الغرب والإنسانية المتوحشة    يستأهلون العقوبة المغلظة    رسالة ..إلى أهل السودان    بالنسبة ل (الفتى المدهش) جعفر فالأمر يختلف لانه ما زال يتلمس خطواته في درب العمالة    الموافقة للقمة السودانية المشاركة ف الدوري الموريتاني    الجزيرة تستغيث…(1)…الآلاف من نزلاء السجون ومعتادي الإجرام ينتهكون القرى واحدة تلو الأخرى.!    (برقو وغضبة الحليم)    ولاية الخرطوم: ويسترن يونيون تفتح فرع لصرافة ميج بأمدرمان    شهادات مزورة.. الداخلية تداهم أكاديمية تعليمية بالإسكندرية    بوتين يصدر مرسوما يتيح التصرف بالممتلكات الأمريكية في روسيا    الإمارات تتحفّظ على قرار الجامعة العربية بدعم السلام والتنمية في السودان لأنّه يتطلب الدراسة والتدقيق    الإعلان عن تطورات مهمة بين السودان وإريتريا    شاهد بالفيديو.. طفل سوداني يقف أمام سيارة للجيش ويحمس الجنود بأبيات شعرية قوية وأحدهم يقبل رأسه إعجاباً بقصيدته    مصر: إسرائيل دأبت على استفزازنا.. ونرفض سيطرتها على معبر رفح    شاهد.. الفنانة الأبنوسية فدوى فريد تغني مرثية للشهيد محمد صديق    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    خبيرة ترسيم حدود تكشف مواقع أنهار مصر الحية والمدفونة في الصحراء    من هو الأعمى؟!    السعودية: دخول مكة المكرمة يقتصر على حاملي تأشيرات الحج    أعطني مسرحاً أعطك حضارة    ما هو التالي لروسيا في أفريقيا بعد فاغنر؟    بلقيس لجمهورها: «يا ويل حالي»    كيف تكتشف الكاميرات الخفية في المنازل المستأجرة؟    الخارجية: على المجتمع الدولي الإقرار بدورنا في حماية الأمن الإقليمي والدولي والتوقف عن الاتهامات غير المؤسسة    بعد "تشكيك" في دورها.. مصر تهدد بالانسحاب من جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس    آل إيه.. آل هزمنا الأهلى والترجي!!؟؟    أتالانتا ينهي سلسلة ليفركوزن التاريخية    زيادة سقف بنكك والتطبيقات لمبلغ 15 مليون جنيه في اليوم و3 مليون للمعاملة الواحدة    هل دفع ميسي ثمن رعونة البدايات؟    كيف ولماذا عاد الكيزان الي المشهد ..    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حسين خوجلي: وما زالت الجزيرة في محطة الانتظار المفضوح    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازي ليوم الثلاثاء    صلاح ينهي الجدل حول مستقبله.. هل قرر البقاء مع ليفربول أم اختار الدوري السعودي؟    عائشة الماجدي: (أغضب يالفريق البرهان)    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    الحقيقة تُحزن    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا الخميس
كسر العظم .. معركة الطاهر وعرمان ... عرمان يريد الاطاحة بالطاهر ويستخدم الحركة كلها لتحقيق ذلك عبر الضغط على الوطني
نشر في الرأي العام يوم 12 - 11 - 2009

