حظيت قضية دارفور منذ ان برزت للسطح خلال العام 2003م واتخذت أبعاداً سياسية وأمنية ... حظيت باهتمام المنابر الإقليمية والدولية والتي حولتها من مجرد صراع محلي محدود النطاق والتأثير كغيره من الصراعات في القارة الأفريقية إلى أزمة إنسانية وسياسية ، تدخل على اثرها مجلس الأمن والأممالمتحدة باستصدار قرارات تدين السودان وتحمله مسؤولية تفاقم الاوضلاع في دارفور . وقد نتج عن تلك القرارات تشكيل لجنة تحقيق دولية لتقصي الحقائق والتى اوصت فى ختام اعمالها برفع ملف القضية الى محكمة الجنايات الدولية ومن ثم تتابعت قرارات مجلس الأمن بشأن السودان والذى مافتأ يمارس ضغوطه على الحكومة السودانية لإلزامها بتنفيذ تلك القرارات ، مما اضفى على الأزمة ابعادا ً أكبر من حجمها لكونها مجرد تمرد مسلح تعاملت معه الدولة من منطلق واجبها فى بث الامن والاستقرار . وبدلا من تعامل المجتمع الدولى مع متمردى دارفور باعتبارهم خارجين على السلطة الشرعية بالبلاد .. الا انهم باتوا جزءا من الدبلوماسية الدولية بسبب كثرة المنابر والوساطات الدولية والاقليمية . مما شجع الحركات المتمردة على الرفض المستمر لخيارات السلام ، وعجل بانهيار اتفاقية ابوجا للسلام ، وقد فشلت كافة جهود توحيد فصائل التمرد ، حتى التقت ارادة الحكومة مع رغبة قيادات حركة التحرير والعدالة برئاسة د. التجانى السيسى والتى تضم اكثر من 18 فصيلا توحدت تحت لوائها ووقعت على وثيقة الدوحة للسلام في العام 2011. ومؤخرا طالب مجلس الأمن أطراف النزاع في دارفور وخاصة الحركات المسلحة غير الموقعة على وثيقة الدوحة للسلام ببذل الجهود اللازمة ودون أي شروط مسبقة للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وحل سلمي شامل للنزاع بناءً على وثيقة الدوحة. وقد أكدت الأممالمتحدة أن وثيقة الدوحة لسلام دارفور يمكن أن تكون اساسا لوقف إطلاق النار تمهيدا للتوصل إلى سلام شامل ينهى النزاع في الاقليم حيث دعا دانى سميث مبعوث الولاياتالمتحدة الخاص لدارفور عناصر الجبهة الثورية إلى الانخراط بجدية فى مفاوضات مع الحكومة السودانية لإنهاء النزاع . وحثهم على ابداء المرونة فيما يتعلق باجندة اتفاق سلام الدوحة ، مؤكدا أن بلاده حريصة على الحاق كافة الحركات الرافضة لوثيقة الدوحة لمسيرة السلام. ومن جهة اخرى كان مجلس السلم والأمن الأفريقي قد هدد بدوره بإتخاذ عقوبات ضد الأفراد والجماعات التي تقوم بأعمال أو أنشطة تهدد عملية سلام الدوحة وطالب مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات حازمة في الصدد. وعلى الرغم من هذه المواقف التي تتسم بالجدية من جانب الأممالمتحدة ومجلس الأمن إلا أن الواقع يبدو مغايراً خاصة فيما يتعلق بتنفيذ الموجهات الصادرة عن المنظمة الاممية والمجتمع الدولى حيال الحركات المتمردة. على صعيد آخر شكك المؤتمر الوطنى فى جدية مجلس الامن والاممالمتحدة فى اتخاذ قرارات ومواقف حازمة تجاة عناصر التمرد بدارفور ، وقال د. ربيع عبد العاطي عضو المكتب السياسي للمؤتمر الوطني إن مجلس الأمن تتحكم فى قراراته الدول الكبرى ، والتى تضع مصالحها فوق كل الاعتبارات بما