«زيارة غالية وخطوة عزيزة».. انتصار السيسي تستقبل حرم سلطان عُمان وترحب بها على أرض مصر – صور    تدني مستوى الحوار العام    مخرجو السينما المصرية    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: امنحوا الحرب فرصة في السودان    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    كلام مريم ما مفاجئ لناس متابعين الحاصل داخل حزب الأمة وفي قحت وتقدم وغيرهم    الأمن، وقانون جهاز المخابرات العامة    مرة اخري لأبناء البطانة بالمليشيا: أرفعوا ايديكم    تأخير مباراة صقور الجديان وجنوب السودان    أمجد فريد الطيب يكتب: اجتياح الفاشر في دارفور…الأسباب والمخاطر    الكابتن الهادي آدم في تصريحات مثيرة...هذه أبرز الصعوبات التي ستواجه الأحمر في تمهيدي الأبطال    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    من سلة غذاء إلى أرض محروقة.. خطر المجاعة يهدد السودانيين    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    تفشي حمى الضنك بالخرطوم بحري    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    المخدرات.. من الفراعنة حتى محمد صلاح!    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسات أميركية رسمية: أمن النفط جزء من الأمن القومي..

حروب النفط والصراعات على منابعه وممراته مرشّحة للإتساعبقلم: داود تلحمي في كتابه الاستذكاري الذي صدر في الولايات المتحدة في أواسط أيلول/سبتمبر 2007، أي قبل أيام، أقرّ "قيصر" المالية الأميركية بين العامين 1987 و2006، ألان غرينسبان، ولقبه الرسمي مدير الاحتياطي الفيدرالي، أي المشرف الأول على النظام المصرفي الأميركي، أقرّ بأنه "يحزن لأنه يبدو أن ليس من المناسب سياسياً الاعتراف بما يعرفه الجميع: وهو أن حرب العراق كانت بالأساس من أجل النفط". وقد أوردت صحيفة "ذي أوبزيرفر" البريطانية الأسبوعية هذه الكلمات من كتابه في عددها الصادر يوم 16/9/2007، ومنابر إعلامية أخرى. وفي واقع الحال، تشهد هذه السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في حدة الصراع العالمي من أجل السيطرة على مصادر الطاقة، وخاصة النفط. وهذا الصراع يتخذ أبعاداً واسعةً بشكل مضطرد، وطابعاً عسكرياً وعنفاً في أكثر من منطقة من مناطق العالم، وليس العراق وحده. يحصل ذلك في ظل تواتر التقارير والدراسات المشيرة إلى توقع استمرار تراجع إجمالي حجم الاحتياطي المكتشف من النفط في العالم، نتيجة تصاعد الطلب والاستهلاك في العالم ومحدودية الاكتشافات الجديدة لحقولٍ نفطية إضافية. وهذا التصاعد المتسارع في الطلب والاستهلاك هو، بشكل رئيسي، وراء ارتفاع أسعار النفط في هذه السنوات الأولى من القرن الجديد، ووصولها مؤخراً إلى عتبة ال80 دولاراً للبرميل. وبالفعل، شهدت السنوات الأخيرة صدور تقارير ودراسات عديدة تتناول معطيات الطاقة، بمصادرها المختلفة في العالم، والتوقعات المستقبلية بشأنها، والتأثيرات المحتملة على خارطة موازين القوة الاقتصادية، وبالتالي السياسية، في عالم القرن الجديد. ومن بين هذه الدراسات ذلك التقرير الذي صدر في خريف العام 2006 عن "مجلس العلاقات الخارجية" في واشنطن، تحت عنوان "تبعات اعتماد الولايات المتحدة على النفط على أمنها القومي"، وأعدته لجنة عمل خاصة (تاسك