دعا الاتحاد الأوروبي الاثنين الماضي قادة دول آسيا الى قمة اقتصادية تجارية في بروكسل ولمدة يومين الهدف الاساسي منها لملمة الخلافات التجارية بين الاتحاد والنمور الآسيوية التي تأثرت أخيراً بسبب بعض السياسات الاقتصادية والتجارية للدول المتشددة مثل الصين والتي اعتبرها الأوروبيون (تتلاعب) بشكل واضح في سعر صرف عملتها (اليوان) والحفاظ عليه منخفضاً مما جعل ميزان التجارة العالمية وميزان المنافسة السلعية يميل لمصلحتها دون الاهتمام للاضرار التي ربما تلحق بالمنافسين الآخرين. وللاتحاد خلافات مع دول آسيوية أخرى غير الصين مثل الهند وكوريا الجنوبية وماليزيا واندونسيا وتايوان واليابان خلافات تتعلق بالتصدير والاستيراد والضرائب الجمركية التي تفرضها هذه الدول على الواردات من الاتحاد الأوروبي، لكن قضية الخلاف على سعر صرف (اليوان) مع الصين تعتبر هي القضية الأولى التي تشغل بال الأوروبيين في هذه القمة لما سببته لهم من مضايقات تجارية خلال السنتين الماضيين. أوروبا تعيش هذه الأيام لحظات الأيام الصعبة بمعنى الكلمة (Hard tiues) أو بالتحديد تعيش عصراً سمى بعصر التغشف (Age ofAusterity) وخلف ذلك من تداعيات تمثلت في التباطؤ في النمو الاقتصادي وفي التجارة الخارجية واضرابات وتظاهرات شلت الخدمات والامدادات أضف الى ذلك الهلع والخوف من التهديدات الارهابية كل ذلك شكل مخاوف جديدة لأوروبا مضافة الى المخاوف القديمة التي ظلت ترددها وتشعر انها مظلومة بواسطة المجتمع الدولي إذ ترى أوروبا أن (الازمات) أصبحت تأتي لها من الخارج أي أنها لا ذنب لها فيها فمثالاً لذلك الأزمة المالية التي دخلت إليها من أمريكا وعانت منها ما عانت دون ذنب جنته ثم أزمة السندات المصرفية الاوروبية والتي تسيطر عليها البنوك الأمريكية وتشتريها بأسعار فائدة منخفضة وتبيعها بأسعار فائدة عالية دون أن تنافس البنوك الأوروبية فيها رغم ان السندات هي أصل أوروبي وفي أنشطة مصرفية أوروبية، لكن الاتحاد لايقدر على التدخل فيها ثم تأتي أزمة المخاوف من التجارة الخارجية، حيث أصبحت الصادرات الأوروبية تتعرض الى ضرائب عالية جداً في بعض الدول الآسيوية المستوردة مما يحد من منافستها في الأسواق بينما لا يفرض الاتحاد ضرائب جمركية كبيرة على السلع الواردة إليه من الدول الشريكة الأخرى السبب الذي أقل بميزان التجارة الخارجية وجعله يميل لصالح الدول الاخرى وليس لصالح دول الاتحاد الأوروبي الأمر الذي يتطلب سرعة الحل ثم تأتي اخيراً مخاوف تلويث البيئة إذ وضح ان أكثر الدول تلويثاً للبيئة هي دول خارج الاتحاد الأوروبي بينما تتهم أوروبا بتلويث البيئة ومطالبة المجتمع الدولي لها بتخفيض الانبعاثات وتدفع هي الثمن بينما يتهرب الآخرون. إذاً كل هذه المخاوف الجديدة والقديمة هي التي جعلت الاتحاد الأوروبي يفكر جدياً في اتخاذ نظام جديد لعلاقاته الاقتصادية والتجارية الخارجية لحفظ حقه في المنافسة الجيدة في التجارة الدولية ولتحقيق ذلك كانت الخطوة الأولي هي الدعوة للقيمة الأوربية الآسيوية الحالية في بروكسل للشركاء الآسيويين بحسبانهم الشركاء الأكبر والأكثر أهمية فهم يمثلون (60%) من سكان العالم و(50%) من الناتج الاجمالي المحلي العالمي (GDP) و(60%) من التجارة الدولية. الدول الآسيوية المضيفة للقمة تعيش حالياً ظروفاً اقتصادية وتجارية في غاية الازدهار وان نموها الاقتصادي يفوق النمو الاقتصادي الأوروبي وأصبحت دولة الصين مرشحة كثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولاياتالمتحدة وربما تفوقها قريباً وقد شهد العالم التقدم الاقتصادي في الهند وكوريا الجنوبية وماليزيا واندونيسيا وتايوان واليابان رغم انها تعاني حالياً من ارتفاع سعر صرف اليوان. إذاً فان الفرق واضح بين طرفي القمة طرف يشتكي مر الشكوى وطرف سعيد بما انجز كل السعادة لذلك فمن المتوقع ان تكون القمة فرصة طيبة لأوروبا لحلحلة الخلافات التجارية مع شركائها الآسيويين بالتي هي أحسن ولا تنتهج نهج الأمريكيين بفرض عقوبات أو ضرائب اضافية على السلع الصينية الواردة من الصين بغية اجبارها لتغيير موقفها فالصينيون اظهروا تشدداً في مواقفهم ولا اظنهم يتراجعون بسهولة فرئيس الوزراء الصيني شوهد جالساً في القمة (بهدوء) غير آبه للانتقادات ويبدو انه مقتنع تماماً ان مشكلة (اليوان) ليست هي سبب تفوق الصين على الآخرين وحتى إن تم رفع قيمة اليوان فان ذلك لن يرجح كفة التجارة لصالح أوروبا أو الولاياتالمتحدة، بل ان هناك أشياء أخرى غير (اليوان) هي التي منحت الصين التفوق ومن ضمن هذه الأشياء تمتع الصين بوفرة العمالة الرخيصة وقلة تكلفة الانتاج الذي حقق لانتاجها المنافسة في الأسواق. لقد رشح قبل انعقاد القمة ان الطرف الأوروبي والطرف الصيني على اعتاب حل مشكلاتهما خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء الصيني الى اليونان واعلان دعمه المادي لها الأمر الذي قوبل في الاتحاد الأوروبي بالارتياح وبالمقابل أقر الاتحاد التنازل للصين وللدول النامية عن مقعدين من مقاعده التسعة في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي لاعطاء الدول النامية وللصين خاصة دوراً أكبر في إدارة النظام المالي العالمي. إن السياسة الجديدة للاتحاد الأوروبي في علاقاته الاقتصادية والتجارية العالمية ربما تقنع النمور الآسيوية لاعطاء الأول (أفضلية) أو ميزات تفضيلية في التعامل التجاري بينهما الشيء الذي قد يجعل دول الاتحاد الأوروبي وشركاته تتمتع بميزات تجارية تفضيلية دون الولاياتالمتحدة وشركاتها التي لجأت لاسلوب العقوبات بدلاً عن اسلوب الحوار الهاديء.