في نهايات عام 1995 أو بدايات العام الذي تلاه، عقد المستشار أحمد إبراهيم الطاهر ، رئيس ديوان المظالم محضورة بنادي الخريجين بمدينة بورتسودان. كان الجو السياسي العام في السودان خانقاً جداً وكان المزاج السياسي لرموز السلطة شديد الحدة، بالنظر إلى إعلان تكوين التجمع الوطني الديمقراطي وتبنيه للمقاومة المسلحة خياراً أعلى لإسقاط الحكومة في الخرطوم. في اسمرا كان قادة الأحزاب السياسية المعارضة يعلنون أمام أضواء الكاميرات أنهم اضطروا لحمل السلاح إستجابة لدعوة الحكومة التي دعت مقاوميها للمنازلة وإنهم يهيبون بالشباب الإنخراط في معسكرات التدريب العسكري ويحضونهم على المشاركة في العمل الوطني الكبير. بعيداً عن أجواء التجمع كان مستشار الأمن القومي الأمريكي - ساعتها- توني ليك يعلن أن بلاده ستحارب حكومة الخرطوم عبر جيرانها وأنهم رصدوا لهذا الغرض الملايين من الدولارات. ---------------------------------------------------------------------------------------------- في الخرطوم كانت ردة الفعل قوية والتوتر على أشده. تركت مجالس بورتسودان النميمة المعادية لوزير مالية ولاية البحر الأحمر والمحافظ السابق الواسع النفوذ، عبدالحليم إسماعيل المتعافي، المشغول-كدأبه الأبدي-بالإستثمار وإنشاء الشركات! وتحولت مجالسها للحديث في الشأن القومي. البعض يقول إن جبهة أخرى ستفتح في حلايب وأن قادة معارضين كباراً زاروا المنطقة للمعاينة. تحدث الطاهر وحاج نور عن التغيير الذي انتظم البلاد والمجتمع وما قامت به الحكومة من تعظيم شعائر الدين وإعادة صياغة الأمة وتحدث كلاهما عن تجربة رد المظالم وقال الطاهر إن الحكومة ردت لبعض الناس مظالم ظلوا يعانون الأمرين منها لعقود من السنين ضارباً المثل بقصة إستعادة أحفاد الثائر عبدالقادر ود حبوبة لأراضيهم التي نزعتها سلطة الإستعمار. أفاض المتحدثان في الحديث عن ظواهر جديدة بدأت الأمة في ممارستها وسلوكيات روحانية مبتكرة صارت جزءاً من الطبع اليومي مثل موائد الرحمن والتكافل الإجتماعي والجهاد. كان البعض من منسوبي الإتحاد العام للطلاب السودانيين وإتحاد الشباب (الموالي للحكومة) يهللون ويكبرون فيما كان بعض المتحدثين يمالئون الضيفين النافذين. في تلك الندوة وقف طالب جامعي نحيل يرتدي زياً بجاوياً كاملاً أبيض اللون طالباً الإذن بالحديث ضمن المتحدثين. إستبشر به المستشار الطاهر خيراً وقال : (ندي الفرصة للشباب). بصوت خفيض رحب الشاب بالضيفين بكلمات مقتضبة ثم بدأ في نقد حديث الرجلين نقداً مراً مشيراً إلى أن ما قامت به الحكومة من إعادة أراضي أحفاد ود حبوبة لا يعدو على كونه محاولة منها للتقرب من الاسم الوطني الكبير لأجل الكسب الإعلامي ولتفادي العزلة المضروبة حولها من قبل الشعب وإن الحكومة ليست في حاجة لإستعادة المظلومين من كتاب التاريخ فمظلومو اليوم يملأون الطرقات وتناول ظاهرة موائد الرحمن قائلاً إن هذه الموائد تقنن للظلم وأنه شهد في الخرطوم كيف تقوم السلطات المحلية بمطاردة الباعة الجائلين ومصادرة الفواكه والخضروات منهم بشكل تعسفي جائر ثم تقوم بتقديم البضائع المصادرة هذه بطريقة زاهية في موائد الرحمن المزعومة. استشاط أحمد