فورس) بإشراف وزير الدفاع والطاقة الأسبق، جيمس شليزنغر، والمدير السابق للمخابرات المركزية، جون دوتش. كما صدر تقرير موسّع آخر في تموز/يوليو 2007 أعدته مجموعة كبيرة من الخبراء بطلب من وزير الطاقة الأميركي، وتم نشره تحت عنوان معبّر: "حقائق صعبة حول الطاقة الكونية". لا بديل مرئياً عن النفط، والإكتفاء الذاتي الأميركي مستحيل.. ومجمل هذه التقارير تؤكد على استحالة الإستغناء عن النفط أو إيجاد بديل له في مستقبل قريب. وبالنسبة للولايات المتحدة، تؤكد على عدم واقعية الدعوات إلى "الإستقلالية في مجال الطاقة"، أي توفير كافة احتياجات الطاقة الأميركية من داخل البلد نفسه. فالنفط ما زال حالياً المصدر الأول من بين مصادر الطاقة المستخدمة في العالم، حيث يؤمّن زهاء 37 بالمئة من مجمل الطاقة المستهلكة في العالم. وبالرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على فورة الأسعار في العامين 1973-1974 والتوجهات التي رافقتها في الدول الغنية المستهلكة للنفط للإندفاع في البحث عن مصادر بديلة للطاقة، فإن النفط بقي حتى الآن المصدر الأول للطاقة. في حين يتواصل استخدام الفحم كمصدر ثانٍ للطاقة (حوالي 25 بالمئة)، كما يتزايد استخدام الغاز الطبيعي كمصدر ثالث (حوالي 23 بالمئة). والتقرير الأميركي المشار إليه يتوقع أن تحتفظ هذه المصادر الثلاثة بنسبة 80 بالمئة من مصادر توليد الطاقة في العالم في العام 2030. بالمقابل، بقي استخدام الطاقة النووية، لتوليد الكهرباء مثلاً، مجالاً محفوفاً، لعدة عقود، بالحذر الشديد ومحاطاً باعتراضات أنصار البيئة، خاصة بعد جملة من أحداث تسرب الإشعاعات النووية، وأشهرها حادثة ثري مايل آيلاند في الولايات المتحدة عام 1979 وحادثة تشيرنوبيل في الإتحاد السوفييتي السابق عام 1986. لكن التطويرات التي أُدخلت على أنظمة الحماية والإحتراز، من جهة، وتقلبات أوضاع مناطق النفط والغاز وأسعارهما في أنحاء العالم، أعادت الاهتمام بالطاقة النووية لتوليد الكهرباء. وهو ما أدى إلى تنامي عدد المفاعلات النووية لهذا الغرض في العالم. لكن نصيب الطاقة النووية من الطاقة المستهلكة في العالم لا يتجاوز حالياً ال6 بالمئة، وهي نسبة ليست مرشحة لتزايد كبير في العقدين القادمين، حيث تتحدث توقعات التقارير المذكورة عن احتمال مضاعفة هذه النسبة إلى 12 بالمئة! وصحيح كذلك أن هناك محاولات حثيثة لتنمية مصادر الطاقة الطبيعية المتجددة، كأشعة الشمس والمياه المتدفقة والرياح، وكذلك محاولات لاستخدام بعض المواد الزراعية. لكن مجمل مصادر الطاقة هذه، مع الطاقة النووية، لا توفر حتى الآن أكثر من 15 بالمئة من الطاقة المستخدمة في العالم. في وقت يُقدّر فيه تقرير "حقائق صعبة" أن يتزايد الإستهلاك من حوالي 86 مليون برميل يومياً حالياً الى أكثر من 117 مليون في العام 2030. وفي حين يُعتبر إحتياطي الفحم المعروف في الولايات المتحدة كافياً لقرن قادم على الأقل، كما إن هذه المادة الأولية متوفرة بكثرة في روسيا والصين وبلدان أخرى، ويُعتبر الإحتياطي المكتشف من الغاز الطبيعي في العالم كبيراً نسبياً، يتعرض حجم الإحتياطي المكتشف من النفط للتناقص، كما ذكرنا، على خلفية تنامي استهلاكه، مع النمو المتسارع لإقتصاديات عدد من الدول الصاعدة، وخاصة دول آسيا الشرقية، والصين