لم يجف مداد قلمي بعد حول اعتراضنا على تعيين الدكتور مامون حمّيدة وزيراً لصحة ولاية الخرطوم، وتبريرينا في ذلك أنه تاجر وتقوم تجارته على كل ما يرتبط بالصحة، وأنه لا يصلح لهذا المنصب لأن في ارتباط الثروة بالسلطة كارثة ستُخيِّم على رؤوس الشعب الفقير لا محال، وكنا نظن حتى بعد أن ماتت قرون استشعارنا، أن الدكتور بوجوده في هذا الموقع، سيعمل على مراعاة مصالحه الخاصة، مستغلاً منصبه. وما زلنا نأمل أن يخيب الدكتور «التاجر» ظننا. ولكن بعض المؤشرات والشواهد تقول لنا ان الظن ليس كله إثماً.. اقرأوا هذه الوقائع واحكموا بأنفسكم: قبل أكثر من عام، تقدم مامون حمّيدة بطلب إلى السلطات لتصدق له بترخيص صيدلية تفتح على الشارع الرئيسي لمستشفى الزيتونة المملوك له، فرفضت السلطات طلبه كي لا تخالف اللوائح والمواصفات، والتي تقول إن المسافة بين الصيدلية والأخرى يجب أن تزيد عن المائة متر، وحيث أن هناك أكثر من صيدلية قائمة على الشارع الرئيسي وعلى مسافة أقل، اعتذرت له الإدارة المناطة، مع عدم ممانعة منها بأن تفتح الصيدلية داخل مستشفى الزيتونة نفسه. لم تمضِ بضعة أيام على تولي الدكتور مامون حمّيدة وزارة الصحة بولاية الخرطوم، وتطبيقاً للمثل (ألفي إيدو القلم ما بكتب نفسه شقي) طالعتنا الأخبار بصدور قرار هذه الأيام من وزارة الصحة (بمنح تصاديق ترخيص الصيدليات للأطباء والاختصاصيين بالقرب من مشافي الخرطوم وأم درمان وبحري، بأسرع ما يمكن ومجاناً مع الإعفاء من رسوم تجديد الترخيص لمدة ثلاث سنوات). هل هذا يعني أن مامون حمّيدة الذي تبرع بمخصصاته لدار المايقوما بيمينه سيسترد أضعافها بشماله (وبأسرع ما يمكن) ترخيصاً مجانياً لصيدلية مستشفاه الخاصة الممنوع؟!! هذا مجرد سؤال أسعى به لطمانة نفسي بأن مخاوفنا من استغلال النفوذ لم تكن في محلها. إذا سلمنا جدلاً بأن الوزير كان يرى من قبل أن هناك خللاً في لوائح السلطات المصدقة بالصيدليات، فأصلحه فهل هذا هو الخلل الوحيد والمهم والعاجل الذي يراه الوزير من اختلال في أحوال وزراته كافة، كي يعطي له الأولوية في تغييره؟! وكيف يغيِّر الوزير في أول (انجازاته) بهذه الوزارة لوائح وأسس (بأسرع ما يمكن) مرتبطة مباشرة بمصلحة له؟ أليس في هذا استغلالاً للمنصب؟، وهذا السؤال الأخير نوجهه لسعادة الوزير شخصياً..؟ بعد صدور هذا القرار المختص بالصيدليات كيف نضمن ونصدق أن هذا الوزير قادم لهذا الكرسي فقط لمصلحة المواطن البسيط، وليس في مهمة مؤقتة لإزالة العوائق التي تقف ضد مصالحه الشخصية، وترتيب بيت الصحة بما يتوافق وهذه المصالح؟؟ كيف نضمن أن لا يتم في الأيام المقبلة تعيين وجوه موالية له داخل الوزارة تخدم هذه الأجندة، يضمن بها تدفق مصالحه حتى وإن غادر هو الوزارة عائداً إلى أعماله غانماً سالماً وبراءة الأطفال في عينيه؟ للتذكير فقط.. إنّ استغلال المنصب الحكومي من ضمن ما يؤدي إليه الإخلال بمبدأ العدالة الاجتماعية، عدا أنه يكرس الثروة في أيدي حفنة قليلة من المستفيدين منه وهو نوع من الفساد الذي يرتبط بضعف القوانين وغموضها، ويحول الوظيفة إلى ريع شخصي، ما يفقدها نزاهتها وهذا غالباً ما يندفع نحوه بخطى حثيثة رجال الأعمال الذين ينصبون على رأس مسؤوليات عامة. يا الله ألطف بأهل بلدي البسطاء وبمرضاهم الفقراء على وجه الخصوص.. اللهم ولي أمورنا خيارنا، ولا تولي أمورنا شرارنا، اللهم ولي علينا من يخافك ويرحمنا ولا تولي علينا من لا يخافك ولا يرحمنا يارب.