فى ذلك استقرار وامن الدول النامية لذلك فإن قراراته عندما تكون ضد الدول الخارجة عن منظومة الدول الكبرى تكون متحيزه وفى غير مصلحة تلك الدول. ولفت عبد العاطي إلى أن مجلس الأمن بموقفه الجديد هذا حيال قضية دارفور وإن بدا ايجابياً لا يعني أنه يسير في الاتجاه الصحيح بحيث يمكن التفكير في أنه ربما يسعى لإتخاذ قرارات تلزم الحركات الرافضة وتدفعها للجلوس لطاولة التفاوض، مشيراً إلى أن السودان له تجربة مع مجلس الأمن وقراراته التي أصدرها ضد الحكومة بشأن مشكلة دارفور ولذلك لا يمكن الاعتماد عليه في الاتيان بشيء ايجابي يدفع بمجهودات الحل السلمي بالمنطقة. من جانبه قلل هاشم عثمان الناطق الرسمي باسم تحالف حركات دارفور الموقعة على السلام من حديث مجلس الأمن حول ضرورة الحاق الحركات الرافضة لوثيقة الدوحة ووصفه بانه غير جاد ويأتي في إطار الاستهلاك السياسي . وتساءل عن كيف يتخذ مجلس الأمن قراراً ضد متمردي دارفور بينما تأوى الدول دائمة العضويه فيه قادة الحركات المتمردة خاصة فرنسا وبريطانيا وأمريكا مؤكداً أن المجلس يريد تمرير أجندات خاصة به عبر ابدائه لهذه المواقف التي تتسم بالمرونة والمساندة لحكومة السودان لأن دارفور خرجت من أولوياته وأصبح يتجه حالياً لجنوب السودان ، مشيرا الى إن مجلس الأمن لم يدعم الاتفاقيات التي وقعت في السابق ولا حتى اتفاقية الدوحة التي يتحدث عنها حالياً. أما أحمد فضل الناطق الرسمي باسم حركة التحرير والعدالة فقد ابدى تحفظه حيال الموقف الجديد لمجلس الأمن ، وقال اننا الان نحكم بظاهر الأمور وان الأفعال هي التي ستحدد المواقف النهائية . أما بالنسبة للدفع باتفاق الدوحة للأمام وتمكينه فنحن المعنيين بذلك فى الحكومة وحركة التحرير والعدالة ، مؤكداً أن مسألة توحيد الحركات الرافضة وجلبها إلى دائرة السلام والحاقها بوثيقة الدوحة يعتبر هدفا إستراتيجيا بالنسبة للتحرير والعدالة بغض النظر عن أي مواقف أخرى يمكن أن تتخذها الولاياتالمتحدة أو مجلس الامن الدولي. من جانبه أبان مولانا أحمد عبد الحميد رئيس مفوضية العدالة والمصالحات بالسلطة الإقليمية لولايات دارفور أن إعلان الأممالمتحدة بشأن متمردي دارفور لا يأتي عن فراغ، مشيراً إلى أن السفير الأمريكي والمبعوث الأمريكي كانا حضوراً بمؤتمر أهل دارفور الذي عقد مؤخراً بمدينة الفاشر واستمعوا لأراء المؤتمرين الذين اكدوا إن أي جهة حاملة للسلاح لا يحق لها أن تتحدث باسم أهل دارفور ،وقد طالبت توصيات المؤتمر الحركات المسلحة للالتحاق بوثيقة الدوحة ، مضيفاً أن الاممالمتحدة وجدت نفسها أمام واقع جديد افرزته مخرجات مؤتمر أهل دارفور وتيقنت تماماً أن الحركات المتمردة مرفوضة أساساً من أهل دارفور . وطالب المجتمع الدولي ومنظومة الأممالمتحدة بممارسة ضغوط على متمردي دارفور لإكمال حلقات عملية السلام. أما الدكتور بهاء الدين مكاوي أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية فقد اعتبر أن مثل هذه الدعوة من مجلس الأمن يمكن أن تؤدي لنتائج عكسية وتجعل هذه الحركات أكثر تعنتاً في تعاملها مع الحكومة على فرضية أنها مسنودة دولياً وهذا يضر