تعاني منظمات الاغاثة في دارفور من ثنائية تعرض شاحنات الاغذية لعمليات نهب وما يترتب عليها من احجام شركات الشاحنات من العمل من جهة وتلف الاغذية لتعرضها للتخزين لفترات طويلة قبل ترحيلها من جهة ثانية وتنطلق شاحنات برنامج الاغذية العالمى شهرياً من ميناء بورتسودان محملة بالمساعدات الانسانية لتقطع مسافة تتجاوز ال3000 كيلومتر ، فى رحلة محفوفة بمخاطر ليس لها حدود، بين ظروف الطبيعة، وجور الانسان، وبنية تحتية تحاول ان تصمد تحت وطأة هدير محركات العربات واطاراتها الثقيلة التي تطوي الطرق المعبدة والفيافي المقفرة لمسافة زمنية تستمر اسبوعا من أجل أيصال خمسين الف طن من الغذاء لما يزيد عن 3 ملايين شخص بدارفور وحدها. ولا تنحصر المساعدات الانسانية التى يقدمها البرنامج الى سكان أقليم دارفور فقط، فهناك قرابة ال7 ملايين سوداني يتلقون الغوث سنويا، يتوزعون بين 2 مليون متشرد، و3.6 نازح،وأكثر من 1.4 كمتضررين. ولكن دارفور وحدها تمثل الآن أكبر عملية طوارئ إنسانية في العالم، وهى بالتالي تأتي ضمن أضخم مهام البرنامج.وحينما بدأ برنامج الأغذية لأول مرة عمليته للإغاثة الطارئة بها عام 2004، كانت المشكلة الوحيدة هي الطرق أثناء موسم الخريف والأوحال. عامل جديد ولكن تفاقم مشكلة قطع الطريق خلال العام الماضي وبداية الحالي جعل الوصول إلى الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة أمراً صعبا على عمال الإغاثة الإنسانية. وقد أطلق برنامج الغذاء العالمي تحذيرا في الاسبوع الماضي من احتمال خفضه للمعونات الغذائية لدارفور بعد اسبوعين اذا استمرت عمليات النهب التي تستهدف شاحنات نقل الامدادات، وفيما تعرضت (22) شاحنة بسائقيها للاختطاف خلال يناير الماضي يعتبر مصير(18) سائقاً مجهولاً. وقال ممثل برنامج الغذاء العالمي بالسودان كنرو أوشيداري: «ترفض شركات النقل الرئيسية التي تعمل معنا إرسال مزيد من الشاحنات بسبب زيادة نشاط العصابات... ولا نجد من ينقل ما يصل إلى نصف المتطلبات الشهرية من أغذية الإغاثة». وأضاف أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن برنامج الغذاء العالمي سيكون مضطراً لخفض الحصص الغذائية في بعض أجزاء دارفور بحلول منتصف فبراير. وأضاف أوشيداري: «بدون القيام بعمليات النقل هذه، ستنفد مخزونات البرنامج سريعاً ولن يتمكن من نقل وتخزين الغذاء مبكراً قبيل حلول موسم الأمطار المتوقع بدايته في شهر مايو. تقليص الاغاثة يذكر انه فى سبتمبر 2007، لم يحصل 122 ألفا من سكان دارفور المحتاجين،على حصصهم الغذائية من المساعدات التي يقدمها البرنامج لأنه لم يتمكن من الوصول إليهم بسبب انعدام الأمن، كما قتل ثلاثة سائقين تابعين للبرنامج فى أكتوبر الماضي. وتري منظمات الغوث أن هذه الاعتداءات الوحشية على شاحناتها بجانب انقطاع الطرق بسبب الخريف ، يحدان كثيرا من مقدرتهم على توزيع المساعدات الغذائية الحيوية، والتي تشمل الحبوب، وخليط الذرة والصويا الغني بالمغذيات، بالإضافة إلى السكر والملح. وقد يؤدي الامر الى تلف تلك المواد مما يقود الى أبادتها. وقد تكررت ظاهرة ابادة المواد الاغاثية التالفة فى الآونة الاخيرة كثيراً لدرجة ان البعض ظن أن المواد الاغاثية تأتى للبلاد وقد قاربت على أنتهاء صلاحيتها، الا أن الطاهر بكري المدير التنفيذى للجمعية السودانية لحماية المستهلك أكد ل(لرأي العام) أن الجمعية ومن خلال التعاون الوثيق مع الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس،ونيابة وشرطة حماية المستهلك، ووزارة الصحة، لا تسمح بدخول أية سلعة غير مطابقة للمواصفات، خاصة المواد الغذائية. الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس من جانبها تؤكد أن اجراءات الجودة هى أولوية لهم،كما أن الدولة أوصت المواصفات والجهات المختصة،باعطاء اولوية لفحص المساعدات الانسانية.