مدخل: منذ أن كانت السلطنات والممالك الإسلامية مزدهرة في دارفور ووادي ودار مساليت كانت تترابط فيما بينها بواسطة تقارب اجتماعي وأثني ساهم في تقوية الحركة التجارية عبر هذه الممالك المنتشرة، وقد حلت محلها الآن جمهوريات السودان، تشاد وإفريقيا الوسطى والتي تربط بينها تجارة حدودية انبنت على جذور راسخة وإن تطورت من تجارة ريش النعام وملح الواحات في دار زغاوة والدخن والفاكهة في دار مساليت إلى شئ آخر يشمل السكر والبترول وغير ذلك بعد أن تم تقنينه وضبطه بالضوابط الحديثة من اتفاقيات تجارة خارجية وتفاهمات جمركية وغير ذلك مما جعل السودان يرتبط اليوم بحركة تجارية نشطة عبر حدوده الغربية مع جمهورتي تشاد وإفريقيا الوسطى لم تستطع التوترات التي خلفتها الحركات المسلحة في القضاء عليها وإن إعاقتها بدرجة كبيرة. تأمين الحدود: في الأيام الماضية انعقدت في العاصمة السودانية الخرطوم، أعمال الاجتماع الثاني لتنشيط البروتكول العسكري بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى. وتركزت أعمال الاجتماع العسكري على تفعيل البروتكول الخاص بين الخرطوم وبانقي الموقع في العام 2005، وهدف الاجتماع لإشراك جمهورية أفريقيا الوسطى ضمن منظومة القوات المشتركة السودانية التشادية. ومن المتوقع أن تستضيف الخرطوم قمة ثلاثية تضم رؤساء السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى لمناقشة أمر تأمين الحدود بين الدول الثلاث. وقد قال رئيس الجانب السوداني في المباحثات يعقوب إبراهيم، إن الأطراف ستبحث بعض التعديلات في البروتكول، مشيراً إلى أن الاتفاق الثنائي بين الخرطوم وإنجمينا أسفر عن استتباب الأمن على الحدود المشتركة، ما دفع الجانبين لتفعيل البروتكول الثلاثي بضم أفريقيا الوسطى. وهذا ذات ما أكده رئيس وفد أفريقيا الوسطى، دولي جينحين قال أن بلاده تنظر للبروتكول على أنه تحسين للعلاقات مع السودان ويسهم في حفظ الأمن على طول الشريط الحدودي للبلدان الثلاثة والذي يصل طوله إلى 1500 كلم. و من الطبيعي أن تهتم البلدان الثلاث بتأمين الحدود بينها حيث أن هذه الحدود اضحت مؤخراً مرتعا لنشاط الجماعات المسلحة التي اجبرها تفعيل إتفاقية القوات المشتركة بين السودان وتشاد على نقل نشاطها جنوبا حيث تقع حدود السودان مع افريقيا الوسطى المتاخمة لدولة الجنوب التي تغدق على المتمردين كافة انواع الدعم العسكري و غير العسكري هذا بخلاف ان الحركة الشعبية تستضيف قوات المتمردين الدارفوريين وقادتهم. من ناحية اخرى فإن حركة المسلحين أثرت على الحراك الاجتماعي للقبائل الحدودية عبر الحدود، كما ساعدت على انتشار الجريمة المنظمة العابرة للحدود حيث انتشر تهريب السيارات المسروقة من احدى البلدان لتباع كقطع غيار و خردة داخل البلد الآخر بالإضافة لإزدياد نشاط مهربي الماشية و السلاح و المخدرات و مختلف الجرائم. تجارة نشطة: ما يميز تشاد وإفريقيا الوسطى أنه ليس بهما أي موانئ بحرية ولذا تعتمدان بشكل كبير على الحركة التجارية الحدودية عبر الطرق البرية حيث تشمل حركة التجارة الحدودية بين السودان وتشاد سلع عديدة أبرزها الصمغ العربي والذي يعاني من عقبات ومخاطر التهريب حيث تقدر الكميات المهربة من الصمغ العربي لبعض الشركات التشادية بكميات تتراوح ما بين 2000 – 4000 طن، هذا بخلاف أن السودان يصدر لتشاد حوالي 60% من احتياجاتها من السكر أما في مجال البترول وبخاصة البنزين فهناك عقد تم إبرامه بين الحكومة التشادية وشركة النيل للبترول مما يجعل الميزان التجاري مرتفعاً في تجارة الحدود مع تشاد هذا غير تجارة