قضية إعفاء ديون السودان الخارجية ظلت تراوح مكانها، بينما ظلت الفوائد تقفز وتزيد قيمة الديون الى ان تجاوزت الآن ال(43) مليار دولار، ورغم كل الجهود التى بذلتها الحكومة خلال السودان الموحد وحتى بعد الانفصال، إلا ان قضية الديون الخارجية تظل معلقة كما بقية القضايا المعلقة مع دولة جنوب السودان او بقية القضايا المعلقة مع المجتمع الدولي والقوى الدولية المؤثرة فى اتخاذ القرار الدولي والتى جعلت من قضية إعفاء ديون السودان الخارجية قضية سياسية بالدرجة الاولى بدلا عن كونها قضية اقتصادية يتم الاحتكام فيها الى معايير اقتصادية وشروط فنية تؤهل الدولة المستوفية لهذه الشروط لاعفاء ديونها. وحسب متابعاتنا فان السودان استوفي الشروط الفنية والاقتصادية لإعفاء ديونه، ولكن هنالك عقبات سياسية حالت دون اعفاء الديون، وتتمثل هذه العقبات السياسية فى شروط سياسية تفرضها هذه القوى الدولية الكبري المهيمنة على القرار الدولي، ولكن هذه الشرط السياسية غير ثابتة حيث تتغير هذه الشروط بتغير المناخ السياسي الذى يخيم على المجتمع الدولي فى تلك الفترة وعلى اجندة تلك الدول المتغيرة، مع ارتباط هذه الاجندة الخارجية بملفات وقضايا داخلية يعاني منها المشهد السياسي السوداني، وكانت الشروط السياسية لاعفاء الديون الخارجية للبلاد تركز على حل مشكلة الجنوب، وعندما جاء اتفاق سلام نيفاشا كان الأمل باعفاء الديون، كما كان التعهد بدعم السلام والوفاء بمتطلباته ولكن هذه الوعود تبخرت، وتولدت شروط سياسية اخرى بينها قضية دارفور وحتى بعد توقيع اتفاقية ابوجا والآن اتفاقية الدوحة للسلام بدارفور، ظهرت شروط اخرى باجراء الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب وحتى بعد الانفصال وقيام دولة الجنوب ظلت قضية اعفاء الديون معلقة ضمن القضايا المعلقة بين السودان وجنوب السودان، الى ان حسمت مصفوفة التعاون بين البلدين التى وقعت باديس ابابا فى سبتمبر من العام الماضي ملف الديون باتفاق نص على : ( خيارين لاعفاء الديون، الخيار الاول عرف بالخيار الصفري بان تقبل الدولة الام (السودان) تحمل الديون لعامين يتم خلالهما الاتصال بالدائنين مع جهود من المجتمع الدولي لاعفاء هذه الديون خلال هذين العامين، اما الخيار الثاني فانه يقوم على فشل الخيار الاول بان يتم تقاسم هذه الديون بين البلدين وفق معايير محددة من بينها نسبة السكان). وفى اعتقادي ان الفرصة الآن اصبحت مواتية لقذف (حجر فى بركة الديون الخارجية الساكنة)، حيث تستضيف الخرطوم اليوم اجتماعات كتلة وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية الافارقة المحافظين بالبنك وصندوق النقد الدوليين (المجموعة الافريقية في المؤسستين)، بمشاركة 54 دولة افريقية، وتعتبر هذه الاجتماعات فرصة حقيقية يمكن استثمارها لطرح قضية (اعفاء الديون الخارجية) على الكتلة الافريقية وعلى صندوق النقد والبنك الدوليين الذين سيشاركون فى هذه الاجتماعات، من اجل ايجاد حل او تحريك البركة الساكنة، واعتقد ان هذا الطرح فيه اختبارحقيقي ل(الكتلة الافريقية بصندوق النقد والبنك الدوليين) ودورها فى الانحياز لقضايا دول القارة بدلا من ان تصبح هذه الاجتماعات مجرد تظاهرة اقتصادية والتباري فى القاء الخطب والكلمات ودغدغة المشاعر، دون تحقيق مكاسب حقيقية للدولة المستضيفة والتى اعتقد ان اهم مكسب من هذه الاجتماعات اعفاء الديون او التوصل الى خارطة طريق لاعفاء الديون وليس الوعود والتعهدات والتى تتغيرحسب متغيرات الاجندة السياسية للقوى الدولية المؤثرة فى الساحة العالمية، ولذلك علينا طرح ملف (الديون الخارجية) بقوة فى هذه الاجتماعات او من خلال خطابي وزير المالية ورئيس الجمهورية لهذه الفعاليات او من خلال اللقاءات الثنائية مع الوفود او من لاعبين دوليين يتبنون رؤية الحكومة لاعفاء الديون، نأمل ان لا نخرج من هذه (المولد بدون حمص).. وينفض السامر بخطب سئمنا سماعها واحبطتنا نهاياتها وببقاء الحقيقية كما هي دون تغيير بان (السودان دولة مثقلة بالديون) وبعيدة عن التمويل والدعم الدولي مع ضعف الدعم الاقليمي لقضاياه ولذلك علينا اختبار (الكتلة الافريقية بصندوق النقد والبنك الدوليين) اليوم فى الخرطوم ولنرى ما نتائج هذا الاختبار.. اللهم هل بلغت فاشهد.