بالسلام بدارفور بحيث تصعد الحركات عملياتها العسكرية ضد المدنيين مواصلاً أن الحركات الرافضة حتى إذا استجابت للتفاوض بناءً على هذه الدعوة ستأتي بمطالب جديدة بما يعبر عن مصالحها مستدركاً أن متمردي دارفور ليسوا بحاجة لقرار من مجلس الامن ليندرجوا في إطار السلام بل الأفضل لهم أن ينفتحوا على الحكومة عبر حوار داخلي جامع. وأشار بهاء الدين إلى أن هناك قوة مهيمنة على مجلس الأمن ولها مصالح في السودان تريد تحقيقها من خلال اقتراح مثل هذه الحلول مضيفاً أن مشكلة دارفور من القضايا التي اهتم بها مجلس الأمن وأصدر بشأنها العديد من القرارات التي أثارت عدة تساؤلات تشكك في حياديتها ومدى مشروعيتها حتى أصبح ملف دارفور تحركه قوة صهيونية متحاملة على حكومة السودان ومتعاطفة مع الحركات المسلحة على الرغم من أن الحكومة بذلت مجهودات لتوضيح موقفها ونجحت إلى حد كبير في التوقيع على اتفاقات مع الحركات وتوحيدها حتى أصبح غالبية أبناء دارفور داخل دائرة السلام ، موضحاً أن الدوائرالمتحكمة في قرارات منظومة الأممالمتحدة لازالت ماضية في إضعاف الحكومة السودانية من خلال الضغط عليها بشتى السبل ، وبدا ذلك جلياً في مؤتمر مكافحة العنصرية الذي عقد بمدينة ديربان في العام 2009 حيث ركز المؤتمر على قضية دارفور بحضور يهودي متطرف صور القضية على أنها إبادة جماعية وهيأوا منابر داخل الأممالمتحدة لأبناء دارفور. وفي ذات المنحى قال حسن بيومي الخبير الأمني إن مجلس الأمن ليس لديه أي سيطرة على الحركات المسلحة مفسراً ما بدا منه على أنه موقف سياسي فقط لا يغير من واقع الأمر. وأشار إلى أن منظومة الأممالمتحدة وجميع اذرعها عبارة عن منافذ للتدخل والسيطرة على دول العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية حيث كان التدخل عبر الجيوش وهي طريقة تقليدية لا تتناسب مع مستجدات العصر لذلك لجأت الأممالمتحدة لوسائل أخرى أكثر تطوراً مثل الضغط عبر مجلس الأمن والبنك الدولي والمنظمات الإنسانية المنتشرة في جميع أنحاء العالم. وأكد بيومي أن مشكلة دارفور داخلية بحتة ولا تحل بتدخل مجلس الأمن أو غيره بل عبر الحوار الداخلي وهذا يذكرنا بقول مسؤول أمريكي سابق وهو السفير تشاس فريمان الذي ذكر أن تدخلات بلاده في دول العالم لا تؤدي إلا إلى خلق واقعاً قبيحاً ووضعاً مذرياً وتمزق وإذكاء للقبلية والمذهبية وضرب مثلاً بتدخل امريكا في العراق الأمر الذي أسفر عن تقسيم العراقيين على أسس عرقية ومذهبية بدلاً من توحيدهم ولم شملهم. وبالعودة إلى خلفيات تعامل مجلس الأمن مع قضية دارفور نجد أنه قد تعاطى معها وفق قرارات وإجراءات متداخلة ومتشعبة تناولت موضوعات وقضايا كثيرة تجاوزت إصدار العشرات من القرارات وفي خلال أقل من اسبوع واحد فقط صدرت ثلاثة قرارات بموجب الفصل السابع في الفترة من 24 مارس 2005 حتى الحادي والثلاثين منه وهذا يوضح الطريقة التي تعالج بها الأزمة. لذلك يبقى الحل الداخلي والحوار الدارفوري الدارفوري هو الطريق الأسلم للخروج من هذا النفق في ظل المواقف الأممية التي تتسم بالضبابية بحيث لا يمكن التعويل عليها في دفع عملية السلام بدارفور.