وأخيراً الفريق أول (صلاح قوش) حراً طليقاً حيث تم اطلاق سراحه وفقاً للمادة (58) من قانون الإجراءات الجنائية لعدم كفاية الأدلة والعفو الرئاسي العام الذي شمل كافة السياسيين حتى المعارضين الذين وقعوا على إعلان الجبهة الثورية بكمبالا .. وكانت خطوة إيجابية نحو المصالحة الحزبية حينما قال (قوش) للأجهزة الإعلامية أنه ما زال وسيظل عضواً في حزب المؤتمر الوطني مؤكداً أن رئيس الحزب المشير عمر البشير هو أب للجميع وقائدهم ، في إشارة واضحة منه لأهمية وحدة الحزب وتماسكه بعيداً عن الصراعات التي يمكن أن تضعفه ... ويقودني هذا الحديث عن أهمية وحدة كل الأحزاب السياسية التي أصابها التشرذم والإنقسام في السنوات الماضية حيث تعددت المنابر الإتحادية بعد خروج العديد من الأفرع عن الإتحادي الأصل وكذا الحال في حزب الأمة القومي الذي تشظى كثيراً وتعددت منابره بمسميات لا تخلو من كلمة (الأمة) التي صارت الإسلامي المتحد والفيدرالي والإصلاح والتجديد كما تباينت المسميات الإتحادية وكادت تتطابق في كثير من الأحيان لولا شروط مسجل الأحزاب التي تتطلب اسماً غير مكرراً إيفاء لشروط التسجيل ، فهناك الحزب الكبير الإتحادي الأصل والإتحادي الديمقراطي المسجل والوطني الإتحادي وحزب الوسط والإتحادي الموحد والحركة الإتحادية ، و قد جعلت تلك الانقسامات في حزبي الأمة والإتحادي الديمقراطي عدداً كبيراً من جماهير الحزبين يقفون على السياج يتفرجون على المأساة التي أصابت الحزبين الكبيرين اللذين صنعا استقلال السودان وحكما منفردين في كل فترات الديمقراطية المتقطعة الماضية. ولم تسلم الجبهة الإسلامية القومية من أمراض الانشطار حيث أصبحت مؤتمراً وطنياً وآخر شعبياً وكذا الحزب الشيوعي السوداني الذي إنشق عنه الدكتور الخاتم عدلان مكوناً لحركة (حق) ... وأما البعثيون اصحاب نظرية (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) فقد أصبحوا شعوباً وقبائل كالآخرين. وحينما أعلن (صلاح قوش) عن تمسكه بحزبه والاستمرار في صفوفه رغم مرارات السجن والاعتقال فهو كرجل أمن يعلم جيداً المهددات والمخاطر التي تواجه السودان داخلياً وخارجياً والتي تستوجب وحدة الصف والكلمة التي تحتاجها كل القوى السياسية التي أصابها الانشطار في السنوات الماضية وذلك بالضرورة يحتم على كل الأحزاب الصغيرة المنشقة عن أصولها لأسباب تنظيمية في أن تعود فوراً إلى جذورها تقوية للنظام الديمقراطي في البلاد والذي لا يحتمل الاستمرار في ظل أحزاب صغيرة وضعيفة وبلا جماهير ، فالتداول السلمي للسلطة في أي مكان في العالم يتطلب وجود أحزاب قوية بجماهيرها وفكرها ومواقفها الوطنية حيث لا توجد خلافات فكرية بين كل المنشقين عن أصولهم واحزابهم القديمة بل تكاد تتطابق الرؤى في الخطاب السياسي وكل المواقف المتعلقة بالثوابت الوطنية ، فالدعوة للعودة إلى الجذور تتطلب إرادة وعزيمة وتجرداً ونكران ذات وفهماً عميقاً لكل التحديات التي تواجه الوطن فالاستقرار الديمقراطي يتطلب حكومة قوية ومتماسكة وأحزاباً في المعارضة لا تقل قوة عن الحاكمين و بذلك يستقر الوطن بإستدامة النظام الديمقراطي فيه ..