قرأت في صحيفة (اليوم التالي) الغراء عن السيدة زكية التي تزرع القطن في حوش بيتها بالشقيلاب بعد أن خبرت فنون زراعته و رعايته التي ورثتها عن والدها منذ أن كانت مع أسرتها في جنوب كردفان قبل ان تضطرهم الحرب اللعينة إلى النزوح من ديار الأهل , و عل عزاءها الآن أنها و أسرتها يرتاحون على مراتب و مخدات من المنتوج المنزلي . في بيوت السودان حيشان لو وجدها البعض ممن تضيق الاراضي الزراعية في بلدانهم لإستغنوا بالبيت عن الذهاب إلى السوق , لكننا لا نزرع في حيشاننا حوض جرجير دعك عن شجرة ليمون لا نملك صبراً يعيننا على انتظار ثمرتها (الحامضة) .. و أتساءل ما مردود برامج الإرشاد الاجتماعي و الجمعيات النسوية في هذا الأمر ؟ و هل ينحصر نشاط الروابط الشبابية في الأحزاب و غيرها بالتبشير بالتحول الديمقراطي ؟ هذا إذا افترضنا جدلاً أن هذه الروابط قد أفلحت في هذا الجانب . هي أفكار بسيطة و صغيرة لا تصطدم بمشكلات المشاريع الزراعية الكبيرة مثل مشكلات التمويل و بيع السلم و مشاكل الترحيل من أقدي و الدالي و المزموم , و دعم المحصول الإستراتيجي .. هي أفكار بسيطة يعرف بها المواطن أنه يدعم الناتج القومي و لو بتربية دجاجة و غرس شجرة , و أن الاقتصاد ليس كله سوق أوراق مالية و ميزان مدفوعات و فصل أول و غير ذلك من مفردات و مصطلحات الاقتصاد (الكبير) .. تلك المشروعات الصغيرة تناسبها فكرة دعم الأسر المنتجة , المشروع الذي مات بقلة الصبر و بالإدارة التقليدية لفكرة غير تقليدية . ماتت الفكرة التي كان من الممكن أن تدعم الناتج القومي و أن تسهم في تخفيف الضائقة المعيشية بتوفير كثير من الإحتياجات من الناتج المنزلي .. و لكن تواصلت شكاوى المواطن السوداني الذي يسكن في حوش مساحته أربعمائة متر مربع بنى فيه مساحة لا تزيد عن مائة و خمسين مترا (أوضتين معكوسات) و ملحقاتهما , لا شجرة و لا زهرة , بيت بلا خضرة و لا ظل و لا عبير و لا فائدة .. هذا بعد أن استبعدنا تماماً تربية الحيوان و لو أدى ذلك لأن نستورد اللبن المجفف , بدعوى أن الغنماية و النعجة ليست من كائنات المنزل الحضري الحديث الذي يليق بالمدينة .. قد تليق به طيور الزينة و أسماك الزينة بل و كلب أفرنجي .. و لنتفق مع الرأي جدلا رغم أن ما تفعله كلاب الوولف و الدوبرمان بالمنزل لا يقل عما تفعله الغنماية التي لا تجد دعماً إعلامياً و حضارياً .. إذا كان هذا حال الماعز و البقر , فما تفسير غياب النبات رغم جماله و نفعه و جدواه الاقتصادية ؟