إبراهيم الطاهر غضباً وأوقف منح الفرص للجمهور وبدأ في الرد على المداخلات والأسئلة التي قدمها جمهور الندوة من حيث انتهى ذلك الشاب، قائلاً: إن هذا الشاب تحدث بكلام (قبيح) وإن هذا الكلام يتسق تماماً مع ما تقوله المعارضة في الخارج... لا حول ولا قوة إلا بالله! معارضة الخارج التي ترفع السلاح وتُتّهم صباح مساء من قبل السلطة، في كل المنابر المتاحة، بالعمالة للأجنبي والإرتهان للمخططات الصهيونية المعادية للإسلام؟ إذن كيف سأخرج من هنا وقد كنت ذلك الشاب؟ وكيف سأتدبر طريقي من بين هذه المجموعة المنتشرة من الشباب الغاضب الذي يتم تأليبه ضدي الآن بقصد أو دون قصد؟ لم اعد أسمع شيئاً وانشغلت بتدبير خروجي قبل انتهاء الندوة ونجحت لكن بقى في ذهني السؤال: لماذا غضب الرجل كل هذا الغضب؟ ولماذا لم يفرح وقد واتته الفرصة مواتية لدحض إدعاءات المعارضة التي أتى بها إليه ذلك الشاب؟ لو كنت مكانه لسعدت بحديث الشاب! عن قرب منذ ذلك الحين، ظللت أتابع كيف يتفاعل الرجل مع خصومه وخلال زيارتي للخرطوم ضمن مؤتمر الإعلاميين الأخير حرصت حرصاً شديداً على الإستماع للرجل، بعد مضي خمسة عشر عاماً على تلك الحادثة، فذهبت إلى حيث وليمة أقامها الرجل للضيوف في أم درمان، لكنه غاب فلم أحفل بأحاديث الآخرين. منذ سنوات أتابع معركة كسر العظم بين الرجل وخصمه اللدود رئيس الكتلة البرلمانية للحركة الشعبية لتحرير السودان، السيد ياسر عرمان، والتي كاد ينتصر فيها بالضربة القاضية إثر قيام المجلس الوطني بإسقاط عضوية عرمان بسبب غيابه الممتد عن المجلس إبان سفره للدراسة وإعادة شحذ القدرات في الولايات المتحدة، لكن - كطائر الفينيق- سرعان ما عاد عرمان للساحة السياسية ولذات مقعده البرلماني بقدرات أكبر ونفوذ أوسع. خلال تتبعي للمعركة الباسلة بين الرجلين أعتقد في كثير من الأوقات أن الطاهر ظل يوفر في كثير من الأحيان الوقود لخصمه اللدود في معركته الخاسرة، ففيما يكاد ياسر عرمان يفتك بنفسه وحركته يتدخل السيد/ الطاهر فيمنح معارك عرمان والتي يديرها بحنكة خارج البرلمان، المشروعية والطاقة التي تجدد في مسامات روحها الحيوية. السيد/ ياسر عرمان ينطلق نحو هدف واحد وهو الإطاحة بالسيد الطاهر من مقعده الرفيع. في سبيل تحقيق هذا الهدف يستخدم عرمان الحركة الشعبية كلها للضغط على المؤتمر الوطني كله من أجل المساومة لاحقاً لرفع الضغط مقابل التضحية بالطاهر. الحركة الشعبية تعرف ذلك جيداً لكن صراعاتها الداخلية تمنع الأطراف من مواجهة ذلك، فالسيد عرمان يملك تفويضاً شبه مطلق في شمال السودان فيما يتفرغ السيد سلفاكير للتحضير لمعركته الهائلة ضد رياك مشار الطامح لأن يكون أول رئيس لجمهورية (جنوب السودان) المحتربة. وياسر عرمان على وفاق كبير مع باقان أموم الذي ترشحه فرص كبيرة وواسعة لأن يكون الرجل الأول في الجمهورية القادمة درءاً لحرب الدينكا/ سلفاكير ضد النوير/ مشار، وفي اسوأ الظروف فإن الرجل يمكن أن يصبح صانع ملوك كبيراً بذهن أكثر توقداً من ذهن وليد