أولاً. وعلى هذه الخلفية، تشهد هذه السنوات الأولى من القرن الجديد إحتداماً للصراع العالمي من أجل السيطرة، المباشرة وغير المباشرة، على مصادر النفط وعلى ممراته. بحيث تحوّل هذا الصراع إلى ما يشبه الحرب الكونية. وهي حرب ساخنة في بعض الحالات، كما هو الحال في العراق وأفغانستان، وفي مناطق أخرى مضطربة، مثل السودان والصومال، ليست توتراتها ببعيدة عن المسألة النفطية. أميركا تنشر قواتها... وإنفاقُها العسكري يشكّل 48 بالمئة من الإنفاق العالمي وباعتبار الولايات المتحدة القوة العسكرية الكبرى على الصعيد العالمي، بمسافة واسعة عن دول العالم الأخرى (الإنفاق العسكري الأميركي الحالي يشكّل حوالي 48 بالمئة من مجمل إنفاق دول العالم)، فإنها تستخدم كل قدراتها العسكرية هذه، في السنوات الأخيرة، لمد نفوذها وسيطرتها على المناطق النفطية في أرجاء العالم... بدءً بمنطقة الخليج المشرقية، ذات الإحتياطي الأكبر في العالم (حوالي 55 بالمئة من الإحتياطي المكتشف في العالم في العام 2006)، مروراً بالجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين، وانتهاءً بشرق وغرب إفريقيا ومناطق أخرى، بما في ذلك تلك الأراضي والمياه التي يمكن أن تمر عبرها أنابيب نقل النفط أو الغاز، أو البحار والمضائق التي تمرّ عبرها ناقلات النفط والغاز المسيّل. ومعروف أن الولايات المتحدة، التي كانت، في الماضي، المنتج الأول للنفط، وكانت مكتفية ذاتياً، باتت منذ السبعينيات الماضية بلداً مستورداً للنفط، وأخذ احتياطيها من النفط يتناقص. وهي الآن تستورد حوالي 60 بالمئة من استهلاكها النفطي. والهاجس الأميركي لا يتوقف عند حدود حاجة الولايات المتحدة وحدها، بل يمتد إلى حاجة حلفائها والدول التي تتداخل إقتصادياتها مع الإقتصاد الأميركي، أو تلك التي يهمّ الولايات المتحدة إبقاءها تحت مظلتها، منذ أن وفّرت لها نتائج الحرب العالمية الثانية تلك الفرصة لنشر مظلاتها، والمقصود خاصة بلدان أوروبا الغربية والوسطى، واليابان، ودول حليفة أخرى. *** *** لكن ما زاد الأمور تعقيداً بالنسبة لصانعي القرار في واشنطن أنهم لم يعودوا اللاعب الأوحد في هذا المجال الكوني، كما ظنّوا، لوهلة، في مطلع التسعينيات الماضية. فمنذ العام 1993، باتت الصين، وهي حالياً البلد الخامس المنتج للنفط في العالم، تستورد كميات متزايدة من بلدانٍ أخرى، لتلبّي حاجاتها المتنامية في ظل صعودها الإقتصادي الصاروخي، المتواصل بوتيرة عالية منذ أكثر من عقدين من الزمن في شتى مجالات الإنتاج. وقد أصبحت الصين المستهلك الثاني للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة، والمستورد الثالث له بعد الولايات المتحدة واليابان، التي تستورد تقريباً كل حاجاتها النفطية من بلدان أخرى. أما الهند، العملاق الآسيوي الثاني بعد الصين من حيث الحجم السكاني، والمرشحة لأن تتجاوزها سكانياً خلال سنوات قليلة، فهي تستورد 75 بالمئة من حاجتها النفطية. ومعظم واردات هذه البلدان الآسيوية تأتي من منطقة الخليج، أي من إيران والدول العربية الخليجية. أما الدول الأوروبية، فتستورد نسبة أقلّ من المنطقة الخليجية، معتمدةً على دول أقرب إليها جغرافياً، مثل النرويج، الدولة الثالثة المصدّرة للنفط في العالم، أو روسيا، الدولة الثانية المنتجة