إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أول الضحايا علي حامد ورفاقه
الفكر الانقلابي أكبر كارثة ألمت بالقوات المسلحة السودانية.. «1-2»
نشر في الرأي العام يوم 04 - 01 - 2010

لقد درجت في الفترة الأخيرة على عدم قراءة الصحف لسبب بسيط فأنا إنسان أبيقوري اكره الألم واكره الحزن فقد تألمت وحزنت في طفولتي وشبابي كثيراً ولذا درجت على محاولة إخراج النكتة من المأساة. وقد درجت معظم الصحف في الآونة الأخيرة على وضع عنواين مثيرة لحث الجماهير على شرائها ومن ثم داومت معظم الصحف على نشر أسرار الناس وفضائح الناس والعديد من الجرائم والكوارث المؤلمة والمخزية والتي كانت في الماضي - ان نشرت في داخل الصحيفة تحت عناوين صغيرة بعيداً عن الانظار وفي كثير من الحذر. ---- - لقد أمتلأ السوق الصحفي بعشرات الصحف اليومية وتعدد ملاكها واتجاهاتهم وتصدر لها شباب لم يعرفوا الرعيل الأول من فطاحل وعمالقة الصحافة السودانية الذين كانت لهم تقاليد وقيم ونظم عريقة وتطور مجال فن الاعلام وتوسع الصرف عليه وفازت العديد من الصحف بكسب مالي كبير وما زلنا كل يوم نسمع بصدور صحيفة جديدة تحمل عناوين ضخمة عن أحداث قد لا تكون ضخمة. من أجل ذلك لم أطلع على ما كتبه الأخ الاستاذ عبد الرحمن عبد الماجد بعنوان «الشهيد علي حامد ورفاقه» بصحيفة «الرأي العام» إلا أن العديد من الذين قرأوا المقال إتصلوا بي في اليوم التالي ذاكرين ان الاستاذ عبد الرحمن عبد الماجد، شقيق المرحوم عبد الحميد عبد الماجد قد أشار في مقاله إلى دوري في محاكمة المرحوم علي حامد ورفاقه وأشار إلى الندوة التي عقدت في المنتدى العائلي بالخرطوم وسؤاله عن محاكمة علي حامد ورفاقه. لقد ظلت سيرة محاكمة علي حامد ورفاقه الشرخ الوحيد في درع مزمل غندور الذي ظل يحاول منتقدو مزمل غندور أشانته في ذلك الدور الذي قام به كممثل للأدعاء في المحاكمة. ظل ذلك طوال السنين يتردد وأظل أنا صامتاً. لقد ظل حسادي واعدائي- ان كان لي اعداء- وآخرين يقولون دوماً ان مزمل ذكي وطموح ويعتبرون ذلك عيباً ويعرفون جميعاً أني طوال حياتي -والحمد لله- ظللت مترفعاً عن الصغائر والرذائل محاولاً ان أظل نظيفاً من كل دنس. طوال عامين في الكلية الحربية لم اغادر المعسكر ليلاً هارباً إلى أماكن اللهو واظل وحدي وربما كل زملائي خارج المعسكر سراً. وظللت طوال حياتي بعيداً عن الخمر والرذيلة ومعاشرة بنات الهوى الأمر الذي كان سمة معروفة بين الضباط. ظللت أميناً ديناً مخلصاً مجتهداً تفوقت في كل مجال تقدمت فيه عسكرياً ومدنياً وأهلت نفسي بالعلم والمعرفة والدين. ومن شعاراتي قول البحتري: صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس وتماسكت حين زعزعني الدهر التماساً منه لتعسي، ونكسي وقول الشاعر أحمد محمد صالح: هذي اليراعة في يدي لو شئت صارت ذات حد أو شئت سالت علقما سماً يرى عند التحدي ? لقد استمرت ذكرى محاكمة المراحيم علي حامد ورفاقه يشار فيها إلى مزمل غندور في أي وقت جاءت فيه المناسبة والغريب في الأمر لم يشر أحداً إلى المحكمة التي حاكمت علي حامد ورفاقه وحكمت بالاعدام وأقول