جنبلاط في لبنان وطاقات متاحة تستخدم تناقضات قبائل الجنوب وخوارج المجتمع المدني من مستعربة السودان وقطاع الشمال الذي يحمل مفاتيحه عرمان. الحركة الشعبية رغم إلتباسات الرؤى عند غالبيتها إلا أنها ظلت تقدم للسودان نموذجاً جديداً من الساسة النابهين الذين يمتلكون رؤية وعزيمة ويتبعون أسلوباً علمياً شديد الصرامة لتنفيذ تلك الرؤى والسودان القديم ، وعلى رأسه المؤتمر الوطني الحاكم، يتابع عمله وفق إستراتيجيات قديمة تعتمد على ردود الأفعال وتتكاسل عن تقديم المبادرات. حقائق ساطعة الحقيقة الشديدة الوضوح هي أن باقان وعرمان يمثلان أقليتين في الحركة الشعبية ووجودهما في أعلى السلم مرتبط باحتراب وتنافر الشريكين. إذا عاش الشريكان في إلفة ووئام وطورت قيادتا الحزبين سواء على مستوى الرئاسة أو نيابة الرئاسة- كحد أقصى- آليات فاعلة للتواصل وحل الخلافات، ستنتفي الحاجة للسيدين عرمان وأموم وهما يدركان ذلك لذا فإن حاجتهما لتشاكس المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية هي الأكبر وهما لا يألوان جهداً في صب الزيت على نار الخلافات كل صباح ومساء. هذا ليس أمراً غريباً وجديداً فممارسة السياسة تتطلب إستراتيجيات وتكتيكات تبقي ممارسيها في ساحة المعركة وإلا فإن البدلاء جاهزون في كل زاوية ومربط. قانون الأمن الوطني هو خارج المعركة الأخيرة بين عرمان والطاهر وقد تم إستخدامه فقط ، وفي وقت متأخر، لاندلاع المعركة كوقود يكفي لتواصل الإشتعال. الحركة الشعبية لا يهمها كيف تمارس أجهزة تطبيق القانون سلطاتها في الشمال ولو كانت الحريات تهمها لوفرتها في الجنوب حيث يموت الناس في ساحات القتال أكثر مما يموتون في دارفور التي جعلتها حكومات العالم الغربي كله حائط مبكى وساحة لغسل أدرانها والتحلل من غلظتها وظلمها وبشاعة أفعالها. يقتل الغربيون النسوة والأطفال في العراق وأفغانستان ولا يبكون على أولئك الموتى (من صنع أيديهم) لكنهم يبكون على نازحي مأساة دارفور وهم بعد أحياء. منذ زمن والمعركة مشتعلة بين عرمان والطاهر ومن أراد التقرب من رجال الحركة الشعبية خطوة واحدة نحو رئيس الكتلة البرلمانية النافذ فعليه الإدلاء بتصريح يسييء فيه لرئيس البرلمان حتى إن نائبة مغمورة اسمها سلوى آدم بنية أبدت العام الماضي في تصريح للصحافة (19/6/2008) موافقتها على رأي يقول بأن الطاهر يعطي الفرص إما لشخص موالٍ له أو لشخص ضعيف، وقالت دليلاً على صدق حديثها «هناك إستفهام حول لجوء رئيس البرلمان دائماً لمنح غازي سليمان الفرصة للتداول بصفة راتبة برغم أنه لا يمثل الحركة وليس مخولاً له التحدث باسمها وإنما يمثل رأيه فقط». بالطبع تنطلق النائبة في تصريحها هذا من عدم معرفة شديد ومثير للتساؤل. تقول إن غازي لا يمثل الحركة والعكس صحيح فالسيد غازي يمثل الحركة الشعبية في البرلمان وهو نائب رئيس إحدى لجانه الشديدة الفاعلية ولم يتم تعيينه عضواً في البرلمان من منزله وإذا كانت الحركة الشعبية ترى بأنه لا يحسن تمثيلها فلتقم بفصله ولتأت بغيره كما فعل الوزير جلال الدقير الذي أبعد الراحل حسن دندش عن ظل البرلمان وقبته الباذخة العلو، مثلا! الشيء الثاني أن السادة النواب لا يقدمون تفويضاً من أحزابهم بالحديث وإنما يفترض فيهم ان يمثلوا الدوائر التي جاءت بهم للتعبير عن آراء مواطنيها.. النواب ينطقون باسم الناخبين وليس باسم الأحزاب السياسية ورؤساء كتلها النيابية، ترى هل عرفت السيدة النائبة الفرق الآن؟ نائب برلماني آخر من كتلة سلام دارفور اسمه إسماعيل أغبش قال لنفس الصحيفة المشار إليها إن الطاهر يعطي الفرصة لنواب ليست لديهم معلومات عن القضية المثارة، وقال النائب فاروق أبوعيسى إن الطاهر يعطى الفرصة للمناقشة لشخص موالٍ أو لشخص ضعيف! وكلام النائبين المحترمين غريب وإن تجاوز الناس عن أغبش فكيف يمكن تجاوز ما قاله السيد/ أبوعيسى؟ النواب لا ينقسمون إلى علماء وجهلاء ولا ينقسمون إلى ضعفاء وأقوياء ، بل هم على درجة واحدة من الحق في الحديث والإستحقاقات والمخصصات الشهرية! ليس منهم من تم تعيينه وفق إختبار تجلت فيه معارفه وإنما عينهم قادة أحزابهم. غالبية نواب المعارضة السابقة تم الإتيان بهم من المنافي والمغتربات أو من ساحات الإقتتال الأهلي ومن تم الإتصال به عن طريق جامعته أو مركزه البحثي أو العلمي فليرفع يده! العلم والمعرفة لم يكونا معياراً لدخول ملكوت المجلس الوطني وإلا فكيف دخل فلان وفلان؟ ما يقوله النواب للأسف ليس موجهاً للرأي العام وليس موجهاً لجماهير الدوائر الجغرافية في اقاليم البلاد ولكنه موجه مباشرة نحو السيد ياسر عرمان وفحوى الرسالة واضحة: نحن معك يا رجل، فكن معنا! بالمناسبة لا يزال غازي سليمان المفصول من الحركة عضواً بالبرلمان مثله مثل لام أكول المنشق عن الحركة والتوم موسى هجو المنشق عن حزبه الإتحادي الديمقراطي، عضواً بالبرلمان ولا يزال السيد علي أبرسي العضو المراقب بالمجلس القيادي لحزب المؤتمر الوطني عضواً بالبرلمان ممثلاً للتجمع الوطني الديمقراطي، وهناك أعضاء آخرون من هذا النوع نعلمهم ولا نعلمهم. نزع الحصانة إستبق السيد/ عرمان الدورة البرلمانية الجديدة بالتهديد بمقاطعتها في حال مجرد التوجه لنزع الحصانة عنه (الصحافة 5/10/2009) وأعلنت الهيئة البرلمانية لنواب الحركة الشعبية التي يتزعمها أن المطالبة برفع الحصانة عنه إستفزاز للهيئة معلنة عن مقاومة ذلك. هذا أمر غريب فالإحتكام للقانون بل التساوي في الإحتكام إليه شرط اساسي ينبغي أن ينطبق على الجميع وإذا كانت الدولة - الآن- ضعيفة بالقدر الذي لا تستطيع فيه تنفيذ حكم القانون على رؤوس كبيرة من قادة السلطة فإنها غير مؤهلة - أخلاقياً على الأقل- لتنفيذ أحكام القانون على الضعفاء. ليس في مطالبة المحكمة برفع الحصانة عن السيد/ عرمان أو عن أتيم قرنق أو عن أحمد إبراهيم الطاهر نفسه إستفزاز من أي نوع، فهذا إجراء طبيعي ينبغي أن يمر بطريقة آلية قانونية مجردة ليس للسياسة دخل فيها. هكذا تقول قواعد اللعبة. وفي مؤتمر صحفي