والمصدّرة في العالم، أو دول الشمال الإفريقي العربية، وخاصة الجزائر وليبيا، أو دول نفطية إفريقية جنوبي الصحراء الكبرى، وحتى دول أميركية لاتينية. والولايات المتحدة تستجلب نسبة أقل من وارداتها النفطية من المنطقة الخليجية، لا تتجاوز ال25 بالمئة من مجمل وارداتها هذه، ومعظمها تأتي من العربية السعودية، البلد المورّد الثاني لها. فيما تعتمد بشكل أكبر على وارداتها من دول القارة الأميركية، وخاصة من جارتيها كندا والمكسيك، اللتين تأتيان في المرتبتين الأولى والثالثة كمورّدين للنفط بالنسبة لها. وتأتي فنزويلا، في أميركا الجنوبية، في المرتبة الرابعة، وبعدها نيجيريا، في إفريقيا الغربية، ثم العراق والجزائر وأنغولا، ودول إفريقية وأميركية لاتينية أخرى. وتعتبر واشنطن أن تنمية الواردات من دول قريبة نسبياً أسلم لها على الأمد الأطول، أولاً بسبب تكاليف الشحن الأقل، وثانياً بسبب كون المنطقة الخليجية المشرقية منطقة مضطربة وغير مستقرة سياسياً من وجهة نظرها. وهو ما لا يعني إطلاقاً أن مصير الخليج ومناطق النفط الأخرى غير مهمة بالنسبة لواشنطن. بل العكس هو الصحيح. خاصة لكون منطقة الخليج هي صاحبة الإحتياطي المكتشف الأكبر في العالم، وهي المنطقة الأولى التي تستطيع تلبية حجم الطلب المتزايد على النفط خلال العقدين القادمين وفق التقديرات الراهنة. مع العلم أن بعض التقديرات ترى أن تلبية مجمل هذا التزايد في الطلب لن تكون ممكنة، مما سيقود إلى مزيد من ارتفاع أسعاره. كل ذلك يأتي، إذاً، في سياق التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة وعدد من الدول المرشحة لدور كوني متصاعد في السنوات القادمة، وخاصة الصين وروسيا، والى حد ما الهند، وبلدان أخرى أقل حجماً. وتتمتع روسيا بمكانة القوة العظمى في مجال الطاقة، لما لديها من مستوى إنتاج وحجم احتياطي من النفط والغاز والفحم، تستخدمها حالياً في محاولة لاستعادة دورٍ عالميٍ لها يقترب مما كان للإتحاد السوفييتي في عصره الذهبي بعد الحرب العالمية الثانية. أما الصين فهي حالياً في مرتبة متقدمة في إطار التنافس الكوني مع الولايات المتحدة، لكونها تسعى من جانبها لتوسيع وتنويع مصادرها من النفط والغاز، متجهةً الى مختلف مناطق العالم، بدءً من روسيا وجمهوريات آسيا الوسطى، السوفييتية سابقاً، التي يشاطئ بعضها بحر قزوين الغني بالنفط والغاز، ومروراً بإيران التي تقيم معها الصين علاقات إقتصادية متنامية، وكذلك السعودية التي أقامت معها مؤخراً علاقات متطورة، وصلت إلى حد تبادل الزيارات الرسمية بين الملك عبد الله والرئيس الصيني هو جن تاو، نجم عنها توقيع عدد من الاتفاقات الهامة. كما امتدت مساعي البحث عن مصادر الطاقة، وخاصة النفط، لدى الصين إلى قارات أخرى، بما في ذلك أميركا اللاتينية، حيث تم عقد اتفاقات وترتيب إستثمارات واسعة في بلدان نفطية أميركية لاتينية، مثل فنزويلا وبوليفيا وإكوادور، وفي دولة رئيسية في القارة مثل البرازيل، وعدة دول لاتينية أخرى. كما تنشط شركات النفط الصينية في أنحاء القارة الإفريقية، حيث طوّرت الصين حضورها واستثماراتها هناك، الى حد أزعج الأميركيين والأوروبيين، الذين كانوا يعتبرون القارة السوداء حكراً على شركاتهم النفطية، وغير النفطية. واعتمدت الصين في علاقاتها هذه مع بلدان "العالم الثالث" أساليب مختلفة عن تلك التي تستخدمها البلدان والشركات النفطية الغربية، حيث قدمت شروط شراكةٍ مغرية لبلدان إفريقيا وأميركا اللاتينية، وبعض البلدان الآسيوية، في مجال استخراج النفط وبناء وتأمين مرافق نقله، وأرفقتها بمساعدات وقروض مسهّلة، خاصة لتطوير البنى التحتية فيها. التدخلات في السودان
