تضاعفت محنة الخطوط الجوية السودانية (سودانير) على أكثر من صعيد، فهي من جهة مخنوقة بالحظر الاقتصادي الامريكي عليها، ومن جهة أخرى محاصرة بالحظر الاوروبي الذي يمنعها من التحليق في سموات الاتحاد الاوروبي الى جانب شركات طيران أخرى محلية، وفوق كل هذا دخلت شراكتها مع مجموعة (عارف) في دهاليز مظلمة لا يبدو أنها ستقود الى حلول ناجعة لمحنة الناقل الوطني. كان في ظن متخذ القرار ان خصخصة سودانير وبيع مجموعة من اسهمها الى شريك أجنبي هي (الفزعة) التي تمكَن الناقل الوطني من تجاوز عقبات الحصار الاقتصادي الامريكي، وستتيح للخطوط الجوية ان تواكب الطفرات الكبيرة التي حققتها شركات الطيران في دول مجاورة لنا مثل الخطوط الكينية والاثيوبية وغيرهما من الشركات التي (قدَمت) سودانير و(لحقتها) او سبقتها بتعبير ادق. للاسف لم تفلت سودانير من الحصار الامريكي، وما زالت تخضع لعمليات معقدة لا تسلم من الوسطاء ونهازي الفرص حتى تستطيع ان تطير مثلها مثل الناقل الوطني لأية دولة، ولم تفرح سودانير كثيرا بتسيير رحلة طيران مباشرة من الخرطوم الى لندن حتى اقعدها العجز عن توفير طائرات حديثة، ثم جاء قرار الاتحاد الاوروبي بالحظرف(تمت الناقصة)، وأصبح القطر الفضائي لسودانير لا يتعدى جدة والقاهرة وانجمينا وكانو ورحلات أخرى صغيرة. ولأنه لم يطرأ كثير تغيير على سودانير قبل البيع وبعده، فقد تم من جديد فتح ملف صفقة مجموعة عارف خاصة بعد الأنباء التي ترددت عن اتجاه المجموعة الى عرض حصتها في الخطوط الجوية السودانية للبيع، ملف الصفقة أصبح شهيا للتناول بعد الاتهامات التي لاحقت مجموعة عارف بأنها شريك غير استراتيجي ولم تستطع الوفاء بتعهداتها بشأن تحديث أسطول طائرات الخطوط الجوية السودانية. خطورة موضوع بيع مجموعة عارف لاسهمها في سودانير -اذا صحت الأخبار- هو أنه سيجعل الحكومة الشريك الاضعف في ناقلها الوطني (تملك الحكومة حوالي ثلاثين بالمئة، وعارف والفيحاء سبعين بالمئة)، وسيدفعها لأن تقبل مضطرة ما رفضته أول الأمر مختارة. ففي المعلومات التي رشحت بعد ايلولة حوالي ثلثي اسهم سودانير الى مجموعة عارف وشركة الفيحاء، هو ان الحكومة السودانية رفضت عرضا قدم اليها من احدى الدول الخليجية لشراء الحصة المباعة من سودانير بمبلغ مالي ضخم يفوق كثيرا العرض الذي قدمته مجموعة عارف، وكان سبب الرفض هو ان العرض يتضمن مصادرة شعار سودانير بما يعني الغاء حق السيادة السودانية على الناقل الوطني. أفضل الخيارات التي تملكها سودانير الآن حتى تتفادى شبح البيع هو إما ان تحاول الحكومة إلزام مجموعة عارف بالاتفاقية التي وقعتها معها والقاضية بدعم الشركة بأسطول طائرات حديثة، او تقدم الحكومة على محاولة استعادة اسهم سودانير المباعة وبالتالي تؤول كامل ملكية الخطوط الجوية السودانية الى الدولة، الذين يشيرون بالرأي الأول يعتبرونه أسهل الحلول وأيسرها خاصة وان أنباء بيع مجموعة عارف لحصتها غير مؤكدة تماما، والذين يفضلون الخيار الثاني يقولون إن سودانير تملك اصولاً وعقارات يمكن ان تغطي قيمة الصفقة او جزءاً كبيراً منها على ان تتكفل وزارة المالية بالباقي. الخياران مطروحان، وأي منهما قد يمثل فرصة أخرى لاستعادة أمجاد سودانير، أما الأسوأ فهو أن يظل الوضع على ما هو عليه.