ان المحكمة فعلاً حكمت بالاعدام -رغم تنصل رئيس المحكمة من الأمر- فقد كان في المحكمة نائب احكام قانوني مدني يراقب الاجراءات وكان للمتهمين محامي معروف بالكفاءة والمقدرة- ولكن كان اعضاء المحكمة يأملون في تخفيض الحكم إلى السجن بواسطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة كما حدث في محاكمات سابقة- إلا ان المجلس الأعلى للقوات المسلحة - ولأسباب يعرفها أعضاؤه- أيد الحكم. والغريب أيضاً لم يتهم عبود بأنه أعدم علي حامد ورفاقه أو غير الحكم من السجن- كما زعم رئىس المحكمة- إلى الاعدام بل صادق عليه فقط وظل الشعب يقول: «ضيعناك وضعنا معاك يا عبود» بعد ان زال حكمه. وكرم عبود عدة مرات وسميت باسمه الحدائق وكرمت أسرته وحتى رفاقه في المجلس الأعلى ذكروا بالخير. هذا هو الشعب السوداني لقد رسم الاستاذ عبد الرحمن عبد الماجد صورة دراماتيكية لعملية اعدام المتهمين قبل التنفيذ كأنه كان حاضراً - وبالقطع لم يكن كذلك- فقد كان في العاشرة ربما كان الاستاذ عبد الرحمن اديباً أو فناناً فصارت الصورة شبيهة بما أخرجه الاعلام عن اعدام صدام حسين. لقد ذكرت أثناء الندوة التي عقدت في المنتدى العائلي بالخرطوم أنني سأذكر تفاصيل الاحداث في مذكراتي. وفعلاً قد دونت كل ما وعت ذاكرتي أو وثائقي عن الاحداث إلا ان كتابة المذكرات مسؤولية تاريخية أولاً أمام الله وثانياً أمام النفس وثالثاً أمام الوطن وأهله ولذلك لم يجازف الساسة الكبار الذين قادوا السودان إلى الحرية والاستقلال لم يحاولوا كتابة مذكراتهم- وذلك خطأ كبير في حقنا نحن الذين جئنا من بعدهم. لقد ربطت بيني وبين المرحوم الاستاذ أحمد خير المحامي والذي ظل وزيراً لخارجية السودان على مدى ست سنوات ووضع سمعة السودان في مدار الدول العظمى مودة صادقة وظللت ازوره في داره في الرياض وأتآنس معه واتعلم منه الكثير وعندما سألته عن كتابة مذكراته قال لي: لقد آلّهتم العديد من الساسة ولو كتبت مذكراتي وذكرت الحقائق لقال الناس: «أن احمد خير قد خرّف أو حاقد أو مجنون وذلك هو السودان» ولذلك ظللت أراجع مذكراتي المرة بعد المرة رغم ان الناشر الذي اتعامل معه يحثني كل يوم على طبعها ونشرها. وفي حياة البشر كما يقول أهلي العربان -والدي جاء من البادية وللبادية حكمها- يقول أهلي «هناك شي بتقال وهناك شي ما بتقال». وقصة محاولة انقلاب علي حامد ورفاقه فيها شئ بنقال واشياء ما بتنقال. طوال حياتي أكره الحديث عن سير الآخرين خاصة فيما يختص بالسلوك والاخلاق وطوال حياتي أكره نبش القبور فنبش القبور لا يأتي إلا بالنتن من الرائحة والكريه من المنظر.. ونبش قبور المراحيم علي حامد ورفاقه قد يأتي بما لا يسر أو يفرح وقد مضت على ذلك الحقب. فقد كانوا جميعاً شباباً معظمهم لم يتخط الاربعين ولو عاشوا حتى الآن لوصلوا إلى الثمانين والفرق واضح بين الحياتين والزمنين. لقد شعرت وانا أقرأ مقال الاستاذ عبد الرحمن بالاضافة إلى المرارة والحزن لفراق اخيه هناك نوع من التحدي لمزمل غندور وخاصة عندما اشار إلى مقال ونقد الاستاذ محمد خير البدوي بعد ندوة المنتدى العائلي. وفعلاً لم أرد على