والصومال ليست بعيدة عن المسألة النفطية.. ولشركات النفط الصينية حضور واسع حالياً في جنوب وشرق السودان، حيث اكتُشفت حقول نفطية هامة، يمتد بعضها إلى منطقة دارفور، المتاخمة لدولة تشاد إلى الغرب منها. كما باشرت الشركات الصينية البحث عن النفط في الصومال أيضاً، بالرغم من وضعه الداخلي المضطرب. وتشاد، الواقعة جنوبي ليبيا وغربي السودان، كانت قد أصبحت دولة منتجة للنفط في العام 2003 بعد اكتشافه من قبل تكتل من الشركات النفطية تقوده كبرى الشركات النفطية الخاصة في الولايات المتحدة وفي العالم، إكسسون موبيل. وفي حين تحمي واشنطن وتداري النظام الإستبدادي القمعي في تشاد، تستهدف السودان بحملات وضغوط قوية، خاصة بعد أن اتخذت الإدارة الأميركية السابقة قراراً في العام 1997 يعتبر النظام هناك "داعماً للإرهاب"، وفق التعبير المستخدم، وهو قرار قضى عملياً بمنع شركاتها من الإستثمار والعمل في السودان. ويبدو أن الشركات النفطية الأميركية والإدارة الأميركية نادمةٌ على قرارها هذا، بعد أن تم اكتشاف واستثمار الحقول النفطية في البلد من قبل عدد من الشركات النفطية الآسيوية، وخاصة شركات صينية وهندية وماليزية. وإذا علمنا أن الصين تستورد قسماً كبيراً من النفط السوداني المستخرج، وأن حجم واردات الصين من السودان يصل إلى حوالي 64 بالمئة من مجمل الصادرات السودانية، النفطية وغير النفطية، ندرك أن الحملات على السودان تستهدف الصين أيضاً، بشكل غير مباشر. وليس مستبعداً أن تكون هذه الحملات والضغوط الحادة الأميركية تراهن إما على إحراج الصين لإخراجها، وهو ما لن يحدث، على الأغلب، أو إيجاد مخارج لمأزق شركاتها الطامعة بالكعكة النفطية السودانية، سواء عبر بوابة تغيير النظام في الخرطوم، أو الضغط عليه لإحداث انقلاب في سياساته وعلاقاته الخارجية، أو عبر تعزيز النزعات الانفصالية في البلد بهدف بلقنته، على غرار ما جرى مع يوغوسلافيا في التسعينيات الماضية. وفي هذا السياق، تبدو حملات الولايات المتحدة الحالية بشأن أوضاع السكان وحقوق الإنسان في دارفور ومناطق السودان الأخرى، منافقة، إذا ما أجرينا مقاربة مع صمتها، لا بل تواطؤها وتأييدها المعلن، لانتهاكات إسرائيل الواسعة لحقوق الإنسان والقوانين الدولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تجاه البلدان العربية المجاورة. وذلك علاوةً على ما تقوم به الولايات المتحدة نفسها من تجاوزات رهيبة لهذه الحقوق والقوانين في العراق الذي تحتله قواتها، إضافة إلى دورها المفضوح في دفع إسرائيل لشن حربها الدموية والتدميرية على لبنان في صيف العام 2006. وهنا، وفي سياق موضوعنا، بإمكاننا أيضاً تسجيل الصمت الأميركي الكامل عن سلوكيات أنظمة استبدادية فاسدة في بلدان أخرى منتجة للنفط في إفريقيا، ولكن الشركات النفطية الأميركية حاضرة فيها، مثل نظام إدريس دِبّي في تشاد، ثاني أكثر أنظمة العالم فساداً في قائمة