خمسون عاماً وهو يملأ أفق الغناء السوداني بالروائع الخالدة، أحب الفن منذ نعومة أظافره، وترك المدرسة الأولية وزهد فيها لأجل الفن، مكتفياً بما ناله في «الخلوة». في «حي العرب» بأمدرمان كان ميلاده، نشأ في هذه البيئة المترعة بالغناء، رافق العملاق عبد الرحمن الريح فانسابت الألحان عذبة بين يديه، وامتلك القدرة على اختيار الكلمة الصادقة الجميلة، تعلم العزف على آلة العود باكراً وترنم بأغنيات الكاشف «الحبيب وين.. قالوا لي سافر».. بصوت شجي وألحان براقة بدأ مع رفيق دربه عبد الرحمن الريح الانطلاق في عوالم الفن الرحيب، تعامل مع عدد كبير من الشعراء تقدمهم عبد الرحمن الريح وسيف الدين الدسوقي ومحجوب سراج وابراهيم الرشيد وحسين جقود وعوض أحمد خليفة ومصطفى عبد الرحيم وغيرهم من النجوم الزواهر، وكان هو واسطة العقد بصوته الدافئ.. تعامل مع ملحنين امتلكوا ناصية الموسيقى، منهم ود الحاوي وبرعي محمد دفع الله والطاهر ابراهيم..وكانت له أيضاً قدم راكزة في مجال التلحين «قاصدني ما مخليني، لو قلت ليك، تذكار عزيز» وغيرها من الألحان العذبة التي تنقل بينها عبر مختلف الايقاعات، كيف وهو ابن امدرمان تلك المدينة التي رسمت ملامح السودان بمختلف قومياته، فجاءت ألحانه على ايقاعات السامبا والتمتم وعشرة بلدي والرومبا.. بالاضافة إلى ايقاع السيرة.. بهذه المسيرة الدفاقة تمكن مطربنا من القلوب وصار اكسيراً للمحبين، فخلدت أغنياته وازهرت فناً ووعداً وتمني، أغنيات زاهيات المتون، رقيقات الحواشي.. وكذلك حياته كانت مشواراً حافلاً بالعطاء، لم تزده السنوات إلا أصالة وتعتقاً.. وكما يقول د. مبارك بشير عن الراحل ان المبدعين من فصيلة إبراهيم عوض يأتون من حيث ندري ولا ندري في زمن التقاطعات والمتغيرات الاجتماعية الهائلة يعبرون الدنيا فيشغلون الناس، يحدث هذا بفعل رجال ونساء وبسطاء على غير ماعرفنا في شعاب البلاد المتقدمة حيث يتمكن نفر من البشر بفضل حظوتهم من البأس والعلم والمرتبة الاجتماعية وعلو شأن البيئة الثقافية من نقش اسمائهم على خرائط المجد والشهرة المصاحبة لحالات الابداع والتفرد وإبراهيم عوض على خلاف المواصفات العالمية التي ينهض على اعنتها الرواد والمفكرون والمجددون غالبا لم يفرش الطريق بالورود والرياحين أمامه , التأهيل الأكاديمي حتى بدرجته الوسيطة ولا استنشاق الرئة السليمة في معاهد الموسيقى الذي يغري بالابتكار والتجديد . رجل من عامة عمال المنطقة الصناعية بامدرمان اكتفى من مقومات النشأة برهط المبدعين بالفطرة السليمة والمزاج الشاعري الشعبي. قبل أربعة أعوام و(أسبوع) رحل الفنان الذري ابراهيم عوض عن دنيانا، بعد معاناة طويلة مع المرض..نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويلهم محبيه وأهله ومعجبيه الصبر الجميل على فراقه، وسنظل نردد ما أهدانا إليه ابراهيم ذات يوم مهما طال الزمن وتتابعت الأجيال: ولو تعرف عايش على عطفك كل حياتي من أملاك وتعرف يوم في دنيا غيابك يساوي سنين في دنيا هناك يا أعز عزيز..