هذه الفترة التي تعاني فيها الأحزاب السياسية بالبلاد من اضطرابات تنظيمية متعددة وصراعات مختلفة، وقال السيد ل (الرأي العام)، إن المؤتمر الوطني يعاني من ظروف خاصة بداخله تجعله يصر على ترشيح الرئيس البشير لدورة أخرى في الانتخابات المقبلة، قاطعاً بأن الدستور الحالي لا يسمح بالترشح لأكثر من دورتين رئاسيتين إلا عبر تعديل الدستور الانتقالي الساري، وبموجب التعديل يسمح دستورياً للرئيس البشير الترشح لدورة رئاسية أخرى، لجهة أن المادة (57) من الدستور الانتقالي تنص صراحة على أن أجل الدورة (5) سنوات ويسمح فيها لولاية ثانية. وبرغم معارضته الصارخة سعى السيد لتأكيد الموضوعية في رؤيته أو تحرياً للدقة تحليله بذهابه إلى أن ترشح البشير للرئاسة يضمن استقرار البلاد، خاصة وأن الرجل لا توجد عليه مآخذ سياسية، بجانب قبوله من القوات المسلحة، ويرى في المقابل أن عدم ترشحه سيدخل البلاد في خلاف لا حصر له. ورسم السيد ملامح ما سيحدث في المرحلة المقبلة على صعيد الدستور، خاصة فيما يتعلق بترشيح البشير للدورة الرئاسية المقبلة، وأوضح أنه من الممكن تخطي المادة (226) في فقرتها التاسعة من القانون الانتقالي لعام 2005م والتي تنص على أنه لا يسمح الترشح لأكثر من دورتين رئاسيتين إلا بتعديل الدستور عبر البرلمان، خاصة وأن الوطني يحمل حقيبة الأغلبية فيه، وقال السيد إن الوطني يمتلك الحق في تعديل الدستور حتى التوافق على دستور دائم. لكن بروفيسور إسماعيل الحاج موسى الخبير القانوني، والقيادي بالمؤتمر الوطني، أكد أن اجتماعات المجلس القيادي للمؤتمر الوطني عملت على المزاوجة بين لوائح الحزب والدستور، ومددت دورة الحزب حتى أجل الانتخابات المقبلة، وقطع الحاج موسى ل (الرأي العام)، بأن الدستور الحالي لن يكون موجوداً في الانتخابات المقرر لها العام 2014م، وأكد أن ما تم في اجتماعات المجلس حسم تعديل اللوائح الخاصة بالحزب، سيما في الجانب المتعلق بنسب القطاعات والتصعيد من الولايات، لكنه نفى أن تكون اجتماعات المجلس ناقشت مسألة تمديد رئاسة الحزب، لجهة أن كل الملاحظات انصبت على تكوين المؤتمر العام ونسب التصعيد وتكوين القطاعات في يومها الأول. تعقيدات قضية ترشح الرئيس البشير لولاية أخرى خاض فيها عدد من قيادات المؤتمر الوطني من قبل أبرزهم د. غازي صلاح الدين الذي أكد على ضرورة تعديل الدستور للمواءمة بين ترشح البشير والدستور، فيما قال د. ربيع عبد العاطي ل (الرأي العام) وقتها، إن الأمر يحتاج لفتوى قانونية، وخالفهما د. قطبي المهدي فيما ذهبا إليه، وأيد بقوة ترشح البشير لولاية أخرى وأمن على سلامة الجوانب القانونية في المسألة. على كل، فإن عددا مقدرا من عضوية وقيادات المؤتمر الوطني والمعارضة يرون أن سلامة البلاد في ترشح البشير لدورة رئاسة ثالثة بغض النظر عن مواضع الخلاف الدستوري، ويستدلون فيما ذهبوا إليه بأن البشير يعد ضامناً أوحد لعدد من الاتفاقيات الدولية، والمحلية والإقليمية، ويهمس البعض داخل الحزب الحاكم نفسه بأن ترشح البشير (كرت رابح) في العملية الانتخابية المقبلة ودونه لا يستطيع الحزب تحقيق الضربة القاضية في معركة الانتخابات.