منظمة الشفافية الدولية للعام 2005، والبلد الخامس الأفقر في العالم في ميزان التنمية البشرية للأمم المتحدة، حيث 80 بالمئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، في وقت تُهدر فيه عائدات النفط. وعلى مسافة من تشاد غرباً، هناك نظام غينيا الاستوائية، الدولة الصغيرة (حوالي نصف مليون نسمة) الواقعة على شواطئ إفريقيا الغربية، والتي تتمتع فيها العائلة الحاكمة، التي ترعاها الإدارة الأميركية وشركاتها النفطية، بمداخيل النفط الكبيرة لرفاهيتها الخاصة، فيما يبقى أكثر من نصف السكان بدون مياه جارية في منازلهم. مع العلم بأن غينيا الإستوائية هي الدولة الثالثة المصدّرة للنفط في إفريقيا السوداء، جنوبي الصحراء الكبرى، بعد نيجيريا وأنغولا. وهي أيضاً تحتل، بدورها، موقعاً متقدماً في قائمة الفساد الدولية التي أشرنا إليها، حيث تم تصنيفها بين الدول الثلاث عشرة الأكثر فساداً في العالم (من بين 163 دولة وكياناً) في العام ذاته 2005. كل ذلك، بالطبع، لا يهم الإدارة الأميركية، طالما أن هذه الأنظمة الفاسدة والقمعية تضع بيضَها ومستقبل شعوبها في السلة الأميركية. وقد لفت الإنتباه، في السنوات الأخيرة، تنامي الحضور العسكري الأميركي المباشر في تلك المنطقة الإفريقية الغربية، منطقة خليج غينيا، الذي يقع على شواطئه البلد النفطي الأهم في إفريقيا السوداء، نيجيريا، ولا يبعد عنه كثيراً البلد النفطي الثاني، وهو أنغولا. هذا، وأعلنت الإدارة الأميركية رسمياً، يوم 6/2/2007، وعلى لسان وزير الدفاع روبيرت غيتس، قرار الرئيس بوش إنشاء قيادة عسكرية أميركية خاصة للقارة الإفريقية، على أن يتم استكمال ترتيبات إقامتها العملية على الأرض قبل 30/9/2008. أسعار النفط ستواصل الإرتفاع... وأميركا تخطط لبقاءٍ مديد في الخليج وكما بات واضحاً، فإن الحرب الأميركية (البريطانية) لاحتلال العراق منذ مطلع ربيع العام 2003 هدفت بدرجة أولى الى السيطرة على بلد نفطي رئيسي في العالم، وبالتالي إحكام السيطرة من خلال هذا الاحتلال، ومن خلال القواعد العسكرية الأخرى والأساطيل في الخليج، على مجمل هذه المنطقة الإستراتيجية، في محاولة للتأثير على مستوى إنتاج النفط وأسعاره. لكن كل المؤشرات الراهنة تدل على أن أسعار النفط مرشحة للبقاء مرتفعة، وربما حتى للارتفاع أكثر والوصول إلى أرقام قياسية جديدة. وإذا كان ارتفاع الأسعار يزيد من أرباح شركات النفط الأميركية، فهو لا يناسب، بالضرورة، مجالات الاقتصاد الأخرى في الولايات المتحدة، وفي دول أخرى طبعاً. خاصة وأن مجال المواصلات، سواء البرية أو البحرية أو الجوية، ما زال يعتمد بشكل رئيسي، في الولايات المتحدة وغيرها من الدول، على مشتقات النفط، وإن كانت هناك محاولات، محدودة التأثير حتى الآن، لإيجاد بدائل، كلية أو جزئية، له. وتطورٌ كهذا يؤثر أيضاً على المواطن العادي في هذه البلدان، سواء مالك السيارات والشاحنات أو المسافر في القطارات والسفن والطائرات. وهو أمر له انعكاساته السياسية، بالطبع، على الحكومات في البلدان الرأسمالية المتطورة، وخاصة في الولايات المتحدة، التي تستهلك وحدها أكثر من 20 بالمئة من إجمالي النفط المستهلك سنوياً في العالم. وقد تعوّد مواطنوها، طوال عقود طويلة من أسعار النفط المتدنية، على وقود رخيصة للسيارات