الاستاذ المؤرخ محمد خير البدوي رغم أنه حاول تشويه بطولات الأورطة السودانية التي ارسلت إلى المكسيك وقال أنهم مرتزقة وحاول طمس ثورة 4291م العظيمة على أنها حركة من بقايا رقيق مصر في الجيش السوداني وحاول ان يتهم مزمل غندور رفاقه الذي خرجوا من توريت في «81 اغسطس 5591م» يوم تمرد الفرقة الاستوائية هروبا من الموت وعدم الاستشهاد مع من استشهد رغم كل ذلك لم ارفع القلم وأرد على مقاله لسبب بسيط «ان هناك ما يقال للعامة وهناك ما لا يقال أو ينشر» ولكني لم اصمت فانا انتمي إلى قبيلة عريقة عرفت بأنها عندما قسم الخوف على الناس كان أهلنا غياب فلم يصلهم نصيب من الجبن أو الخوف ولكني ذهبت إلى الاستاذ المؤرخ الكبير محمد خير البدوي وأنا اعرفه من ام درمان ومن مدرسة ام درمان الثانوية واعرف أهله وخلفيته وأعرف سلوكه ان كان في السودان أو كان في انجلترا.. ذهبت إليه في داره في العباسية ومعي ابني سلمان ونسيباي جعفر جاد الرب وعلاء الدين الطيب السيد ودخلنا عليه في داره وفوجئ وظن أننا جئنا للاعتداء عليه فخرج من الدار وعاد معه شخص آخر ليبقى في حمايته ولكني اترفع عن الاعتداء على الضعفاء وتحدثت معه وعلى مدى ساعتين أو أكثر وبحضور من معي وتم تسجيل تلك المقابلة بالفيديو وظل الاستاذ المؤرخ محمد حمد البدوي يدخن السجارة بعد السجارة حتى قضى على علبتين من السجار وحاول تبرير تصرفات تاريخية يعرفها هو وأعرفها أنا وحاول الاعتذار ولان ما دار بيننا من نوع الكلام الذي لا يقال للعامة ولا ينشر فقد اكتفيت بتلك المقابلة المرئية والمسموعة. هكذا أنا. موضوع الانقلابات العسكرية التي انتهت بانقلاب علي حامد ورفاقه ولم تنته بالنسبة للسودان موضوع جاءنا مستورداً من مصر فقد ظل الجيش السوداني جيشاً حرفياً ملتزماً منضبطاً كونه الانجليز على نمط الجيش البريطاني ثم الهندي ولكن عندما نجح عبد الناصر في انقلاب 1952م عمد إلى تصدير الفكرة إلى البلاد العربية بشعار «القومية العربية» وجاء إلى السودان الصاغ صلاح سالم وأول من التقى بهم الصاغ صلاح سالم ثلاثة ضباط من القوات المسلحة والواسطة في ذلك المراحيم والسادة خضر حمد وعبد الماجد ابو حسبو وقد ذكر ذلك خضر حمد في مذكراته التي نشرها ابن اخيه حمد عبد الله حمد وكان الضباط الثلاثة محمد أحمد عروة وأحمد الشريف الحبيب ومزمل سلمان غندور وكانت تلك أول خلية لما سمى بجماعات عديدة باسم الضباط الاحرار تشبهاً بمصر. الفكر الانقلابي كان كارثة على القوات السودانية المسلحة. ها أنا أسرد جزءاً من التاريخ الذي اعرفه ولا يعرفه المؤرخ محمد خير البدوي. لم تعجب الصاغ صلاح سالم وجهة نظرنا وحاول الاتصال بضباط آخرين وذات يوم دعينا علناً إلى اجتماع في منزل عبد الرحيم شنان في المنطقة العسكرية بام درمان وخاطب الاجتماع عبد الرحيم شنان واليوزباشي محمد ابو نار مدير مكتب صلاح سالم وهكذا بدأت الشرارة الانقلابية في السودان. نجح عبد الناصر في تصدير الفكرة إلى سوريا رغم أنه سبقه الامريكان في تدبير انقلاب الزعيم حسني الزعيم العام 1948م ثم إلى العراق ثم إلى اليمن الأول مع عبد الكريم قاسم والثانية مع