أبدى مولانا ياسر احمد محمد المدعي العام لجرائم دارفور نظرة تفاؤلية حينما قال فور تعيينه بالمنصب »أولوياتنا أن نقتحم هذا الملف بكل تداعياته وتفاصيله، وأن ندعو كل الأجهزة الرسمية أن تتعاون معنا في هذا الملف، وأن ندعو كل أفرع العدالة الموجودة في دارفور، وكل كيانات المجتمع أن تتعاون، فقناعتنا أن هذا المنصب ليس منصباً شخصياً، وإنما مؤسسة لا يتسنى لها النجاح إلا بالتعاون مع الآخرين«. هذه العبارة التي اطلقها الرجل تشير الى تفاؤله بالنجاح رغم العراقيل والتعقيدات التي تعترض هذا الملف الشائك، خاصة وأن المنصب تولاه عدد من المستشارين ولم يطيلوا البقاء فيه لأسباب ومسببات بحكم طبيعة الإقليم والصراع الدائر فيه. المهمة شاقة وتتطلب تضافر الجهود، إذ تتمثل اختصاصات المدّعي العام للمحكمة الخاصة لجرائم دارفور ومعاونيه بالتحقيق والتحري وتمثيل الاتهام أمام المحاكم في الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية والجرائم الخاصة بالحرب، إضافة للجرائم المنصوص عليها في قانون الإرهاب السوداني لسنة 2001، وأية جريمة أخرى يقرر الوزير أن يحقّق ويتحرى بشأنها مدّعي عام جرائم دارفور. صعوبة المهمة جعلت الرجل يطلق تصريحا حملته صحف امس الاول في قوله (ان هناك حوالي (297) فردا من المنتسبين للحركات المسلحة متهمين في عدد من القضايا المتعلقة بالجرائم ضد الانسانية خارج نطاق سيطرة الدولة وان السلطات ما زالت تلاحقهم داخليا وخارجيا ، واردف قائلا : معظم مرتكبي الجرائم من الذين ينتمون للحركات المسلحة هاربين ويحتمون بالجبال والمناطق الوعرة مما يصعب اجراءات القبض عليهم ) ، فهل يستطيع ان ينجح في اكمال مهمته التي استلمها بتفاؤل كبير ؟ ام انه سيصطدم بواقع ضعف الامكانات التي قد تقف حائلاً دون الوصول الى الجناة كما جاء في الخبر خاصة وقد ذكر انه طلب اضافة قوة خاصة لمساعدة المدعي العام لتعقب الجناة .. و بالتالي سيكون مصيره الاستقالة كالذين سبقوه ؟ .. ويعد المدعي العام للمحكمة الخاصة بجرائم دارفور المستشار ياسر أحمد محمد هو المدعي العام الرابع الذي يتم تعيينه للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت منذ بداية الأزمة عام 2003، فقد سبقه في هذه المهمة كل من نمر إبراهيم وعبد الدائم زمراوي وعصام الدين عبد القادر كمدعين سابقين لجرائم دارفور... ولكل اسبابه في اللجوء للاستقالة. و كان وزير العدل محمد بشارة دوسة قد كشف عن اسباب استقالة نمر ابراهيم أول مدعي لجرائم دارفور وقال انه تراخى في التحقيق بأحداث (تبرة) التي وقعت بشمال دارفور و قتل فيها حوالي 37 شخصا. اما المدعي الثاني عبد الدائم زمراوي الذي كان ايضا وكيل وزارة العدل فقد قال عنه الوزير انه « الشخص الوحيد الذي احدث اختراقا في ملف جرائم دارفور» واعد ملفا كاملا عن احداث تبرة. وساق الوزير بعض المبررات لاستقالة الرجل منها انشغاله بمهامه كوكيل للوزارة وحال ذلك دون تفرغه للملف خاصة و «ان الرجل الذي امضى في وزارة العدل عشر سنوات كان