بعض الأمثال الشعبية تفتقد قيمتها التوجيهية بسبب تطور أنماط الحياة وقفز التحضر الذي يتجاوز كثيراً مما كان من المسلمات والبدهيات.. قد تفقد بعض الأمثال الشعبية في نظر الانسان العصري قيمتهما وألقها وحماس تداولها ولكن لا شك ان لها ما لغيرها من القيمة التاريخية إذ هي سجل لتطور العادات والاحداث والمعتقدات ونبراس يرشد الباحثين إلى المراحل التي مر بها الحس الشعبي ذاته في مختلف البيئات وعلى مر العصور والاجيال. في بعض الحالات ينشأ المثل من قصة شائعة وذلك حين تكون القصة هي الأصل والمثل هو الفرع فقد يكون أصله أحجية من أحاجي الالغاز الشائعة في السودان مثل حجا «أم ضبيبينة» وهو يشير إلى ما يقوله الصبيان وهم يلعبون إذ يخاطب احدهم صاحبه بقوله: «عيني فيها دخلت واديها- فيقول الثاني «القملة» فيقول الأول: نان الناس بقولوا القملة؟.. فيقول الثاني نان بيقولوا شنو؟.. فيكرر له: نان يقولوا شنو؟ وهكذا يستمر في تكرار ما يقوله.. حجا يعني الاحاجي وهي جمع حجوة في لهجتهم وأم ضبيبينة يعني الذبابة الصغيرة وهي مصغر ضبانة بمعنى الذبابة، وسميت هذه اللعبة بهذا الاسم لما بها من تكرار كلام متشابه يشبه طنين الذبابة.. والمثل يضرب ذماً وانتقاداً لمن يكرر الكلام بلا فائدة أو يكثر من الثرثرة. وقد يكون أصل المثل احجية من أحاجي الأساطير والخرافات مثل «أبو الدرداق خطب القمرا» وتذكرنا قصته بما رواه العرب الأوائل في أساطيرهم عن نجم الدبران الذي جمع قلاصه وتبع الثريا حيث توجهت يريد الزواج منها. كذلك المثل القائل: «الحكاية لامن يجو أهل العجل.. واصله خرافة تحكي أن ذئباً طارد عجلاً حتى دخل العجل في وحل فتوقف، وتوحل الذئب أيضاً قبل ان يصل إلى مكان العجل.. فلما طلعت الشمس مر الثعلب بالذئب.. فشكا الذئب حاله للثعلب ليساعده على خلاصه مما هو فيه فقال له الثعلب: انت الآن أحسن حالاً والحكاية لامن يجو أهل العجل، أى ان الشر سيلحقك حينما يأتيك أصحاب العجل فيقتلونك ويخلصون عجلهم.. ويضرب لمن أرتكب أمراً يعلم أن عاقبته شر محقق.. وقد يكون أصل المثل حكاية تحكي عن عالم مشهور من رجال الدين الذين عرفوا كالذي روى عن الشيخ حسن ود حسونة من علماء عصر الفونج من قوله: «الأبي ديكو مكشن».. وعن الشيخ عبد القادر الجيلاني وهو العراقي مؤسس الطريقة القادرية التي انتشرت في السودان عن طريق اتباعه من قوله: «القادر كضب عبد القادر». وكان قد وعد رجلاً ان يرزقه الله ولداً ذكراً فوضعت زوجته بنتاً فلما عوتب الشيخ قال المثل.. وعن أحد شيوخ العركيين من قوله: «أكان ما عجيني من بجيني؟» وقد يكون أصل المثل قصة أو سيرة لبطل مشهور من أبطال القصص الشعبي كأبي زيد الهلالي وينسب إليه من الأمثال «أبو زيد لا غزا ولا شاف الغزوة»- السهر يا دين يا عين»- «حباب النافع= أو في آخر- «عايب من يزور زوجة جارو والجار غايب»- وفي غيره «الجود قطعاً في الجلود أو نحلاً في عود» وقد يكون أصل المثل الشعبي حكاية وقعت لرجل من غمار الناس وانما اشتهرت لما فيها من فكاهة أو خبر طريف وقد تنسب الحكاية إلى من اشتهروا بالفكاهة في السودان وخارجه فمنها ما ينسب إلى جحا.. مثل «جحا أولى بلحم تورو» أو ساقية جحا تسوق من البحر وتكب في البحر.