فترات التحرر الوطنى أو التحوّل من الجمهورية الأولى الى الجمهورية الثانية دائما تأتى بزعيم كشروق الشمس يعقبه واحد من تلك الفترة كفترة الضحى! حدث شيئ من ذلك بين غاندى ونهرو ... وبين احمد بن بيللا وهوارى بومدين ... وجمال عبد الناصر وأنور السادات ... ومحمد على جناح وأيوب خان! مع استقلال اندونيسيا من الاستعمار الهولندى برز الزعيم التاريخى سوكارنو ... وحين اختار النهج الاشتراكى تكالب عليه الشيوعيون بمليشياتهم وثورتهم الدموية و حزبهم الأكبر حجما من أحزاب آسيا وافريقيا الشيوعية ليقطف التجربة الاشتراكية ويقطف سوكارنو نفسه ... وسال الدم الأحمر فى شوارع جاكارتا حتى استطاع الجيش الاندونيسى ايقاف النزيف من شرايين اندونيسيا فقضى على الثورة الدموية وعلى الشيوعية وسيناريوهاتها وبرز اسم جديد : الجنرال سوهارتو ... كانت فترة سوكارنو هى شروق الشمس ... وكان سوهارتو ضحى ذلك الشروق! وحكم الجنرال سوهارتو الجزر الاندونيسية وملايينها ومياهها منذ منتصف الستينيات حتى أواخر التسعينيات ... حكمها مثل معظم حكّام العالم الثالث فى تلك الفترة بالقهر والسجن والاستخبارات و طبقة المنتفعين الفاسدين أصدقاء الحكّام ... حتى أتت مرحلة الشعوب التى تبحث عن أفق جديد ودورة سياسية جديدة برجالها ونسائها وأهدافها ووسائلها ... فحاصرت سوهارتو المشكلات ... حاصرته الثورات الطلابية وتمرد تيمور الشرقية ... واحتمال تمرد تيمور الغربية! وبعوامل الضغط الجوى تقدّم سوهارتو باستقالته وخرج من المسرح السياسى وأنقذه مرضه العضال وشيخوخته من المثول أمام محكمة الفساد ... فمكث بين سرير المستشفى الأبيض و سرير التقاعد السياسى الأسود حتى وفاته أمس ... ليكون واحدا من الرؤساء الذين ماتوا مرتين : سياسيا على كرسى الحكم ...... وبيولوجيا على سرير المرض! لسوهارتو حسناته السياسية المتناثرة التى تذوب فى حكم مقداره أربعة وثلاثين عاما ملبّدا بغيوم الأحكام الاستثنائية ... ومع ذلك يكفى سوهارتو أنّه كان ضحى لشمس أشرقت مع سوكارنو ... وأنّه ترك شعبا مقداره مائتى مليونا يبحث عن شمس بديلة شمس الأصيل