يرغب في الاستقالة» لكنه آثر البقاء لمدة اضافية مع دوسة بعد تعيينه في المنصب حديثا . وأكد الوزير ان زمراوي استقال لأسباب بعيدة الصلة عن التحقيق في جرائم دارفور. اما المستشار عصام الدين عبد القادر وبرغم توفير الحكومة المعينات له كمدعٍ عام لجرائم دارفور مثل المكاتب والسيارات والسكن للفريق العامل هناك الا انه رفض البقاء هناك- حسب ما قاله دوسة- وبما ان وثيقة الدوحة تنص حرفيا على ان يكون المدعي العام مستقرا بدارفور الا انه كان مصرا على متابعة عمله من الخرطوم الامر الذي احدث ضعفا في انجاز مهمته ، ما جعله يتقدم باستقالته . منذ تولي مدعي جرائم دارفور ياسر أحمد محمد المنصب والذي تجاوز العام استطاع تحريك ملف نحو »29« شخصاً حكم عليهم بالإعدام بجانب تقديم »23« بلاغاً لمحاكم دارفور ووجود »32« بلاغاً تحت التحري. ولكن بعض المحللين اشاروا الى صعوبة المهمة في ظل وجود حصانات لبعض المتهمين وتوقعوا ان يفشل المدعي الحالي في اكمال مهمته كالآخرين . وقال البرفيسور الطيب زين العابدين استاذ العلوم السياسية (للرأي العام ) ان اصعب مهمة تواجه المدعي لدارفور قدرته على محاكمة شخصيات تتمتع بحصانة تمنعه من اكمال مهمته وقال ان هذه الشخصيات تمت ادانتها من قبل لجان دولية لم تتم محاكمتها حتى الان ، وزاد : اما المتهمون من الحركات المسلحة فمن السهل الوصول اليهم اذ ان الاممالمتحدة اعترفت بانتهاكاتهم لحقوق الانسان فهي يمكن ان تساعد في الوصول اليهم.. ولكن مولانا ياسر المدعي العام قلل من اهمية ان الحصانات اكبر عائق لعمل المدعي العام ، وقال في حدث سابق بانها مسائل إجرائية وليست موضوعية. وكشف عن ترتيبات وإجراءات لرفع حصانات ل »14« شخصاً بإقليم دارفور حتى يتم تسهيل العمل بشكل رسمي. نجاح مهمة المدعي العام قد تدعمها توجهات الحكومة في انهاء المشكلات الامنية بدارفور طبقا لمقررات الرئيس البشير الاخيرة واعتماد تدابير امنية وسياسية لانهاء الازمة مما يسهل مهمة الرجل وايجاد التعاون الكامل من كل الاطراف للوصول الى الجناة ومرتكبي الجرائم بدارفور . وقال البروفيسور حسن الساعوري المحلل السياسي (للرأي العام) ان المدعي العام ربما يكون مصيره كالآخرين بان يضطر لتقديم استقالته ليس لضعف كفاءته ولكن لقلة الامكانات التي تعينه على مواصلة عمله حتى وان توافر الامن بالاقليم الذي ربما يكون مستحيلا طالما ان الجناة يستطيعون اقتحام المحكمة ويختطفون المجرمين كما حدث ذلك باحدى المحاكم بدافور.. وزاد : في ظل هذا الوضع ربما لا يستطيع المدعي العام الوصول الى مرتكبي الجرائم وحتى لا يوصم بالفشل سوف يختار الاستقالة.. وقال استاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي عمر حاوي (للرأي العام) ان المدعي العام إذا عمل بمسئولية عالية وتجرد فيستطيع ان يصل الى كل من ارتكب جريمة وان كان يتمتع بحصانة ، واما ان اعتبر المنصب صورياً ولسد الذرائع الخارجية او انه فقط لكسب مكافئة مالية فقطعا سيفشل او ربما استقال من فرط الضغوط ..