الأميركية الكبيرة وكثيرة الاستهلاك. أي أن ما يُسمّى بنمط الحياة الأميركي، الذي كانت وسائل الدعاية الأميركية تسعى إلى ترويجه في العالم، مهدّد بالتغيّر بشكل ملموس في السنوات القادمة. وهو ما تدعو التقارير الرسمية الأميركية المشار إليها أعلاه إلى العمل الواعي لتغييره بقصد تقليص استهلاك مشتقات النفط. علماً بأن هناك محاولات، ما زالت في بداياتها، لاستخدام الكهرباء أو غاز الهيدروجين وغيره كبدائل عن مشتقات النفط في وسائل النقل، وكذلك يجري العمل على إدخال مواد ذات منشأ زراعي، مثل الإيثانول، في وقود السيارات، بما يقلل من استهلاك البنزين. ولكن هذا الاستخدام، بالمقابل، يقود إلى رفع أسعار المواد الزراعية المستعملة، وهي نبتة الذرة في الولايات المتحدة، وقصب السكر في البرازيل، البلد الأكثر تقدماً في استخدام الإيثانول كوقود للسيارات. *** *** وفي وقتٍ تبدو فيه المغامرة العسكرية الأميركية في العراق مهددة بالفشل، فإن الإدارة الأميركية، في سعيها إلى إيجاد مخارج لمأزقها الراهن هناك، تحاول أن تجد صيغة تلبّي، ولو جزئياً وشكلياً، رغبة غالبية المواطنين الأميركيين بمغادرة القوات الأميركية لهذا البلد، وتراعي بشكل أكبر رغبة الشركات النفطية ومراكز القرار السياسي الإستراتيجي التي كانت وراء الحرب في إبقاء حضورٍ ونفوذٍ أميركيين مؤثرين في العراق، والمنطقة الخليجية عامةً، على الأمد الطويل. وتشير المصادر الإعلامية أن القوات الأميركية في العراق بنت 14 قاعدة عسكرية كبيرة مجهّزة ومتطورة أُقيمت على أساس أنها باقية لفترة زمنية طويلة. وهو ما يفسّر إصرار الإدارة الأميركية الحالية على عدم الخروج من العراق بدون ضمان حد أدنى من المكاسب لمعسكر الحرب والنفط الأميركي، ولاستراتيجية الهيمنة الكونية هذه على المناطق النفطية. ولكن الكلمة الأخيرة في هذا الشأن ليست بالضرورة للطرف القائم بالاحتلال. ومعروف أن الإدارات الأميركية عملت على إقامة قواعد عسكرية في جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق وبلدان حلف وارسو المنحل في أوروبا الشرقية والجنوبية كما في آسيا الوسطى، وكذلك في البلدان التي فرّخها تفكك يوغسلافيا الاتحادية. كما أقام الأميركيون حضوراً عسكرياً لهم في جورجيا، الجمهورية السوفييتية السابقة الواقعة على البحر الأسود، بعد تغيير النظام فيها في العام 2003 لصالح أنصار الولايات المتحدة. وهو ما سهّل على الولايات المتحدة إنجاز أنبوب نقل النفط من جمهورية أذربيجان، السوفييتية سابقاً أيضاً، والمتحالفة مع واشنطن حالياً، وتحديداً من عاصمتها باكو على بحر قزوين وعبر جورجيا (وعاصمتها تبليسي) إلى مرفأ جيهان التركي، وهو الأنبوب الذي يُعرف باسم أنبوب باكو- تبليسي- جيهان، بحيث يلتفّ بذلك على المسارات السابقة عبر روسيا. وقد جرت محاولات أيضاً لجذب جمهوريات آسيا الوسطى الأخرى المحيطة ببحر قزوين لمشاريع شبيهة لنقل النفط والغاز. لكن كلاً من روسيا والصين تحركتا في السنوات الأخيرة لمحاصرة التمدد الأميركي في مجال الحضور العسكري وفي مجال الطاقة في هذه المنطقة. وحققت روسيا نجاحاً ملفتاً مؤخراً عندما اجتذبت كلاً من كازاخستان وتركمانستان لترتيبات مشتركة متعلقة بنقل الغاز الطبيعي، المستخرج عندهما، عبر أراضي روسيا غرباً. مع