في مقال طريف بعنوان «ماما عندما تكتب التاريخ» ناقش الكاتب الكبير(أنيس منصور) - من خلال استعراضه لما كتبه أو قال به آباء وأبناء وإخوة مشاهير وعظماءالكتَّاب و الساسة - مضمون المثل القائل : إن(زَمَّار الحي لا يطربه) . وكيف أن أهل وذوي هؤلاء العظماء لايرونهم بوضوح و لاتدهشهم منجزاتهم لأنهم ببساطة - ملتصقون بهم طوال الوقت ! .. فكلما فتح به الله على ابنة فيلسوف بحجم (سيغموند فرويد) لتقول به عن والدها الراحل هو إنه كان يخاف من القطط وأغصان الشجر .. بينما لم تتحدث والدة الكاتب المسرحي الكبير (تينسي وليامز) في كتابها الذي بعنوان(تحياتي إلى توم) عن موقف العصر والتاريخ من مسرحيات ابنها العظيمة التي غيرت خارطة طريق المسرح، بل تحدثت عن طرائف طفولته، وكيف أن صغيرها (توم) قد استيقظ من نومه ذات ليلة عندما كان عمره عامين ثم خرج إلى الحديقة يضرب الأرض ويقلب أحجارها بحثاً عن الشيطان! .. بينما كانت والدة الزعيم الروسي (ستالين) الذي حكم نصف العالم تقول عندما تتحدث عنه : (ولدي سوسو)، وعندما كانوا يطلبون منها الحديث عنه كانت تروي للشعب الروسي وهي تضحك كيف هرب الزعيم الكبير من المدرسة في طفولته، و كيف سرق عربة البريد! .. فهي لا تراه كبيراً مهما كبر شأنه، وتقول كلما تحدثت عنه (ولدي سوسو) حتى وإن حكم - صغيرها سوسو - نصف العالم وتحكَّم بنصفه الآخر! .. أما أنا فقد لاحظت أن كاتب المقال نفسه قد وقع في ذات الفخ الذي ناقش وقوع الآخرين فيه من خلال مقاله آنف الذكر .. فقد اعتاد (أنيس منصور) على شخصية الرئيس (السادات) بحكم قربه الشديد منه إلى الحد الذي جعله يحذو حذو ابنة (فرويد) ووالدتي (ستالين) و(تينسي وليامز) في حديثه عنه ! .. فمعظم مقالاته التي ترد فيها سيرة الرئيس (السادات) محشوة بتفاصيل صغيرة وحميمة قد تدهشنا أو تضحكنا طرافتها لكنها لا تخبرنا كيف ولماذا أبحر السادات عكس اتجاه الرياح العربية، وكيف أصبح رجل السلام .. وأذكر أني قد قرأت له يوماً قصة طريفة عن (جزمة) جديدة اشتراها الرئيس (السادات) .. و كيف أنها قد أراحت قدميه .. وكيف كان (السادات) فرحاً كالأطفال بإطرائه هو لأناقتها ! .. إذاً المعايشة الرتيبة و التواصل المباشر هي التي توقعنا في(فخ الاعتياد)، فلا يكاد يرى بعضنا في تلك الشخصيات التي ملأت الدنيا وشغلت الناس سوى تفاصيلها الإنسانية العادية والرتيبة وقد يحجب عنَّا التصاقنا بعيوبها تلك العظمة التي يلهج بذكرها بقية الناس .. فما هو الوجه الصحيح لتقييم شخصيات المشاهير؟! .. من جهتي أعتقد أن شخصيات الناس صور ثلاثية الأبعاد، وحقيقة كل منَّا هي مزيج من نظرته إلى نفسه، ونظرة المقربين منه إليه، ونظرة عموم الناس إلى ما يرونه من ظاهر أمره .. أي أن حقيقة الآخر لوحة (سوريالية) نُدركها بالتأمُّل !