الزهور كائنات حية مفعمة بالأحاسيس الانسانية وهي لغة المشاعر حينما يكابر الواقع ويخرس كل جميل تأتي الزهور أكثر تعبيراً كما بداخل النفوس من ود وصفاء، غموض، حب، غيرة، عتاب وأسى... والورد يفصح عما تعجز عنه اللغات العادية.. هي أحاسيس تتغلغل في جنباتنا دون استئذان تفرض عليها مناخها النفسي، تبعث في الشخص المشاعر الجميلة مهما كانت قسوة قلبه.. رغم كل هذا الجمال كان المجتمع السوداني بعيداً عن عالم الزهور ولغتها الرائعة لا يهتم الا بالنواحي المادية فقط ولا يلقي بالا بالمعنوية التي هي أساس «الروح».. ولكن مؤخراً بدأ السودانيون أكثر تفهماً لتلك اللغة السامية خاصة بعد الإنفتاح الذي وضع بصمته على ملامح الحياة السودانية وصار هناك إنتشار واسع لمحلات بيع الورد الطبيعي وقد كانت في السابق حصرياً على أحياء محددة وتتعامل معها فئات بعينها «الأثرياء فقط» والآن كل مستويات المجتمع تتعامل مع الزهور الطبيعية.. وخصوصاً «الجنس اللطيف» إذ صارت الزهور بأنواعها المختلفة «أحلى» هدية لمن يحببن في كل المناسبات «أعياد الميلاد، المرض، الزواج، النجاح». .. «الرأي العام» طافت في عالم الزهور والرياحين وتنسمت عبيرها وعاشت إحساسها من داخل محلاتها.. والتي كانت معظمها مزدحمة بالزبائن وأكثرهم من النساء وأخرى لا يوجد بداخلها رجل في اشارة الى أن الرجل آخر من يهتم بثقافة الزهور وتقديمها هدية في المناسبات... * «مسرة نور الدين» اعتبرت «الزهور» أغلى هدية، معتقدة أن من يهدي لها ورداً يعزها ويهتم بأحاسيسها وبصورة متقدمة خاصة في مجتمعنا السوداني عكس ما هو موجود في الدول المتقدمة، فأية هدية غير الورد قد لا تكون رسالتها واضحة مثل «الزهور» فيها معاني وهي خطاب مباشر للقلب لذلك أنا حريصة جداً لتقديم هديتي لكل الاصدقاء والصديقات والزملاء من «الورود» وقد اشتهرت بينهم بذلك حتى أن معظمهم سلك طريقي وادرك معنى أن يهدي «ورداً». أما الطالبة «لمحة» فقالت: منذ صغري كنت أهتم بالزهور واحرص على زراعتها في البيت وفي فترة المدرسة أحمل معي غصناً لصديقتي من فترة إلى أخرى وحتى لما أعرف أن واحدة من الزميلات مريضة أجمع عدداً من الأنواع واحملها لها والكثيرات كن يستغربن ذلك، ولم يحصل أن أهدت لي واحدة «ورداً» وكانت أمنيتي ذلك.. وعندما حصل ذلك لم أتمالك نفسي وجدت دموعي تنهمر من الفرح لأنه تقدير لم أكن اتوقعه. * عدد من الشباب إتفقوا على أن هدية «الورد» مرتبطة بالأنثى لأنها تحمل رمزيتها في الرقة وفي العطاء والود، وقالوا في المجتمع السوداني الأنثى إشتهرت بذلك عكس الرجل.. وقالوا لكن الرجل إذا أهدى بوكيه ورد ذلك لا ينقص من رجولته شيئاً بل يزيد من مكانته في نفس محبوبته، أوزوجته، أو أمه، فهو تعبير عن الحب خصوصاً إذا كان الشخص عاجزاً تماماً عن الافصاح عن مشاعره تجاه الذي أهدى له «الورود». * «حسنة فتح الله» صاحبة محلات «ياسمين» ذكرت في الآونة الأخيرة بدأ الناس يهتمون بالورد الطبيعي وصار أساسياً، في كثير من المناسبات مثلا في الافراح ضروري العروس تأخذ بوكيه ورد، وفي المناسبات الرسمية في المؤتمرات والاحتفالات لتزيين المنصات.. وايضاً نجد المسيحيين يأخذونه لقبر المتوفى.. وأيضاً ينشط في مواسم «الفالنتاين».. والان «الورد» يدخل إيقاع الحياة اليومية خاصة «الشابات» فهن يقدمنه في مناسبات مختلفة بما فيها (المرضى) وقالت: توجد أنواع كثيرة من الزهور التي يمكن تنسيقها لتكون بوكيه وهي مستوردة من القاهرة وأديس أبابا لأنها لا تنبت في السودان بسبب حرارة الجوء ونحفظها في درجة حرارة أعلى من الصفر بقليل ومن أنواعها «الروز، راولا، قرنفل، ليليز، الكرنشا، أقحوان، جوري، النرجس، الياسمين، ارجواورد والزعفران» وطبعاً كل مناسبة يناسبها لون محدد مثل بوكيه العروس يكون باللونين الأحمر والابيض من الروز، أما بوكيه التصالح بين حبيبين فيحوي اللونين الابيض والاحمر لون الحب، واللون الأصفر لون الغيرة.. وأشارت «حسنة» إلى أن معظم زبائنها من البنات طالبات او موظفات او من الاجانب وعندهن الزهور شيء اساسي في التواصل مع الآخر. * نهلة حسن بشير «الباحثة الإجتماعية قالت: لاشك أن الورد الطبيعي يغير كثيراً في الحالة النفسية ويجعل الناس أكثر إقبالاً على الحياة وفي إعتقادي إنه شيء جميل أن تدخل ثقافة الزهور الى مجتمعنا وأن تكون الهدايا في المناسبات منه «وقالت إن هدية الورد قد لاتمكث كثيراً لكن أثرها قد يبقى مدى الحياة.. واشارت الى إننا كسودانيين نهتم بالاشياء المادية أكثر من الروحية وأتمنى أن كل الناس تحاول ان تتفهم لغة الزهور وتتواصل بها لأنها ترقي النفس وتلطف الأجواء النفسية والعلاقات بين الناس.