العلم بأن هناك ترتيبات أخرى شرقاً لنقل النفط والغاز باتجاه الصين وبلدان آسيوية أخرى. وجدير بالإشارة أن الحرب الأميركية على أفغانستان، التي بدت رداً أولياً على هجمات 11/9/2001 على نيويورك وواشنطن، لها أيضاً خلفيات نفطية مرتبطة بثروات بحر قزوين. فمنذ أواسط التسعينيات، حاول الأميركيون الاقتراب من حكم طالبان في كابُل لترتيب إقامة خط أنابيب لنقل النفط القزويني عبر أفغانستان إلى باكستان والمحيط الهندي، مما كان سيشكل التفافاً آخر على المسارين الروسي والصيني، والإيراني، المستبعد أصلاً. وقد قامت شركة يونوكال الأميركية بدراسة هذا المشروع، لكنه لم يجد طريقه إلى التنفيذ آنذاك، خاصة بعد أن حدثت التفجيرات في سفارتين للولايات المتحدة في شرق إفريقيا في العام 1998، ونُسبت في حينه إلى تنظيم "القاعدة" الذي يقوده أسامة بن لادن، المعروف بعلاقاته الأفغانية. وقد أشارت بعض المصادر الصحافية الأوروبية والأميركية إلى أن الرئيس الأفغاني الذي نصّبه الأميركيون بعد احتلالهم لأفغانستان في أواخر العام 2001، حامد كرزاي، عمل لفترة من الزمن مستشاراً لشركة يونوكال ذاتها. كما ان السفير الحالي لواشنطن في منظمة الأمم المتحدة، زلماي خليلزاد، وهو من أصل أفغاني أيضاً، شارك في إعداد دراسة متعلقة بمشروع شركة يونوكال لمد خط أنابيب الغاز من تركمانستان عبر أفغانستان إلى باكستان. *** *** وهكذا تتواصل الحروب العالمية من أجل النفط، التي كانت قد بدأت منذ أوائل القرن العشرين مع بدء الاستخدام المنهجي لمشتقات النفط في وسائل المواصلات، بما في ذلك أثناء الحرب العالمية الأولى. وهو استخدام جرى على نطاق أوسع بكثير خلال الحرب العالمية الثانية، التي كانت، في جانبٍ هامٍ منها، حرباً من أجل النفط، المادة الأولية الضرورية للآلة العسكرية المعاصرة. حيث كانت القيادة النازية لألمانيا، البلد المفتقد لهذه المادة الأولية الهامة في أراضيه، تسعى للوصول إلى منابع النفط المعروفة آنذاك، وخاصة عبر اجتياح الإتحاد السوفييتي في العام 1941 أملاً بالوصول إلى منابع النفط السوفييتي في منطقة القوقاز وبحر قزوين. لكن الهجوم النازي انكسر في شباط/فبراير 1943 على أبواب مدينة ستالينغراد، القريبة من قزوين. وسعت اليابان، المفتقدة أيضاً للنفط، من جهتها، خلال الحرب، إلى احتلال بلدان نفطية، وبشكل خاص إندونيسيا. وشهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية سلسلة من الحروب والمؤامرات التي استهدفت تعزيز سيطرة الدول الغربية وشركاتها على المناطق النفطية، من بين أشهرها ذلك الانقلاب الشهير، المدبّر من المخابرات الأميركية والبريطانية، كما تقرّ الوثائق الأميركية والبريطانية المنشورة، على الزعيم الوطني
الإيراني محمد مصدق في العام 1953، وهو الانقلاب الذي أعاد شاه إيران إلى الحكم وألغى التأميمات التي أجراها مصدّق. وهو "الإنجاز" الأميركي-البريطاني الذي سينهار بعد زهاء ربع القرن عند الإطاحة بالنظام الشاهنشاهي في العام 1979، مما دفع الأميركيين وحلفاءهم للاتجاه، بعد ذلك، للعمل على إيجاد مواطئ قدم أخرى إضافية لهم في المنطقة الخليجية، المنطقة الأهم من بين مناطق النفط في العالم. * كاتب فلسطيني يقيم في مدينة رام الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.