عقده عرمان (4/5/2009) أعلن ان أصواتاً في هيئته طالبت بمقاطعة البرلمان - لضعف الأجندة ولأنها تحمل نفس ملامح الدورة السابقة في تضييع عمل المجلس . هل لحظتم ليس هناك ذكر لقانون الأمن؟!.. وبالمناسبة ودون التطرق إلى محتويات القانون المشار إليه ، أليس من الأجدى العمل وفق قانون قابل للتطور والتحسن من العمل دون قانون على الإطلاق وبوضع اليد وتقديرات منسوبي هذه الأجهزة الخطيرة؟ هل هناك قانون للأمن في الجنوب؟ وهل صحيح ما صرح به مستشار الرئيس د. غازي صلاح الدين عتباني من أن برلمان الجنوب لم يجز حتى الآن ثلاثة قوانين؟!. هذه ليست المقاطعة الأولى للبرلمان مثلما هي ليست المرة الأولى التي تهدد فيها بسحب الثقة عن رئيس البرلمان وحتى الآن لم (يهجم النمر). في يوم السبت 3/1/2009 نشرت صحيفة (أجراس الحرية) وهي صحيفة متواضعة من حيث المستوى المهني ومقربة من الحركة الشعبية - خبراً على النحو التالي: «بدأت الكتلة البرلمانية لنواب الحركة الشعبية اجراءات تنظيمية لمحاسبة أربعة من منسوبيها خالفوا دستور الحركة ولوائح كتلتها البرلمانية، ولم يلتزموا بمقاطعة جلسة البرلمان الأخيرة الثلاثاء من العام الماضى وقالت الكتلة انها ستجرى مشاورات مع القوى السياسية بالبرلمان لمناقشتها حول مسلك رئيس البرلمان، وطريقة ادارته للجلسات، ولم تستبعد الكتلة تقديم طلب رسمى بسحب الثقة من رئيس البرلمان أحمد ابراهيم الطاهر، فى وقت أدانت الحركة الشعبية العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة» وبالرغم من فداحة ما احتواه الخبر من خطايا صحفية من شاكلة (الثلاثاء من العام الماضي؟) وربط الخبر بإدانة العدوان الإسرائيلي وما من رابط لا في الدنيا ولا في الآخرة ، إلا أننا نأخذ من الخبر التلويح القديم المتجدد بسحب الثقة من رئيس البرلمان. حصص الوقود نجح السيد الطاهر في الجولة الحالية من المعركة في وضع الحركة الشعبية في مواجهة أمام الشعب والرأي العام بدلاً من مواجهة المؤتمر الوطني فقرار وقف صرف حصص الوقود قرار حكيم ومحترم. الشعب لا يوافق بالتأكيد على صرف وقود لا يستخدم في خدمته ومن اراد العمل للصالح العام يمكنه أن يستخدم وقود الشعب المنهكة خزينته، أما من يريد صرف الوقود دون تقديم مقابل فعليه أن يبحث عن مصدر آخر. شكراً للسيد رئيس البرلمان أن حفظت لنا جزءاً من ممتلكاتنا التي استأمناك عليها بموجب الدستور والقوانين واللوائح ونأمل ان يمتد هذا السلوك إلى جميع دوائر الخدمة العامة في البلاد من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء وحتى اصغر الدوائر في المحليات. أغضب قرار وقف صرف حصص الوقود والإعلان عن وقف صرف المخصصات المالية السيد/ عرمان الذي قال:« نحن لسنا موظفين عند رئيس المجلس الوطني الذي ينتهج سياسة {جوع كلبك يتبعك} » وتابع « نحن سنوقف مخصصات الطاهر إذا كان يهتم بها» (الصحافة 28/10/2009). بالطبع هذا كلام لا يمكن الأخذ به دون جدال فإذا كان نواب الحركة ليسوا موظفين لدى السيد رئيس البرلمان بطبيعة الحال إلا أنهم مستخدمون لدى الشعب الذي يقوم