يعتبر السودان من الدول المتقدمة في افريقيا والعالم العربي التي أدخلت تقنيات الاتصال فقد احتفلنا قبل سنوات خمس بمرور قرن على إصدار أول صحيفة في السودان وفى العام 1941م جاء صوت هنا أم درمان وملأ أثير السودان إبداعاً وفناً ، وعرف السودان أول صورة تلفزيونية في العام 1962م وفى ذات السنة تم انشاء إذاعة جوبا كأول إذاعة إقليمية خارج العاصمة.. وإذاعة جوبا تؤكد اهتمام المخططين في ذلكم الوقت بأهمية مخاطبة الريفيين وإدماجهم في عمليات التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.. وإلحاقاً بهذا الفهم المتطور للاعلام الولائي فقد كان أول مكتب للاعلام خارج الخرطوم أيضاً في جوبا.. إن مكاتب الاعلام بالولايات لو سارت على نهج هذا الاهتمام المبكر.. لكان الواقع غير الذى سنكتب عنه الآن.. الواقع الآن ان مكاتب الاعلام في الولايات أصبحت مخازناً للأوراق القديمة وسكناً للسيارات الخردة حيث تفتقر أولاً إلى الكوادر التي لم تجد حظها من الاهتمام اللائق فتركت العمل إلى مهن أخرى وانعدمت في هذه المكاتب معينات العمل واختفت السينما المتجولة واستهلكت كتب المكتبات التي كانت ترعاها ولم تجد من يجددها... ان وزارات الشئون الثقافية والاعلام فى الولايات تعتقد ان واجبها ينحصر في الاشراف على التلفزيونات والإذاعات الولائية ... بل ان الحكومات الولائية نفسها تهتم بعكس أنشطتها عبر هذين الجهازين وتجاهلت ان مكاتب الاعلام لو توافرت لها المعينات لوصلت المواطنين في أريافهم وقراهم ومنازلهم بصورة تعكس الواقع أكثر من الإذاعة والتلفزيون.. يا له من أسف ان يكون العهد الذهبي لمكاتب الاعلام في ستينيات القرن الماضي ونحن نعيش في السنة الثامنة في الألفية الثالثة.. لقد كانت مكاتب الاعلام في تلك الفترة يجلس على مقاعدها الدكتور إدريس البنا والدكتور المرحوم فيصل محمود والبروفسير حسن الزين وكانت تملك السينما المتجولة وتطبع النشرات وترعى الفرق الثقافية وتنظم المسابقات فى مجال الصحة والتفوق المدرسي ومحو الامية بين القرى المختلفة.. ان الاذاعات بشقيها المرئي والمسموع لايمكن بأى حال ان تسد الفراغ الكبير لمكاتب الاعلام بالولايات..بل ان مضامين برامج هذه الاذاعات لا تخرج من دائرة (النسخ الكربوني) لبرامج الاذاعة والتلفزيون الام في أم درمان حيث تفتقر الإذاعات الريفية ملامح الريف ورائحة المحلية وعطر (الديوان) (والراكوبة) وعرق العائدين من حقولهم. إننى أحاول ان اشعل فتيل الاهتمام بالاعلام الريفي السوداني الذى أصبح يعرف القنوات الفضائية.. واخاف شخصياً من ان يصاب أهلنا (بثورة الإحباط) عند مقارنة ما يشاهدونه بحالهم..لذا اعتقد اننا فى مرحلة مهمة ليست بالطبع مرحلة التخلي عن مسئوليات الاعلام الريفي كما يحدث الآن من ايلولة ادارة وميزانية الاعلام الريفي للولايات، فالقضية اكبر من ان تتولاها الولايات والخطر اكبر من ان نتصوره .. ارجو ان تكون هذه الكلمات بداية لآراء عديدة نصل عبرها لاستراتيجية متكاملة لعمل الاعلام فى الريف السوداني.. ونضع خطة متكاملة لعمل الاعلام فى الريف السوداني.. ونطمع في تعليق من وزراء الشئون الثقافية والاعلام بالولايات حيث ان المرحلة الحالية التى يمر بها السودان تحتاج الى دور الاعلام الولائي فى تعميق مفهوم السلام الاجتماعي وبالتالي لابد ان يكون المضمون ملائماً لهذه المفاهيم من حيث الاعداد والعرض. محاولة لتوحيد الخطاب كانت هنالك مبادرة من ولاية نهر النيل لتوحيد الخطاب الاعلامي الولائي عبر تنظيم مؤتمر الإذاعات الولائية الأول الذى استضافته مدينة عطبرة في العام 2006م ورغم الترتيب الجيد لهذا المؤتمر إلاَّ ان بوادر التحفظ كانت واضحة من قبل الهيئة السودانية للاذاعة والتلفزيون لإنجاح فعاليات هذا المؤتمر حيث اعتذر الدكتور أمين حسن عمر مدير الهيئة آنذاك عن الحضور وانتدب الأستاذ معتصم فضل ممثلاً له.. وقد تعرض الأستاذ معتصم فضل إلى ضغوطات من مديري الإذاعات الولائية فيما يختص بقضايا التدريب وتأهيل الأجهزة التقنية ووضع سياسات المضمون الاعلامي.. وقد كانت انعكاسات نتائج هذا المؤتمر ان سعت الهيئة السودانية للإذاعة والتلفزيون لعقد اتفاقيات مع الإذاعات الولائية لتبادل بعض المصالح دون ان نلحظ الآن على ارض الواقع نتائج هذه الاتفاقيات .. وفى تقديري ان الإذاعات والتلفزيونات الولائية تريد من الهيئة السودانية رعاية وليس اتفاقية خاصة بعد الافرازات السالبة لقانون انشاء الهيئة السودانية للاذاعة والتلفزيون لسنة 2001م الذى بموجبه تم فصل الاذاعات والتلفزيونات الولائية عن المركز وبعده تم نقل الكفاءات المدربة من الولايات للخرطوم فى خطوة اضرت بالاعلام الريفي واعتبرت اكبر هجرة للاعلاميين فى السودان نحو العاصمة فى الفترة الاخيرة.. صورة رجل الاعلام الريفي إن هذه الهجرة اضرت بالصورة الذهنية لرجل الاعلام الريفي الذى يعمل الآن بالولايات ..فوفق هذه الهجرة فان من بقوا في ذهن الكثيرين هم من سقط المتاع وبالتالي أصبح الذهاب للعاصمة سلوكا يؤكد الكفاءة وإبراز الذات حتى إن كثيراً من المسؤولين ينظرون للاعلامي الولائي انه تحت التدريب مهما اكتسب من خبرة ومعرفة ومهارة. ان محو هذه الصورة الذهنية يتطلب توطين تقنيات الاعلام في الولايات وتشجيع انتاج الصحف الولائية .فهنالك عدم توازن في الإصدار .. فتصور عزيزي القاريء ... أن السودان الآن تصدر به حوالي (56) صحيفة من يومية الى اسبوعية وكلها تصدر من الخرطوم.. إن المسيرة التى بدأها المرحوم الفاتح النور في كردفان أسست لمفهوم الصحافة الولائية في السودان ولكن هذه التجربة تحتاج لاستدعاء جديد في ظل توافر تقنيات الانتاج الحديثة وسهولة نقلها الى الولايات. ختامًا... يحتاج الاعلام الولائي الى خطة مشتركة تعمل على توحيد المضمون وتمهد طريقا معبدا فيما يختص بنقل السلام السياسي الى سلام اجتماعي وذلك عبر التواصل الثقافي في اطار التعبير عن حاجات المجتمع المحلي. ? أستاذ جامعي