وتشدد الهيئة بأن كل المواد الاغاثية التى تأتى للسودان عبر المعابر الرسمية تم التأكد من سلامتها، وصلاحيتها. ولكن البيان الذى صدر عن برنامج الغذاء فى منتصف يناير الجاري وأعلن عن ابادة 63 طناً مترياً (مايعادل 0.58% من المتوسط الشهرى) من المواد الغذائية التالفة بالتعاون مع سلطات شمال دارفور شد الانتباه اكثر الى كمية المواد التالفة التي تجري ابادتها والاخرى التي تحوم الشكوك حول تلفها، ولم يكن اعلان البرنامج الحالة الوحيدة فقد سبق وان اعلنت ادارة الصحة بجنوب دارفور فى نهاية العام الماضى عن ابادة اغذية فاسدة بحوالى 10 مليارات جنيه سودانى(بالقديم)، أعلنت المنظمة المسئولة عنها أنها فسدت لسوء التخزين. ووصل الامر حد تكوين لجنة مشتركة للتخلص والابادة السليمة والصحيحة للمواد الغذائية التالفة بالتنسيق بين برنامج الغذاء مع وزارة الصحة، هيئة المواصفات و المقاييس، مفوضية العون الانساني، الأمن الوطني،الاستخبارات العسكرية، والشرطة. وقد قامت اللجنة المشتركة فى منتصف الاسبوع الماضى بابادة (131) طناً من المواد الغذائية الإغاثية بمدينة نيالا. وقالت إيمي نيكيس مسئولة الإعلام ببرنامج الغذاء العالمي بولاية جنوب دارفور في تصريح صحافية معلقة على عملية الابادة:(أن المنظمة الدولية حريصة على إيصال مساعدات جيدة إلى معسكرات النازحين بولايات دارفور ، كما أن المواد التي تمت إبادتها أتلفت بسبب الترحيل من ميناء بورتسودان إلى دارفور). واضافت إيمي ايضاً أن المواد الغذائية فسدت بسبب اختلاطها بمواد بترولية وأنها أصبحت غير صالحة للاستعمال البشري . وأِكدت بعض المصادر ل(الرأي العام) أنه يجري الآن حصر للمواد غذائية أخرى تالفة تمهيداً لإبادتها فى مقبل الايام بواسطة اللجنة المشتركة. ويري بعض المختصين فى مواصفات السلامة والجودة أن سوء التخزين والترحيل، هما عاملان مهمان فى الحفاظ على صلاحية المواد الغذائية، ويذهب الطاهر بكري فى هذا الاتجاه الى أن عوامل التخزين السيئة والظروف المناخية (خاصة الامطار والاتربة) يؤديان لفقدان المساعدات الغذائية لصلاحياتها بسرعة. غير أن احد الباحثين فى سلامة وجودة المواد الغذائية- فضل حجب اسمه- أعد دراسة عن المساعدات الانسانية التى تقدمها المنظمات الانسانية فى عدد من المناطق، كشف ل(الرأي العام) عن ان العديد من المنظمات الانسانية، لا تطبق قواعد التخزين السليم، فالكثير من العاملين فى المخازن لا يميزون بين الغذاءات الجديدة والتى دون ذلك، واضاف أن العديد من الاصناف الغذائية محورة جينياً ك (csp)خلطة غذائية للاطفال،ويشير الباحث الى أن الاغذية المحورة موضوع أختلاف، فالبعض يشير الى أن هذه الاغذية تتسبب فى احداث تشوهات مستقبلية على الاجنة. ويشدد العاملون ببرنامج الأغذية العالمي على أن لديهم توجيهات صارمة تقضي بالتخلص والابادة السليمة والصحيحة للمواد الغذائية التالفة. بعد تبليغ السلطات ذات الصلة. غير أن البعض يعتبر أن التفاهم الجيد بين المنظمات الانسانية وعلى رأسها برنامج الغذاء العالمي والحكومة يلعب دوراً حاسماً فى ايصال المساعدات لطالبيها بصورة طيبة، خاصة فى توفير تسهيلات بما يتعلق بالفحص، والتصاريح. ويستدلون على ما حدث فى ابريل من العام المنصرم. ويشير مراقبون الى أن ضعف معلومات بعض المنظمات تجاه المستهدفين، يقود فى احيان كثيرة الى جلب مواد غذائية لا تجد الكثير من الطلب لعوامل تتعلق بالثقافة الغذائية ، الامر الذى يعمل على تكدسها ومن ثم تلفها. وينبهون الي ان هذه المواد التالفة تاتي خصماً من حصص المعوزين. ويبدو أن تفاهمات أبريل الماضي بين برنامج الغذاء والحكومة السودانية حول تسهيلا انسياب المساعدات حتى لا تتعرض للتلف لم تفلح في وضع حد لنزيف المساعدات الانسانية.الامر الذى فاقم من ابادة المساعدات الانسانية التالفة، لتتهدد بالتالي حياة حوالي خمس السودانيين الذين عصفت بهم النزاعات والكوارث الطبيعية وصاروا يعتمدون على الاعانات الانسانية.