بالصرف على وقودهم ومعيشتهم مقابل عقد للتعامل وفق قسم غليظ يؤدي فيه كل منهم واجبه فيحصل على الإستحقاق وما دام الأمر كذلك فإن إخلال أي طرف بشروط العقد يمنح الطرف الآخر الذريعة بالتحلل من العقد ذاته. يستطيع المجلس بالطبع وقف مخصصات الطاهر الذي هو عضو في نهاية المطاف ولكن وفق شروط لا بد انها واردة في اللوائح المنظمة ودون عودة إلى تلك اللوائح فبوسعي القول إن تخلي الطاهر عن أداء مهامه أو فقده للوظيفة سيمنحان المجلس - لا شك- القدرة على وقف مستحقاته ولكن كيف يمكن وقف مستحقات الرجل وهو يؤدي مهامه اليومية ويمارس عمله؟ إذا حدث هذا سيكون الرجل مظلوماً ولن نكتم شهادتنا في الدفاع عنه. قبل أيام قليلة كتب عضو في منبر (سودانيز اون لاين) يسمي نفسه (عمر الحاج) ويضع في ملفه صورة تزاوج بين البطل علي عبداللطيف والزعيم د.جون قرنق تعبيراً عن إنتمائه للحركة الشعبية قائلاً: إن رئيس البرلمان أسقط اسم السيد/ ياسر عرمان من كشوفات توزيع أراضٍ سكنية بالقرب من مركز عفراء التجاري مشيراً إلى ان السيد عرمان لا تهمه مثل هذه الأشياء. الرسالة للسيد ياسر عرمان هي أنه في وجود أصدقاء مثل هذا ، من يحتاج الى أعداء! إن هذا الصديق يضر بصديقه ضرراً لم يلحقه به الأعداء وتبياناً للحقائق - فيما نعرف- فإن السيد ياسر عرمان-إختلفنا معه أم اتفقنا- رجل نقي زاهد في الكسب المالي وهو ليس من طينة الرجال الذين يتم احتواؤهم بالأراضي السكنية ولو اراد الرجل المال لعرف طريقه. هذه القصة تفتح باباً للتساؤل حول صدق هذه القصة في الأساس وهل يتم تفريق الأراضي السكنية على شاغلي الوظائف الكبيرة في الدولة من دستوريين وخلافه بحكم مناصبهم في بلد يقول دستورها الحاكم إن المواطنة فقط هي معيار الحقوق والواجبات؟ ما هو مصير أصحاب العائلات الذين يسكنون في ظلال المباني غير المكتملة وفي زرائب الفحم ، أليسوا مهمشين يستحقون الدفاع عن مكتسباتهم واعطائهم حقوقهم؟ أم عليهم ان ينتظروا حتى يحصل واحد منهم على منصب دستوري يؤهله للحصول على مسكن؟ لم يقل المؤتمر الوطني يوماً إنه نصير الضعفاء والمهمشين لكن الحركة الشعبية التي تضرب آذاننا صباح مساء بطبول الحديث عن حقوق المهمشين مطالبة بالإفادة في هذا الأمر. في القصة التي ذكرتها أول هذا المقال ألمحت إلى سهولة (إستغضاب) السيد/ رئيس البرلمان الحالي وجره إلى التصرف وفق إشتراطات ردة الفعل، قبل خمسة عشر عاماً، وأتمنى أن يكون الآن وقد بلغ من العمر والتجربة مبلغاً أن يترفع في تعاطيه مع السادة النواب جميعاً بمن فيهم السيد عرمان بشكل لا حضور فيه لردود الأفعال وأن يلتزم بالحكمة التي نشرتها على لسانه صحيفة (الشرق) القطرية (17/10/2009) «أنا أعتبر نفسي في هذا المجلس أباً لكل الأعضاء، بحكم موقعي الذي يتطلب الحياد، والبعد عن المشاكسات، والترفع عن الصغائر، وإستيعاب كل الآراء..» فإن التزم بهذه الحكمة فلن يضار بشئ من معارك تطلب رأسه وهو في مأمن منها.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.