ظاهرة تعد صحية -لو وظفت بشكل جيد- وهي ظهور القنوات الفضائية السودانية، فأصبح كل فترة قليلة يتم الاعلان عن واحدة من هذه القنوات التي تنطق بلغة الضاد (بلكنتها السودانية)، وأصبح هناك تزاحم وتنافس، لن نبالغ ونقول (كبيراً) لكنه معقول في حدود امكانات هذه الفضائيات الوليدة.. إذا استثنينا قناة (الشروق )الفضائية وذلك للامكانات الضخمة المتوافرة لديها، وقناة (النيل الأزرق) لطول باعها مع البث الفضائي، اضافة لشراكة الدولة فيها، فإن بقية القنوات الخاصة التي تمتد من هارموني وزول وساهور وطيبة، مروراً بالأمل وأيبوني وقوون، انتهاء بنبتة التي أعلن عن قرب ولوجها للفضاء، نجد أن جل هذه القنوات تعاني بدرجات متفاوتة من مسألة التمويل المتواصل، وشهدنا من قبل وقوف بعضها عن البث -هارموني مثالاً- نتيجة عدم توالفر السيولة اللازمة لمجابهة منصرفات العمليات الفنية للقناة، وكذلك تأجير (الاسبيس) الفضائي على القمر المراد البث عبره، إلى آخر المعوقات والمشكلات المادية التي يمكن أن تواجه مثل هذه القنوات الاعلامية.. هذا دعا بعض هذه القنوات إلى الاهتمام بالصوت والمادة المقدمة على حساب جودة الصورة وابهارها، فنرى أن معظم البرامج حولت التلفزيون إلى إذاعة، ومعروف أن كلفة انتاج البرامج الحوارية داخل الاستديو، هي الأقل بين جميع أشكال الانتاج التلفزيوني، وهذا ما ظلت هذه القنوات تقوم به فيما يقارب الثمانين بالمائة مما تقدمه من برامج. أيضاً يلاحظ المتابع لهذه القنوات حالة من الضعف الفني في الاخراج والتصوير والديكور وغلبة الأساليب القديمة، لعدم تراكم الخبرات عند القائمين على العمل الفني، وهذا يستوجب من القائمين على أمر هذه الفضائيات البحث عن أصحاب الخبرات وتدريب العاملين في الأقسام الفنية، حتى يستطيعوا مواكبة أحدث النظم التي تعمل بها القنوات الفضائية، لأننا نرى أن فضائياتنا لم تستفد تماماً من التقنيات المتجددة في الصورة التلفزيونية.. أيضاً طريقة اختيار مقدمي البرامج مازالت تتم بطريقة التجريب، وتقليل الكلفة، وهو ذات الاسلوب الذي انتهجته بعض الاذاعات الخاصة، التي تأتي بموهوبين في بداية طريقهم، وتجعلهم يعملون دون أجر يذكر لاحساس هؤلاء الموهوبين بأنهم يرغبون في العمل والظهور ولا تشكل المادة في بداية الطريقة عائقاً أمامهم، ومع مرور الوقت فان هؤلاء الصغار يكبرون، ويريدون المقابل المادي، فيتم ابعادهم والاستعاضة عنهم بآخرين، وهذا لعمري يعد ظلماً بيناً، هذا اضافة لتأثيره المباشر على المواد المقدمة، إذ يشكل الاعتماد علي الشباب في بداية تجربتهم ما تقارب نسبته التسعين في المائة من جملة من يعملون في هذه القنوات. نحن لسنا ضد توظيف المواهب، لكن يجب أن ترعاهم هذه القنوات، وتقدم لهم المعينات المتمثلة في التدريب المستمر والدورات المتواصلة، حتى يشتد عودهم، وأيضاً يجب الاستعانة بذوي الخبرة ليكونوا عضداً لهؤلاء الشباب. أيضاً بعض مقدمي البرامج من المختصين، مثلاً الأطباءوالفنانون والموسيقيين، والمدربين.. أشك في أنه تم توجيههم التوجيه السليم للتعامل مع الكاميرا، وكيفية اتاحة وتوزيع الفرص بين ضيوف البرامج، ولا يعقل أن آتي بأحد من مستشفى أو ميدان أو حفل موسيقي، وأطلب منه أن يقدم برنامجاً، دون أن أعرفه بأساسيات العمل التلفزيوني..!! عموماً.. نقدنا للقنوات السودانية ليس من باب أننا ضدهم، بل هو من باب السعي إلى الاصلاح وتنبيه القائمين عليها أن هناك خللاً ما يجب الانتباه له قبل أن تفقد هذه القنوات مشاهديها.. فالموضوع بسيط جداً، وبضغطة (زر) واحدة، قد يذهب المشاهد إلى غير رجعة..!!