السلال ثم إلى السودان مع جعفر نميري وإلى ليبيا مع معمر القذافي. في السودان ظل الامر يسير على أحسن حال ظاهرياً في القوات المسلحة حتى توصلنا إلى الاستقلال بانتخابات ديمقراطية نظيفة جداً قادتها واشرفت عليها لجنة دولية برئاسة «سوكومارسن» الهندي ورحبت الفئة الفائزة وسعدت بالفوز ورضيت الفئة المهزومة بالهزيمة بروح ديمقراطية سليمة وصرنا أول دولة في دول العالم الثالث وخاصة افريقيا تحكمها حكومة ديمقراطية سليمة. إلا أن الرجل الذي قاد السياسة بعقله الكبير وحنكته إلى ان وصل إلى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان، لم يعجب تصرفه خوجلي كما لم تعجب زعامته بيت المهدي والتقى السيدان لأول مرة واسقطت الحكومة الأولى العظيم وكان ذلك أول كارثة للديمقراطية في السودان وجاءت حكومة الاميرلاي عبد الله بك خليل بتحالف بين حزب الشعب الديمقراطي وحزب الأمة وتحول ازهري ورفاقه إلى المعارضة لكن التحالف لم ينجح فقد ظل منذ البداية كالماء والزيت يستحيل خلطهما وسرت الاشاعة نقول ان هناك محاولة للعودة إلى الحزب الوطني الاتحادي مرة أخرى وفض إئتلاف لقاء السيدين من ذلك قرر رئىس الوزراء ووزير الدفاع الاميرلاي عبد الله بك خليل تسليم السلطة للقوات المسلحة حفاظاً على استقلال السودان وامنه وحريته كما يعتقد. وبذلك جاءت الحركة المباركة -كما سماها عبود في أول يوم- واستولت القوات المسلحة على السلطة وكون مجلس اعلى للقوات المسلحة من كبار الضباط وحسب الاقدمية العسكرية إلا أن هناك خطأ قد حدث -إذا يمكن تسميته خطأ- فقد دخل المجلس الأعلى ثلاثة ضباط لم تؤهلهم اقدميتهم ولم يدخل الاميرلاي محيي الدين أحمد عبد الله والاميرلاي عبد الرحيم محمد خير شنان المجلس في الوقت الذي دخله الاميرلاي محمد أحمد التجاني قائد سلاح الخدمة والاميرلاي عوض عبد الرحمن قائد سلاح المهندسين والقاضي حسين علي كرار قائد حامية الخرطوم والتي كان سلاح المدرعات جزءاً منها والثلاثة هم قادة القوة التي قامت بالانقلاب. من أجل ذلك وفي أول مارس عام 1959م تحركت الاورطة الثانية القيادة الشرقية بقيادة القائمقام إبراهيم رمضان والاورطة الثانية القيادة الشمالية بقيادة القائمقام ابو بكر فريد نحو الخرطوم بدعوى ان الاورطتين في طريقهما إلى الجنوب ومع الاولى الاميرلاي محيي الدين أحمد عبد الله والثانية معها الاميرلاي عبد الرحيم محمد خير شنان. وصلت القوتان إلى الخرطوم وحاصرت القيادة العامة ومنزل بعض اعضاء المجلس الأعلى و على رأسهم اللواء أحمد عبد الوهاب. كان اللواء أحمد عبد الوهاب الشخصية المرعبة في القوات المسلحة فله كاريزما طاغية ويخشاه معظم الضباط وحتى الذين تعاملوا معه في المجلس الأعلى كانوا يتمنون لو غاب عنهم. دخلت وساطات في ذلك اليوم -أول مارس- ولم تطبق الأسس العسكرية بل السماحة والود السوداني وسافرت الاورطتان إلى الجنوب وعاد محيي الدين أحمد عبد الله إلى القضارف وعبد الرحيم شنان إلى شندي إلا أن أحمد عبد الوهاب أصر على محاكمة محيي الدين وشنان، وفي ليلة الثالث من مارس 1959م اتصل