الترانسيت حيث تستورد تشاد كمية كبيرة من البضائع عبر ميناء بورتسودان ثم يتم ترحيلها براً عبر الأراضي السودانية. هذه الحركة التجارية النشطة على الحدود بين تشاد والسودان اعتمدت على علاقات حسن جوار متجزرة في التاريخ وعلى علاقات اجتماعية راسخة للقبائل المشتركة والقبائل الحدودية ولكنها تطورت منذ عام 1979م عندما وضع بنك السودان ضوابط للسياسات المعرفية بهدف توسيع دائرة التبادل الاقتصادي والتجاري عبر الولايات الحدودية كانت ثمرتها توقيع ثمانية اتفاقيات تجارة حدودية كان من بينها ولايات شمال وغرب دارفور الحالية مع كل من تشاد وإفريقيا الوسطى وحدث تطور آخر عام 2001م عندما تم افتتاح إدارة جمركية بمنطقة الطينة بشمال دارفور لصالح تشاد ولم يقتصر الأمر على ذلك حيث تم تخصيص مساحة (24) ألف متر مربع للجانب التشادي بتسهيلات مميزة لحركة بضائع الترانسيت الواردة والصادرة وتجاوز الأمر التجارة الحدودية حيث افتتحت فروع الأسواق الحرة السودانية بتشاد بالإضافة للخطوط الجوية السودانية والبنك الزراعي وفرع شركة الصمغ العربي بينما افتتحت شركة أركوري التشادية بعض المكاتب لها بالسودان وقد وصل الأمر لدرجة التوأمة بين انجمينا و الخرطوم التي قدمت لأنجمينا محطة إذاعية كاملة. لم تقتصر العلاقات التجارية غرباً على تشاد حيث أن للسودان علاقة تجارية واسعة مع جمهورية إفريقيا الوسطى بدءاً من تجارة الصمغ العربي الذي تتم مقايضته عادة بالبن بالإضافة لتجارة السكر والذي يتم تهريبه أحياناً عبر إفريقيا الوسطى حتى الكنغو الديمقراطية ولعله من المناسب هنا أن نذكر أن إفريقيا الوسطى تعتمد على الصمغ العربي كصادر أساسي لها إذ يأتي في المرتبة الثانية بعد الماس. في ذات الوقت تم عقد اتفاقيات تعاون مشترك مع جمهورية إفريقيا الوسطى لتنشيط الحركة التجارية والتعاون الاقتصادي بين البلدين بالإضافة لمجالات أخرى تشمل التعاون في مجال التعليم العالي والإعلام وذلك أثناء اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة في سبتمبر 2010م. تلاحظ أن الاتفاقيات التي أشرنا إليها لن تجد حظها من التنفيذ إن لم يتوفر الأمن على الحدود مع إفريقيا الوسطى وتشاد رغم أهميتها البالغة لإنسان دارفور وللمواطن في تشاد وإفريقيا الوسطى ومن ناحية أخرى فإن تنشيط الحركة التجارية مرتبط لدرجة كبيرة بفتح وتحديد الطرق البرية حيث يجري العمل حالياً بامتداد طريق الإنقاذ الغربي داخل تشاد عبر مدينة الجنينة. الأمن الإقليمي: ساهم ضعف الأمن على طول حدود السودان مع تشاد (حوالي1200كلم) و مع افريقيا الوسطى (حوالي300كلم) في انتشار الجرائم عبر الحدود و التي بدأت بالجرائم التقليدية المتمثلة في سرقة المواشي من داخل اراضي كل بلد و تطورت مع تطور الزمان لتشمل التهريب التجاري بعيدا عن نقاط الجمارك و بعد ذلك بدأت تجارة السلاح و كل انواع التهريب من تهريب العربات المسروقة و تهريب الماشية و المخدرات و غير ذلك و نشط النهب المسلح للقوافل التجارية و السفرية العابرة للحدود او حتى داخل المناطق القريبة من الحدود في السودان و تشاد على السواء؛ و رغم وجود تشريعات تكافح مثل هذه الانواع من الجريمة إلا ان التنسيق بين كافة الأطراف فى البلدان الثلاثة يعتبر ضروري للغاية. هذه الدول تعتبر مثلث اقتصادي لتبادل المنافع للدول الثلاثة إذا تم توفير الاستقرار اللازم للتنمية الاقتصادية والحركة التجارية وتحتاج لعناية خاصة من الجهات الحكومية رغم ظروف ولايات دارفور لدفع حركة النشاط الاقتصادي والتجاري والتي بدورها تشكل عوامل مهمة في خلق الاستقرار والتنمية.