رصد ميداني: نادية عبد القادر: سماع الأحداث ليس كمشاهدتها كما يقولون: (ليس من رأي كمن سمع) عندما حزمت حقائبي من الخرطوم الى ميدان المعركة التي كانت من طرف واحد وهي قوات التمرد ضد مواطنين عزل , كنت أتحسب لمشاهد الحروب التي اشاهدها على شاشة التلفاز في افريقيا الوسطى او مالي .. اقتحام قوات والاستيلاء على بعض المنشآت او تدميرها, والفارون من جحيم العنف على قارعة الطرق يلملمون جراحهم, وخوف يتبدى على وجوه الاطفال والنساء, ورائحة الموت تفوح في الانحاء, وفي تجمعات النازحين في الرهد بدت لي هذه المشاهد حقيقية ومر في خاطري كشريط سينمائي عندما رواها ضحايا «ابو كرشولا .. وام باي والله كريم».. نرويها لكم. سبعينية تهرب عدوا (ام باي) قرية وادعة ترقد في دلال على سهل منبسط وتحيط بها اشجار كثيفة, لا تعكر صفوها محركات سيارة او زئير دراجة بخارية تعيش في امن وامان, وفي ذات ساعة من ذلك اليوم المشؤوم استيقظت القرية على اطلاق الرصاص وهدير سيارات الدفع الرباعي التي تحمل على ظهرها المكشوف جنوداً يرتدون لباسا غير لباس جنود القوات المسلحة او الدفاع الشعبي او جهاز الامن , وتندفع الى باحتها شاهرة مدافعها التي تخرج من فوهاتها لهيب الموت, بهت المواطنون واعتلى الرعب وجوه النساء والأطفال وحاكت قسماتها الموتى وهرب من هرب وبقي من بقي ويردد في لسانه: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله) ولم تجد عائشة محمد موسى امامها سوى ان يطلق ساقيها للريح دون ان تعرف الى اي منقلب سيؤول مصيرها، وتروي عائشة ساعات الرعب التي عاشتها وهي تعدو كطفل صغير بالرغم من انها تجاوزت العقد السابع حتى وجدت نفسها على مشارف قرية طوطاح, ومعها احفادها وتقول بانها لم تشعر بالمسافة التي قطعتها ركضاً وهي تقريباً نحو (8) ساعات, وزادت بأنها لا تزال مذهولة بقدرتها على الوصول بهذه السرعة الى منطقة لا يصلها الشخص في الظروف العادية إلا في (21) ساعة على الاقل، فيما احتمى البقية في الوديان حتى صبيحة اليوم التالي, وبعد زوال الذعر شعرت عائشة بآلام حادة في ظهرها وحمى في القدمين. (أبو جراد).. قصة مثيرة تختلف الروايات والمشاهد من مكان الى آخر حسب الأحداث ومن ابو جراد سردت الحاجة زينب محمد عبد الله لحظات الذعر التي شهدتها في الاحداث وتروي بانها كانت ترعى غنمها في الخلاء قبل ان تواجه رتلاً من سيارات العدو وجهاً بوجه, كان ببالها بان هؤلاء قادمون للسؤال عن جهة او يبتغون جرعة ماء, وتقول زينب بانها شعرت برعشة تسري في جسدها عندما وجدت فوهة بندقية مصوبة في رأسها ولم تفق إلا عندما عادت السيارات ادراجها, وتقول: (بينما انا في حالة يرثى لها سمعت احدهم يقول لهم.. اتركوها فانها معتوهة). وعندما ذهبوا شعرت أن الله وهبني عمراً جديداً ولكن ما زال الخوف يتملكني. تهرب عارية وبما انني فكرت عن ان امسك عن مشهد امرأة طاردها احد المعتدين وهي عارية تماماً بعد ان داهمها احدهم بينما تهم بالاستحمام , الا ان المشهد ينم على وحشية المعتدين ولذا آثرت ان أسردها على لسان الفتاة التي نحجب اسمها وتقول المسكينة بانها تفاجأت بشخص يحمل سلاحاً يقتحم عليها خلوتها وهي تهم بالاستحمام لم افكر في ارتدي ملابسي.. فأطلقت قدمي للريح ولكن ذلك الرجس طاردني ولكنه لم يلحق بي.. ربما عاد بعد ان رأي طائرة تحلق في سماء المكان.. وبينما انا اسير بدون هدي وعارية وابكي بشدة وجدت رجلاً شهماً يرعى غنما فلم ينظر لي بل قام على الفور بخلع ملابسه وسترى, واضافت: انا من هنا اشكر ذلك الرجل الشهم السوداني الأصيل. مشهد حزين ومن المشاهد المؤلمة التي رواها الناجون من بطش العدو, طفل برئ تطاير رجلها أشلاء إثر سقوط دانة وهو يركض مع اسرته هارباً وتقول عمة الطفل بانها ومعه شقيقها وزوجته وأطفاله كانوا يجلسون في دارهم واذا بالرصاص ينهمر كالمطر عليهم .. استصحبت اطفالي ومعي شقيقي واطفاله وزوجته وخرجنا جرياً الا ان دانة بينما نحن نركض سقطت بالقرب منا وسقط شقيقي وزوجته وفارقا الحياة على الفور.. اما ابن شقيقي بتر رجله في الحال فحملته وانا ابكي وركضنا حتى السميح , وعندما وصلنا السميح وجدت ان صحته تدهورت وانتفخ جسده ومن السميح نقل الى الرهد ومنه الى مستشفى الابيض واجري له عملية جراحية. اختطاف عروس في ابوكرشولا حكايات ومشاهد تقشعر لها الأبدان, المكان: احد بيوت أبوكرشولا.. الزمان: السبت الأسود.. المناسبة: المنزل يضج بالزوّار والمهنئين.. فالأسرة تستعد لزفاف ابنتها الى زوجها يوم الاثنين, وبينما تملأ رائحة البخور وزغاريد النساء باحة المنزل اقتحمت مجموعة من المعتدين, في البدء ابعدوا كل النساء والرجال وابقوا العروس الى جوارهم, وحاولوا أخذها رفضت شقيقاتها الفكرة إلا أنهم أشهروا عليهم السلاح وأبعدوهن, والحزن يعتصر قلب إحداهن قالت ان هؤلاء ليسوا مجرمين فحسب فهؤلاء جاءوا ليسكنوا آلاما في دواخلنا, خطفوا شقيقتي قبل زفافها بيومين, والآن لا ندري ما مَصيرها. وأخذت تبكي بحرقة. الشيخ الكفيف أبو سارة رجل كفيف بلغ من العُمر عتياً, ربما قد تجاوز المائة, روى لنا قصته مع هجمات المتمردين, ويقول أبو سارة إنه كان يجلس في منزله مع ابنتيه عندما دخل المتمردون, بالرغم من الخطر الداهم على حياتنا، إلا أننا في البداية قرّرنا عدم الهروب وآثرنا البقاء في المنزل في انتظار المصير المحتوم ودخل عليهم المتمردون في المنزل, ولكن لم يمسوه بسوء وطالبوه بالبقاء داخل المنزل, وبعد هدوء الأحوال خرج مسافراً صوب الرهد.