أحد أعضاء المجلس الأعلى سرياً بشنان في شندي ومحيي الدين في القضارف واخطرهما بوجهة نظر أحمد عبد الوهاب فما كان من الاميرلاي عبد الرحيم محمد خير شنان- هو رجل عرف بالشجاعة والجسارة- ولم تكن له قوة ضاربة في شندي فقد سافرت الاورطة الوحيدة إلى الجنوب مع ابوبكر فريد ولم تعد الاورطة الأولى التي في الجنوب، فما كان من شنان إلا أن جمع عدداً من المستجدين الذين لم يضربوا سلاحاً بعد وجاء ليلة الرابع من مارس 1959م إلى الخرطوم وحاصر الرئاسة وطالب بحل المجلس الأعلى وتدخلت الوساطات مرة أخرى والمؤامرات أيضاً فقد حاول البعض اقناع عبود بابعاد أحمد عبد الوهاب على اعتبار أنه ربما سيكون مثل جمال عبد الناصر لنجيب لذا قال عبود في الاجتماع -ان كان حل الازمة بابعاد الضباط الثلاثة واحمد عبد الوهاب فليكن ذلك. ثار أحمد عبد الوهاب كعادته وقدم استقالته وخرج من المجلس ودخله عبد الرحيم شنان ومحيي الدين أحمد عبد الله وتقلدوا مناصب الوزارة. كل ذلك في مارس 1959م إلا ان استقرار محيي الدين وشنان بالخرطوم لم يعجب ضباط القادة الشرقية وكذلك الشمالية وجاءت حركة أخرى يقودها أحمد محمد أحمد ابو الدهب ورفاقه ووصلوا إلى ضواحي الخرطوم وأنتهى الأمر في مايو 1959م ان حوكم محيي الدين أحمد عبد الله وعبد الرحيم شبان وأحمد عبد الله حامد وتم سجن الأولين وابعاد أحمد عبد الله حامد والعديد من الضباط الذين اشتركوا في الحركة الأخيرة. وكانت قصيدة الطاهر إبراهيم قد قصد بها محيي الدين فقد عمل معه في الشرقية. بعد هذا الحديث الطويل الذي سردته باختصار دون ذكر التفاصيل يتضج جلياً ان الحركة الانقلابية في القوات المسلحة التي بدأت من قبل استيلاء عبود ورفاقه على السلطة قد كانت أولاها محاولة انقلاب عبد الرحمن اسماعيل كبيدة العام 1957م والتي توليت فيها الدفاع عن عبد الرحمن ورفاقه وانتهت بالسجن وليس الاعدام. ففكرة الحركة الانقلابية لم تكن أساساً من أجل الديمقراطية ولا حقوق الانسان ولا الدين الاسلامي ولا من اجل الجياع والعراة والكادحين، كانت طوال الوقت صراعاً على السلطة وان رجال القوات المسلحة اكتشفوا ان الوصول إلى السلطة والحكم من خلال فوهة البندقية أسهل رغم انه اخطر من صندوق الاقتراع. من أجل ذلك كانت حركة المرحوم علي حامد جزءاً من الصراع على السلطة وكان لعلي حامد أسبابه الخاصة ودوافعه الخاصة ليس من بينها الديمقراطية أو الدين أو حقوق الانسان أو من أجل الجياع والعراة والكادحين. لن أتكلم عن الاستشهاد فهذا أمر ديني لا يعلمه إلا الله ولكن دوري كما ذكر سابقاً في تلك المحاكمة أنني من ضمن كفاءاتي واجتهاداتي. رغم أنني ضابطاً في القوات المسلحة ولي من المظهر والمركز ما يكفيني إلا أن طموحاتي قادتني إلى دخول أول دفعة في جامعة القاهرة بالخرطوم في كلية الحقوق وتخرجت في أول دفعة في تلك الجامعة فاضافت إلى كفاءتي الثقافية والهندسية القانون وكنت أول قانوني في القوات المسلحة وألفت أول وآخر كتاب في القانون العسكري.. «الوجيز في قانون الاحكام العسكرية» والذي ظل المرجع الوحيد للضباط على مدى اكثر من نصف قرن.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.